منطق تبرير حالة بؤس وشقاء إنساني محدد وذلك عبر الإشارة أو التلميح إلى حالات أبأس وأشقى منطق تبرير متهافت، لأنه منطق يكرس ويعزز بؤس وشقاء الناس، هناك من يماثل بين حالتي بؤس وشقاء غير متماثلتين, أحداها ثارت وانتفضت, بينما الأخرى لم تبلغ بعد مرحلة الثورة أو لا زالت لم تبلغ حتى مرحلة الحلم بالثورة, إن كل محاولة للمماثلة بين الحراك الجنوبي وقضيته مع أوضاع مناطق أخرى لا تستقيم مع جدل المشكلات التاريخي والاجتماعي. إن كل من يحاول المماثلة والمشابهة في المشكلات ليست أكثر من محاولات استنساخ غير ناجحة يمكن أن تفضي إلى تشوهات وإعاقات مستقبلية, وكل محاولة للالتفاف على قضايا الناس عبر وسائل تم تجريبها ليست إلاّ مقامرة شديدة الخطورة. وكل الاجراءات المتخذة حتى الآن لا تعدو عن كونها تكرار ممل وعودة إلى التعاطي مع مشكلات الناس بنفس الأدوات والوسائل القديمة, وهناك من يصر على وأد الحوار الوطني ومخرجاته؛ وتصوير وظيفته في أذهان الناس كما لو كان غرفة تبريد أو الماء الثقيل في المفاعل النووي، وهناك قناعة تتعزز وتتسع أكثر فأكثر تعتبر الحوار الوطني غرفة تبريد مفاعل انتفاضة الشباب.
إن الجنوب الثائر على أوضاعه يحتاج إلى إجراءات تختلف عن سواه من القضايا والمشكلات, وقضية صعدة تحتاج إلى إجراءات تختلف عنها عند سواها, إن رفض قضايا الناس عبر التمارين اللفظية المكررة أو إنكار وجود تمايز أو اختلاف لا يحل القضايا بقدر ما يفاقمها, فلا زال هناك من يراهن على القوة والحل الأمني أداة للتعامل مع توترات الناس وثورتهم في زمن مختلف يتطلب تحديث في أساليب التفكير, وهذا لن يحدث ولا يمكن أن يحدث إلاّ بضرورة إحداث تغييرات بنيوية في المجتمع.
أن الظلم في كل مكان من البلد وليس حصراً بالجنوب مثلاً ليست إلاّ مغالطات منطقية. وعندما تتحدث عن الاستبداد والطغيان , فإن الاشارة إلى كل حالات الاستبداد والطغيان الماثلة أو التي ذهبت في ذمة التاريخ لا يمنح مشروعية لأي استبداد وطغيان قائم, نحن بحاجة إلى منطق تفكير عصري مختلف , يعترف بوجود المشكلات واختلافها, كما نريد إرساء ثقافة الاعتراف بالفشل وتحمل مسئوليته . كفانا منطق تفكير يكرس ثقافة القبول بالأمر الواقع, لأن منطق تفكير يتخذ من التبرير وسيلة لا يعدو إلاّ سفيراً لنوايا غير حسنة هدفها إشاعة حالة انهزام عام أو "ما فيش فائدة يا صفية دفيني".
وإذا عجزنا عن صناعة مناخ للتحرر بالجملة، فلا ضير إن يتحرر الناس ولو بالتجزئة، وهذا أفضل من تكريس منطق تبرير ينزع عن الناس روح المبادرة والثورة على بؤسهم وشقاءهم, جميع الثورات كانت ثورات بالأصالة عن حالات بؤس وشقاء محددين، ولن تجدوا ثورات بالنيابة، وكل الثورات الأصيلة تنجح في إنجاز مهماتها وأهدافها أما الثورات المصدرة أو ثورات التقليد تفشل, ثورات أصيلة ولو بالتجزئة خيراً من ثورات تقليد ولو كانت بالجملة..!!!
استاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث المساعد قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن