قرَّر الشباب الخروج للساحات، ليس من أجل إسقاط شخص بعينه بقدر الرغبة في اقتلاع جذور الفساد وتغيير منظومته وإقامة الدولة المدنية الحديثة على أساس العدالة والمساواة ورفع المظالم. حينها سالت الدماء على قارعة الطرقات، وخرج الشباب من تعز الحالمة سيراً على الأقدام إلى صنعاء الثائرة ب"مسيرة الحياة". كان هذا عنواناً له من الدلالات والمعاني ما يرتقي إلى صفوة السمو والمعالي، مترجماً أحلام وطموحات وطن وإنسان نحو مسيرة حقيقية من البناء والإعمار وصناعة الإنسان، وبعد مرور أكثر من عام على التسوية السياسية بين أطراف النزاع وبعد كلِّ التضحيات والجرعات المؤلمة التي تحمَّلها الوطن، هالني ما وصلنا إليه من العبث والفساد والمحسوبية.. ولم تكن المسيرة التي خرج من أجلها الشباب للحياة كما تمنوها، وهو ما أكَّده الرئيس السابق قبل أيام من ابتداء مؤتمر الحوار الوطني عندما قال "يلومني الكثير حول ما جرى ويحملونني المسؤولية بقولهم أن من يحكم اليوم وما نحن فيه هم من صنيعتك".. وأنا أقول "نعم هم صنيعتي ومخلفات نظامي". أسفاه على مسيرة كانت تنشد الحياة وانتهت بمخلفات نظام سابق... "مرحلة انتقاليه".. جملة دائماً ما يبرر بها الشباب ومن كانوا في الساحات من ينهش في جسد هذا الوطن، تبريراً لفساد ونهباً للمال العام وتقاسماً مقيتاً للسلطة.!! كما تفاجئني بعض الممارسات من قبل بعض المسؤولين "ومن هم من مخلفات النظام السابق".. أحدهم يشغل رئيس المجلس المحلي لمدينته، والمفترض أن يكون قد تعلَّم من الدرس واستفاد من تجربة السابق باتخاذه مجموعة من القرارات المزاجية واللا مدروسة، فيوماً يطلق مبادرات تهدر أموالاً طائلة وعبثية وضياعاً ونتيجتها صفر، ويوماً يصدر تعيينات ارتجالية مزاجية، فهل من المقبول تعيين مدير عام لمكتب تنفيذي من أكبر المكاتب التنفيذية لشخص لا يمتلك من سنوات الخبرة شيئاً.!! كان كلُّ حلمه في الحياة هو الحصول على درجة وظيفية..!! وبقدرة قادر يتم تعيينه مديراً عاماً ويتم صرف سيارة خاصة له بعد شهرين من تعيينه يصل ثمنها إلى "54000" دولار ومن الخزينة العامة للدولة..!! أليس الأجدر أن يمنح الدرجة الوظيفية قبل كلِّ هذا..!! لم يكذب الرئيس السابق عندما قال "مخلفات نظامي"، فمازالت عقلية الهرجلة والتسلط والمزاجية هي السائدة، ومازال الفساد ينخر في جسد وطن يحتاج إلى مسيرة حياة أخرى.. لك الله يا يمن. [email protected]