منذ بداية الانتفاضة في سورية، نظر العديد من الناس، على الأقل في الإدارة الأميركية المتوجسة من الحرب، إلى الأزمة الجارية هناك من منظور تجربة العراق -على الرغم من أن الصراعين ينطويان على الكثير من الفروقات. ففي العراق، أدى غزو أجنبي استهدف الإطاحة بنظام صدام حسين إلى نشوب اشتباكات طائفية ما تزال مستمرة حتى اليوم. أما في سورية، فقد تحولت انتفاضة محلية سلمية ضد الرئيس بشار الأسد إلى حرب طائفية ينخرط فيها أجانب على كلا الجانبين. ومع ذلك، ما يزال بعض السوريين يغزلون الآن على منوال التجربة العراقية. في شرقي سورية، حيث تمتد القبائل السنية عبر الحدود مع العراق المجاور، يرعب ارتقاء جبهة النصرة، المجموعة المتطرفة المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة، الحكومات الغربية وغيرها في الشرق الأوسط. وقد نعت بعض المحليين مجموعة ثوار الفاروق المسلمة المعتدلة ب"الصحوة". وكان هذا المصطلح يشير في العراق إلى المليشيات القبلية السنية التي رصت صفوفها إلى جانب الأميركيين في جهد رمى إلى سحق تنظيم القاعدة في العراق. وقد حصلت "الفاروق" على ماركة الصحوة (وجمعها صحوات) بعد تصادمها مع جبهة النصرة في مناطق يتنافس فيها الجانبان على السطوة والنفوذ. ويقول رجل في تل الأبيض، البلدة الواقعة إلى الشمال من الرقة وموطن نحو 25.000 نسمة وتقع في شمال شرق سورية، وتعد المنطقة الأكبر التي انتزع الثوار السيطرة عليها من نظام السيد الأسد: "هذه صحواتنا". وفي الجانب الآخر من الطيف، يعج فضاء التدوين الجهادي على الإنترنت بالتحذيرات من تهديد تطور "الصحوة" تحت الوصاية الأميركية أو الأردنية أو السعودية. وكانت كتائب الفاروق التي نشأت أولاً في حمص، ثالث أضخم مدينة سورية، وامتدت شرقاً، كانت ذات مرة الفصيل الأقوى في منطقة الرقة، فيما يعود في جزء منه إلى الأموال القطرية والدعم التركي. لكن جبهة النصرة والجماعات السلفية الأخرى سرعان ما تجاوزتها بفضل المزيد من الأموال والاستراتيجية الأفضل. ويندب رجال الفاروق سيطرة جبهة النصرة على حقول النفط والقطن، ونجاحها أغلب الأحيان في محاولاتها اغتيال قادة الثوار المنافسين. ويرد أعضاء جبهة النصرة بالقول إنهم ببساطة مقاتلون أفضل ويجتذبون دعماً أكثر، وهو ما يمكنهم من وضع أيديهم على مستودعات الأسلحة. لكنها ليست المجموعات الثورية المنافسة وحدها هي التي تعادي جبهة النصرة. فقد أصبح المدنيون يناصبونها العداء ويتحولون ضدها. ويشرح شيخ قبلي يتعامل بانتظام مع التنظيم بالقول: "لقد سئم الناس من المجموعة لعدم وقفها للصوص الصغار الذين يسلبون السيارات والمنازل، والذين أصبحوا لصوصا كباراً يسلبون النفط". وتقول امرأة لها قريب عضو في المجموعة: "إننا نخاف منهم". وكان المحتجون في مدينة الرقة التي يسيطر عليها مزيج من مجموعات الثوار قد نزلوا إلى الشوارع أكثر من مرة مؤخراً وهتفوا: "الرقة حرة حرة، جبهة النصرة اطلعي برة". وقد رفضت النساء المحليات في المدينة واللواتي يخرجن سافرات الخضوع لمطالب المجموعة بتغطية رؤوسهن.