قبل نحو سنتين نشر مركز ديني في ذمار شيوخه في المساجد يحذرون السكان من التعامل مع حملة وزارة الصحة للتحصين ضد شلل الأطفال، واستجاب لهم كثيرون، وظهرت لاحقاً حالات شلل بين الأطفال الذين لم يحصنوا ضد هذا الفيروس.. ولا يزال بعض رجال الدين عندنا يحذرون من اللقاح في كل مناسبة تنفذ فيها وزارة الصحة حملات تحصين ضد الفيروس، تارة بالقول إن اللقاح مؤامرة يهودية للقضاء على نسل المسلمين، وتارة بعدم أهمية تناول جرعات التحصين. والمعروف أن اللقاح الذي يحمي من الإصابة بشلل الأطفال أصبح فعالاً منذ 57 سنة، وقد أنقذ البشرية من فيروس قاتل، وصارت بعض الدول اليوم خالية من مرض شلل الأطفال.. إذاً من أين جاء رجال الدين بتلك الدعايات الضارة؟! مؤخراً قرأت حكاية مبتكري هذا اللقاح، وعرفت أن هذه الدعاية أو الشائعة قديمة، ولكن يتم تجديدها أو استحضارها في أوقات التحصين. وللفائدة أوجز ما قرأته.. الطبيبان الأمريكيان "جوناس سولك" و"ألبرت سابين" هما اللذان ابتكرا وطورا لقاحاً يحصن الأطفال ضد فيروس شلل الأطفال، وكلاهما يهوديان.. "سابين" يهودي ولد في بولندا عام 1906م، ثم هاجر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، و"وجوناس سولك" ابن أسرة يهودية روسية هاجرت إلى أمريكا، وقد اشتغل الاثنان في الأبحاث الطبية رغم كونهما محاصرين بالاضطهاد بسبب ديانتهما. أنتج "جوناس" لقاحاً عام 1954م وأعطي لمئات الأشخاص عن طريق الحقن في الجلد، وكان اللقاح عبارة عن فيروسات مسببة للمرض تم إماتتها بمادة الفور ملدين، ولكن التجربة لم تكن ناجحة، إذ أصيب بعضهم بالفيروس بعد تناول اللقاح، وتوفي أكثر من عشرة أشخاص.. كانت يهودية "جوناس" سبباً في التشكيك في ذمته من قبل الأمريكيين، بينما فشل اللقاح يعزى إلى أن "جوناس" استخدم فيروسات ميتة. قام "ألبرت سابين" بتطوير التجربة من خلال لقاح مشابه، عبارة عن فيروسات تم إضعافها -ليس إماتتها كما في تجربة "جوناس"- بحيث تنتج داخل الجسم أجساما ً مضادة للفيروس دون أن تسبب أي مرض.. تم إعطاء اللقاح هذه المرة عن طريق الفم "نقط" كما هو سائد إلى اليوم، وبذلك نجح اللقاح بصورة نهائية منذ عام 1956. لقد أنقذ هذان اليهوديان البشرية من أكثر الأمراض ضراوة، لكن فشل التجربة في أولها إلى جانب أن "جوناس وألبرت" يهوديان أنتج تلك الشائعة عن المؤامرة اليهودية التي تظهر مجدداً أيام التحصين إلى اليوم.