يبدو أن تحرير العقل العربي أصعب من تحرير فلسطين يقول "الماغوط"، موجة الربيع العربي، فقاعة الصابون هذهِ كما سماها الرئيس الأسد استبدت بالناس عاطفياً بفبركة أخبار وخِطاب طائفي اقتنع الشارع العربي أن ما يحدث في سوريا (ثورة) لا مؤامرة وأن النظام يقتل الشعب وأن أمريكاوفرنسا وتركيا وكل دول الاستعمار تدعم تحرر الشعب السوري وتصر على نيله حقوقه وأن ممالك الخليج بدعمها المعارضة الخارجية والجماعات الإرهابية المسلحة ترسي الديمقراطية. إن الشارع العربي يقع مرة أخرى في الوحل نفسه، صدّق الجميع أن الجهاد في أفغانستان قضية دينية وتحرير بلاد إسلامية، وانقلبت عليهم "طاولة البيت الأبيض" التي كانت تدعمهم ضد "السوفييت" وفي الوحل نفسه وقعوا في غزو العراق 2003م. صدّقوا أن الغرب يحرر الشعب من نظام دكتاتوري فأرتهم أمريكا ماذا يعني أن تحرر بلداً من شعبها وخيراتها....الخ واليوم يقعون في الوحل الأمريكي الخليجي نفسه جهاد في سوريا ضد الجيش العربي والدولة تحت راية الانتداب الفرنسي وباسم الربيع. الذي يُهندسه "برنارد ليفي- رجل الموساد الصهيوني " أحد الفاعلين في حروب كصربيا وجورجيا والسودان كما هندس "لورانس الاستخبارات البريطانية "من قبل ما يُسمى بالثورة العربية الكُبرى خدمة للحلفاء والاستعمار الأمريكي والأطلسي في الحرب العالمية الأولى، وكان من أوائل صانعي -دولة آل سعود- في نجد والحجاز والهاشميين في الأردنوالعراق مما أدى إلى احتلال فرنسا وبريطانيا لسورياوفلسطينوالعراق. منذ عام 2011م فُتحت مراكز إنتاج جهاديين تكفيريين في أكثر من بلد عربي وخاصة البلدان التي زارها الخريف وتصديرهم لإحراق سوريا، وضرب كامل البنية التحتية والاقتصادية والعسكرية باسم الله والشريعة والطائفة، منذ بداية العدوان على سوريا حتى اليوم ضحايا التفجيرات الإرهابية والقتل الذي تمارسه الجماعات الإرهابية يكاد لا يُحصى، وطبعاً يتم عرض الضحايا على أن النظام من قتلهم، ولم تكن دور العبادة والأماكن المقدسة بعيدة عن أهدافهم الكنائس المساجد الجامع الأموي جامعة حلب مزار السيدة زينب...الخ كانت كلها أهدافاً حية للجماعات الإرهابية (سرقت دموعنا يا ذئب تقتلني وتدخل جثتي وتبيعها)...درويش بالأمس كان استهداف العلامة الكبير الإمام محمد سعيد البوطي في مسجده محاولة إسكات لصوت العقل والحقيقة، استهدافه وهو المؤلف والمفكر العالمي مشروع ممنهج وتكملة لتصفية الفنانين والعلماء والسياسيين ليفقد هذا الوطن قواه؛ لأنهم لم يحملوا من الدين إلا القشور.. كان لزاماً عليهم أن يستهدفوا كل رجل دين حقيقي يدعو من أجل الله لا الناتو ولا "البترو دولار "، وكيف يمكن لعاقل أن يغتال رجل دين متعبداً معتكفاً في مسجدٍ، بتفجير إرهابي وليس اغتياله وحده فحسب، بل يغتال عشرات المصلين الأبرياء معه، والذين لا ذنب لهم إلا أنهم أحبوا الله والتقوا تحت منبره الحق الكريم. اليوم تتعرى تماماً صورة الجِهاد في سوريا كما تتعرى كل يوم وبكل ضحية جديدة، ويُفترض أن تشكل هذه الحادثة مفترقاً مهماً ليفكر من لا يزال مُضللاً بحريات سياسية تأتي بعبوات ناسفة، ويعيش بوهم الجِهاد في سبيل تل أبيب.