( هذا هو "صادق منصور" الذي نبكيه ) #مبتسم .. رغم المنغصات : - كثير من الناس - حتى البشوشين منهم - تأتيهم أحياناً حالات حزن ، فينعكس ذلك على وجوههم ، فتراهم لا يبتسمون بصورة دائمة . لكنّ ( صادق منصور ) ما من مرّة قابلته ، إلا ورأيته مبتسماً ، فأتفاجأ فيما بعد من الآخرين ، إما أنّه كان متعباً ، أو أن لديه مشكلة . #متواضع .. رغم المشيَخات : - كثير من الأشخاص ، الذين ينتمون إلى أسرة ( مشائخ ) أو ( سادة ) أو شخص يوجد معه قريب شيخ منطقة ، أسمعه من حين إلى آخر ، يفتخر بانتسابه إلى تلك المشيَخَة ، وكم سمعتُ مثل هذا الفخر ، حتى من الأشخاص الملتزمين ، لكن ( صادق منصور الحيدري ) رغم أنه من أسرة مشائخ ، إضافة إلى أنني أسمع أشخاصا من ( آل الحيدري ) ينسبون أنفسهم إلى السادة ، لكن والله ما سمعت هذا الرجل الصادق المتواضع حتى ( مرّة واحدة ) وهو يفخر بنسَبه . ولم أعرف عنه إلا من أصحاب منطقته ..! #كريم .. رغم الخَصَاصات : - كثير من الناس الذين يوصفون بالكرم ، لو تتبعت حالتهم المادية ، ستجد أنهم من ميسوري الحال ، وبالتالي تشعر أن ظروفهم المادية ، تسمح لهم بمساعدة الآخرين .. إلا أن ( صادق منصور ) جميع أصحابه يعرفون حالته المادية ، التي ربما توصف تقريبا بعيش الكَفَاف ، ومع ذلك وجدت فيه صفة كرمٍ من نوع خاص ، وأحسبه والله حسيبه ، أنه من الذين يؤثرون على أنفسهم ، ولو كان بهم خصاصة . #عابد .. رغم كثرة المهمات : - كثير من الناس - وأنا أحدهم - تجد الواحد عندما يكون لديه عملا ، يصلي الفريضة مستعجلا ، وبدون سنن راتبة ، ولو صادف يوما يُسنُّ فيه الصيام ، يبرِّرُ لنفسه ، أن لديه عملا مهما ، ويُلَبِّس له إبليس ، بأنه في جهاد ، أوْجَب وأهم من السنن الغير واجبة . إلا أن ( صادق منصور ) رغم انشغالاته الكثيرة ، ومسئولياته المتعددة ، وجدته مثالا في عبادته ، ونموذجا للعبد المتذلل بين يدي خالقه ، المحافظ على صلاته ، وفي الجماعة الأولى ، المتقرب إلى الله بالنوافل . #زاهد .. رغم المغريات : - العديد من الزملاء ، الذين أصادفهم ، وأجلس معهم ، أسمع منهم ، غالبية كلامهم عن المشاريع الدنيوية ك ( الأراضي - البناء - السيارة - التجارة - السفريات ) وهذا ليس عيباً . لكن "صادق منصور " ما قد قابلته وسألني مرة واحدة عن أراضي ، أو سيارات ، أو يشكو سوء المعيشة - وأنا أدرى بظروفه - وإنما يبدأ يسألك عن صحتك ، ثم يقول لك دعوة ملازمة له ، نفرح بسماعها منه وهي ( الله يفتح عليك ) . ثم يغادرك وهو يبتسم لك ، وقبل المفارقة يحرص على طلب الدعاء منك ، وأنت أحوج للدعاء من رجل صالح مثله . #متفائل .. رغم المحبطات : - كثير من الناس الذين أقابلهم ، أسمع منهم تذمراً بسبب سوء الأوضاع ، وأجد لديهم يأساً من استقرار الأوطان ، ويتندمون على ما قاموا به من مشاركة في أي تغيير ، ويلعنون الشعب بأكمله . إلا ( صادق منصور ) فلم يكن يتذمر ، ولم يُحبَط ، ولم ييأس ، بل أنه يزرع في أصحابه حب الأمل والتفاؤل ، وهذا هو السلوك الذي يجب أن يكون عليه المؤمن الواثق بربه ، فالمؤمن كل أمره له خير . #شُجاع .. رغم التّخَوُّفات: - من تعلّق بالله ، فلا يخاف إلا من الله ، ومن اعتقد اعتقادا جازما بأنه ( لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) فإنه