بموافقتها منذ أيام على قرار هادي بنقل اللواء الرابع حماية من حدودها الملتهبة وإعادته إلى عدن، بدا أن المملكة مهتمة كثيراً بمعركة عدن، وحريصة على أن يسترد هادي هيبته بنصر ساحق على القوى الموالية للإمارات التي منعت طائرته من الهبوط في مطار عدن، وأجبرته على المبيت في جزيرة سقطرى. خسر هادي وتحالف القوى الموالية للمملكة أول معركة معلنة مع الإمارات في عدن، وأجبر طيرانها قواته التي تحاصر المطار على الانسحاب، فلم يجد بدا من الاستسلام للهزيمة وإرسال ولده إلى أبوظبي ومغادرة عدن متوجهاً إلى الرياض التي لم تحرك ساكناً تجاه ما يحدث. انتهاء المعركة على هذا النحو، وصمت المملكة حتى الآن يضعنا أمام ثلاثة احتمالات؛ الأول: من المبكر الجزم به، وهو أن المملكة ومواليها قد هزموا في معركة الصراع على عدن المستمر منذ انسحاب الإمارات بما بقي من قواتها وعتادها من مأرب والتوجه جنوباً لدعم مليشيات الحراك الموالية لها، وتعزيز سيطرتها على عدن كحصة لها من غنائم الحرب على اليمن، تاركة للمملكة حضرموت وبقية اليمن، الأمر الذي وجدت فيه المملكة تطاولاً عليها واستئثاراً غير منصف من الإمارات بأكبر الغنائم، والمعركة لا تزال في بدايتها، هذا الصراع الذي بدأ سياسياً بإطاحة المملكة بحكومة خالد بحاح المقرب من الإمارات، واستمر على هيئة غارات خاطئة وعمليات إرهابية واغتيالات كانت الإمارات والموالون لها هم الطرف الأضعف فيه، غير أن تداعيات الحرب على المملكة كواجهة للتحالف وحروبها الأخرى وتشتيت قوات الموالين لها على الجبهات في الداخل اليمني، وعلى حدودها الجنوبية والمتغيرات الإقليمية والدولية في ملف الحرب على الإرهاب أضعف جبهتها والموالين لها في عدن إلا أنه لا يزال بإمكانها إعادة بعض القوات لخوض جولة مواجهات أخرى في عدن. أما الاحتمال الثاني: فهو أن صمت المملكة لا يعني الهزيمة ولا التخلي، وإنما تحضر لجولة أخرى من الصراع، سواء تحشد القوة الكافية من الموالين لها لاستعادة السيطرة على عدن، أو باستخدام الإرهاب لترويض الإمارات عن بُعد وإعادتها إلى مربع الطاعة. الاحتمال الثالث: أن المملكة قد اختارت النموذج التركي في القضية السورية، واتجهت إلى التخلي عن الموالين لها برئاسة هادي، أو على الأقل تذكيرهم بأنهم ليسوا أصحاب قرار، وما حدث تم بالتنسيق مع حليفها الإماراتي في هذا العدوان، خصوصاً وأن تحالف الموالين لها لم يحققوا إنجازاً ميدانياً في أي جبهة رغم كل ما أنفقته عليهم، وتوفير الغطاء الجوي لهم في كل جبهة، ولو شكلياً كما فعل حلفاء الإمارات في الساحل الجنوبي الغربي. هذا الاحتمال يعني أن العنوان العريض لصحيفة عكاظ منذ أيام (عصا ترامب تلاحق الإخوان بعد إيران) لم يكن عبثياً، وإنما يعكس توجهاً جديداً للمملكة تجاه حلفائها من الإخوان والتنظيمات الإرهابية، وتوجها أكبر في مسار العدوان بشكل كامل قد تشهده الأيام القادمة، ويعزز هذا الاحتمال الصد الذي ووجه به هادي في قطر واللامبالاة التي قوبل بها في المملكة قبيل عودته إلى عدن وتفجر المواجهات، كما أن جرأة الإمارات في إعلان الحرب على هادي والموالين للمملكة لا يبدو منسجماً مع الاستكانة للمملكة في قضايا الحدود وجسر الإماراتوقطر وغيرها، وهذا الاحتمال يفتح الباب على سؤال آخر هو: هل سيقبل الموالون تخلي المملكة عنهم بذات الذلة التي تقبل بها هادي إذلالات الإمارات له؟، وإذا لم يقبلوا فما الذي يمكنهم فعله؟ وهناك احتمال أن يكون صمت المملكة عائد لثقة مفرطة بأن الجميع مجرد تابعين لها، وأنها الممسكة بكل خيوط اللعبة، وتستطيع تأديب الإمارات وهادي في أي وقت. في كل الأحوال سيكون لمعركة عدن تداعيات سلبية على التحالف سياسياً وعسكرياً في سائر الجبهات، والمؤكد هو أن المرتزقة على رأس قائمة الخاسرين منذ الأمس، ليس فقط منذ اليوم.