لا يمكن لإنسان فقد مُتعة الأخبار السارة أن يضيف لأرشيف قلبه المُعبأ بالمتاعب أي سِرْ، سينفجر مثل بالونات أعياد الميلاد لو فكر بمثل تلك الحماقة . لقد صار من الصعب علينا وسط كل هذه المواجع ودوشة الحياة أن نحتفظ بسر عظيم، أوننكر -في المقابل- جميل فضيحة "ووترجيت" التي نسفت القاعدة القديمة "صديقي من يحفظ السر".. ربما كان لبعض الأسرار قديماً مفعول (الأسانسير) وقد يحملك سرا ما من البدروم إلى آخر طابق في أعلى ناطحات سحاب، لكن العالم اليوم قرية صغيرة ولم يعد في حياتنا ما يمكن أن نسميه سِراً عظيما أو خطيرا .. حتى أسرار قيام الساعة، فإن بعض رجال الدين الأفاضل لم يكتشفوها كُلها فحسب، بل لقد صاروا (يضيفون) إليها "وإن شاء الله محد حوش". مشكلة حينما نريد للكلمات أن تموت في مكانها الأول، تماماً كأسماك السلمون ! أو حينما تتحول العلاقات الإنسانية بكل برائتها إلى كلمات متقاطعة عليك أن تحلها بحثاً عن كلمة السر.. في وقت أصبح "الحشوش" أصلا عبادة يومية.. وأصبحت حكاية (سِرك في بئر) موضة قديمة مثل سيارات الفوكسوآجن . بسبب فضيحة مونيكا ليونسكي تحولت وكالات الأنباء العالمية إلى مناجم ذهب! وأكثر ما يضحكني في هذه البلاد حينما أسمع أحدهم يعرف بنفسه بأنه فلان الفلاني ويعمل أمين عام سر الحزب الفلاني؟ بالله عليكم أيش عاد باقي من أسرار مع هذه الأحزاب وقد فضائحها بجلاجل أصلا ؟! أو حينما نتحدث عن حاجة اسمها أسرار دولة في حين أن مياهنا الإقليمية مفتوحة على مصراعيها ومجالنا الجوي "مُفالخ للطرف" وقلك أسرار دولة ؟! في بلادنا لوحدها الوضع مختلف تماماً.. أنك تستطيع أن تحصل على كل الأسرار من دون وجع قلب ولا جواسيس ولا هم يحزنون. فقط في جلسة قات (مقيل) يخرج المخبأ كله دفعة واحدة.. والمدهش أنك تحصل على سِر تصنيع قنبلة نهاية الكون.. حتى وإن لم تكن قد صُنعت من أصله . إنهُ (القات) يتحفك أحياناً بأسرار تعرض لأول مرة. [email protected]