لا يخاف ، ومَن جعل الآخرة أكبر همِّه ، فإن الخوف على فقدان الدنيا لا يُهِمه ، هذا هو البطل الشجاع "صادق منصور" لم يحمل سلاحا ، يمشي منفردا بدون مرافقين ، شارك في جميع المسيرات ، بما فيها تلك التي سقط فيها شهداء ، آخر شخص يغادر ساحة الحرية بتعز يوم أحرِقتْ ، رغم التهديدات التي تلقاها قبل موته ، إلا أنه ظلَّ إلى آخر لحظة من حياته ، يرسم البسمة في وجوه قاتليه ، ويصافح اليد التي اغتالته ، دون أن يحقد على من قتله ، وكأني به الآن وهو يقول كما عهدناه : يا ليت قومي يعلمون ، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين . #متعايش .. رغم الاختلافات : - جميع الخلافات والصراعات الموجودة في دول العالم العربي ، أساسها تمسك كل حزب أو جماعة أو قبيلة أو أسرة بما لديها ، وكل حزب بما لديهم فرحون ، فيظل كل فريق يخطط ليل نهار ، من أجل أن يلغي الفريق الآخر من الوجود . لكن "صادق منصور" رجل غير هؤلاء ، ينظر إلى الحزبية تنوعاً وإثراء لأجل الوطن ، وليس لإزاحة الآخرين وإشعال الخلافات والفتن . فكان دائماً من دعاة التعايش ، ويعمل على تقريب وجهات النظر بين أبناء الوطن الواحد ، حزبه الكبير هو اليمن ، يحب الجميع ، لذلك أَحَبَّه الجميع ، عدى قاتله الذي لا يحب التعايش ، ولا يحب من يدعو للسلم والتعايش . #أنيق .. رغم الانشغالات : - كثير من الناس يفهم ( اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ) ويفهم أيضاً ( البذاذة من الإيمان ) على أن الإنسان الملتزم الزاهد ، هو الذي يكون رثّ الثياب ، متناقض الألوان ، أو يلبس لونا واحدا ، وثوبا واحدا ، طول العام ، بل ربما أكثر ، مع أن الله أكرمه وأغناه . لكن "صادق منصور" منذ عرفته وهو في الصف الثاني الثانوي ، وزملائي الذين درسوا معي ومعه ، يتذكرون ذلك الشاب الأنيق - بدون بذخ - صاحب ذوق في تنسيق ألوان ثيابه ، يحب الأبيض من الثياب ، ولكنها بيضاء كبياض قلبه ، دائماً نظيفة ، مكويّة ، حتى غلاف جنبيته ، لم أره إلا جديدا ، ونظافته ملازمة له في جميع الأيام ، وكل من يعرف صادق يقرّ ويعرف ذلك . وهذه هي شخصية المؤمن التي يجب أن يكون عليها ، وحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما وصف جبريل ، بدأ يتحدث عن جبريل ويصفه " إِذْ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر" قبل أن يتحدث عن الإسلام ، والإيمان ، والإحسان ، والساعة . #ذكي .. فوق التوقعات : - أنت تدرس ولا تعمل ، هذا أمر طبيعي ومتوقع حتى تتفرغ لدراستك . ومن المتوقع أيضاً .. أن تعمل ليل نهار ، ثمّ تدرس ، وهذا ممكن ، وربما سيؤثر على مستواك الدراسي ، ومعدل درجاتك . لكن أن تعمل طول الوقت ، وتدرس منهجا مكثفا ، كمناهج المعاهد العلمية ، ثم تأتي الأول كل عام ، فهذا غير متوقع . لذلك " صادق منصور " تجاوز كل التوقعات ، فرغم انشغالاته الكبيرة ، ظل يحافظ على المرتبة الأولى ، وهو الذي كان يومها يدرس منهجين في سنة واحدة ، منهج علمي + منهج أدبي ، وفي نتيجة الثانوية أتوقع في عام 1988م كانت المفاجأة ، عندما أُعلِنت النتيجة ، والطالب الذي حصل على ( الأول ) على مستوى الجمهورية اسمه ( صادق منصور ) . #رحمة الله عليك أيها الصادق في حياتك .. المنصور يوم شهادتك ويوم مماتك .