تواصلت أعمال العنف والاحتجاجات أمس الخميس غداة اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في تونس، حيث أعلنت حركة النهضة أنها ترفض قرار رئيس الوزراء حمادي الجبالي تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية. فقد اندلعت مواجهات عنيفة الخميس في مركز ولاية قفصه (جنوب غرب) بين الشرطة ومئات من المتظاهرين الذين نظموا جنازة رمزية لبلعيد الذي اغتيل أمس الأول بالرصاص أمام منزله في العاصمة التونسية، كما أفاد مراسل وكالة فرانس برس بالمنطقة. وبدأت المواجهات عندما رشق أحد المتظاهرين الشرطة بزجاجة حارقة فردت بإطلاق مكثف لقنابل الغاز المسيل للدموع قابله المحتجون برشقها بالحجارة، وذلك خلال الجنازة الرمزية التي دعت إليها منظمات للمجتمع المدني وائتلاف "الجبهة الشعبية" (يسار) الذي كان بلعيد عضوا فيه.
إضراب عام وفي الإطار نفسه، دعا الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية في تونس) إلى إضراب عام اليوم الجمعة وإقامة جنازة وطنية لبلعيد. وأعلن الاتحاد في صفحته الرسمية على فيسبوك أن هيئته الإدارية التي عقدت اجتماعا استثنائيا أمس قررت "رسميا الإضراب العام الجمعة" ودعت إلى "إقرار يوم 8 فبراير" الذي يوافق جنازة بلعيد "يوم حداد وطني" وإقامة "جنازة وطنية" للقتيل.
فرنسا تغلق مدارسها وفي مواجهة هذه الأوضاع المتوترة، قررت فرنسا إغلاق مدارسها في تونس الجمعة والسبت حسبما أعلنت السفارة الفرنسية بتونس الخميس.
النهضة تحكم على نفسها بالانشقاق ويبدو أن التوقعات بحدوث انشقاق داخل حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس باتت واقعا مع خروج الخلافات إلى العلن بين رئيس الحركة وأمينها العام لاسيما حول تشكيلة الحكومة المرتقبة. وأعلن نائب رئيس الحركة عبد الحميد الجلاصي الخميس رفض مقترح رئيس الوزراء والأمين العام للنهضة حمادي الجبالي حول تشكيل حكومة كفاءات وطنية مصغرة، معتبرا أن تونس بحاجة إلى "حكومة سياسية". وخلال الأشهر الماضية واجه حمادي الجبالي معارضة قوية من قبل رئيس النهضة راشد الغنوشي بشأن التعديل الحكومي لاسيما بخصوص إقالة بعض وزراء النهضة وفي مقدمتهم وزير الخارجية رفيق عبد السلام من جهة، وإسناد حقائب وزارية لشخصيات سياسية ليبرالية من خارج الائتلاف الحاكم من جهة أخرى. ويتمسك الغنوشي بألا تنفتح التركيبة الجديدة للحكومة إلا على "الأحزاب القريبة من النهضة" وهي أحزاب لا تحظى بثقل سياسي يذكر فيما يحاول الجبالي الانفتاح على المعارضة وإشراكها في إدارة المرحلة الانتقالية من خلال تعيين شخصيات سياسية علمانية في مسعى لانتشال حكومته من عزلتها وتخفيف الضغط السياسي عليها. وقال الجلاصي "رئيس الوزراء لم يأخذ رأي النهضة... نحن غير موافقين على حكومة كفاءات مصغرة". وأضاف "نحن نعتقد أن تونس بحاجة الى حكومة سياسية الآن. سنواصل المناقشات مع أحزاب حول مستقبل الحكومة المقبلة". وأعلن الجبالي مساء الأربعاء أنه سيشكل حكومة "كفاءات وطنية لا تنتمي إلى أي حزب" وذلك إثر اغتيال شكري بلعيد المعارض اليساري البارز، بالرصاص أمام منزله. ولفت إلى أن مهمة الحكومة التي ستكون "محدودة" في الزمن، تتمثل في "تسيير شؤون الدولة والبلاد إلى حين إجراء انتخابات (عامة) سريعة". وأوضح أن الحكومة ستكون "مصغرة" وستتشكل من "أبرز ما لدينا من كفاءات، وفي كل الوزارات السيادية وغيرها، تعمل على الخروج من هذه الوضعية". ويكشف هذه الخلاف الحاد عن عدم قدرة النهضة على المحافظة على وحدتها مع وجود تيارين ينفصلان تدريجيا مع تولي الحركة الإسلامية مقاليد الحكم في تونس بعد الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل سنتين تقريبا. وتسود تجاذبات حادة بين تيار القيادات التي عاشت في الخارج طيلة أكثر من عشرين سنة وتفتقد لمعرفة ميدانية دقيقة للواقع التونسي الذي تنظر إليه من زاوية التقارير الدولية وبين تيار قيادات الداخل التي واكبت تحولات المجتمع التونسي وتتبنى رؤية براغماتية منفتحة ترى أنها ضرورية لتأمين نجاح الحركة في عملية إدارة المرحلة الانتقالية.