محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحبيشي: على الحزب الحاكم أن يستخدم آليات العمل المدني وأن لا يراهن على الأساليب الدواوينية في العمل السياسي
نشر في يمنات يوم 26 - 05 - 2008

وقال احمدالحبيشي في الحوار الذي اداره الزميل محمد البذيجي مشرف رابطة اللقاءات والندوات في الرابطة ان على الحزب الحاكم تقع مسؤؤلية كبيرة و عليه أن يستخدم آليات العمل المدني في صفوف الجماهير وأن لا يراهن كثيرا على الآليات الحكومية والأساليب الادارية والدواوينية في العمل السياسي الحزبي والجماهيري.
وقال الحبيشي في سؤال لاحد الاعضاء ان علي عبد الله صالح عليه ان يواصل سعيه الثابت للبحث عن أجوبة جديدة على الأسئلة التي تطرحها متغيرات الحياة باستمرار .
●الواقع السياسي في بلادنا لا يخلو من النجاحات والأزمات والتناقضات والمصاعب بما هي نتاج موضوعي للعملية الديمقراطية التي بدأت بإرادة وطنية مستقلة ومن دون إملاءات خارجية
ماهي السمة الابرز للواقع السياسي في بلادنا - النجاحات ام الازمات والتناقضات
وايضا ذكرت بان العمليه الديمقراطيه بدأت بإرادة وطنيه مستقله دون املاءات خارجيه
فهل هذا يعني بان العمليه الديمقراطيه الان تسري باملاءات خارجيه ؟
نعم سبق لي ان قلت ان العملية الديمقراطية في اليمن بدأت بارادة وطنية داخلية بالنظر الى انها جاءت رديفا للوحدة التي تحققت يوم الثاني والعشرين من مايو 1990 ، بوصفها أكبر عملية إصلاح سياسي تمت في بلادنا بارادة وطنية مستقلة .. بمعنى أن العملية الديمقراطية في بلادنا لم تكن إستجابة لضغوط خارجية على نحو ما يحدث هذه الأيام من مطالب دولية بتحقيق اصلاحات سياسية في العالم العربي والاسلامي خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
لا اتفق مع سؤالك بأن هذا يعني أن العملية الديمقراطية الجارية الآن في البلاد تسري باملاءات خارجية بحسب الاستنتاج الذي لا يخفيه سؤالكم ، لكن ذلك لا يعني عدم وجود حوافز خارجية لدعم التحول الديمقراطي في اليمن سواء من قبل المجتمع الدولي المتحضر أو من قبل المنظمات الدولية غير الحكومية بما فيها برامج نشر الديمقراطية التي تمولها وتنفذها مؤسسات خارجية حكومية وغير حكومية .
● وجود حزب حاكم فاعل ومعارضة قوية شرط لبناء ديمقراطية معافاة ، فهل وجود ديمقراطيه معافاه يوفر حزبا حاكما فاعلا ومعارضه قويه . وباي آلية تظهر فاعليه الحاكم وقوة المعارضه؟
الديمقراطية المعافاة من الكوابح والتشوهات تنتج بالضرورة أحزابا سياسية فاعلة سواء على مستوى السلطة أو المعارضة .
وعندما يكون الحزب الحاكم وقوى المعارضة شريكين في صنع أزمات الديمقراطية كما هو الحال في بلادنا ، فإنّ الخروج منها لا يتحقق بواسطة طرائق التفكير والعمل القديمة التي تسببت في صنع تلك الأزمات.. وهي طرائق تكرس في اللاوعي إدعاء ملفقاً باحتكار الحقيقة، وتعجز في ميدان الواقع عن إنتاج المعرفة به، وتصادر في نهاية المطاف مبادرات الأفراد بفرض وصايتها على الحرية.
الثابت إنّ السياسة حين تعجز عن التغيير في السلطة والمعارضة، تصبح عبئاً على الحياة.. ولذلك فإنّ القطيعة مع هذه السياسة تغدو أحد الآليات الأساسية لإحداث التغيير المنشود الذي يحقق فاعلية متكاملة بين الحزب الحاكم وقوى المعارضة ، ويسهم في نهاية المطاف في تعظيم فاعلية الديمقراطية ، وبناء بيئة سياسية جديدة تستمد مفاعيلها من حاجة الديمقراطية للخلاص من أزماتها.. وحاجة السلطة لتجاوز ركودها وحل مشاكلها.. وحاجة المعارضة لمعالجة تناقضاتها ومعافاة كساحها.. وفوق ذلك كله، حاجة المجتمع لمشروع مستقبلي جديد لا يعيد إنتاج المشاريع البالية التي ترفض الاعتراف باستحالة عودة عصر القوميات الأوروبية، ولا زالت تتمسك بأوهام إحياء نظام الخلافة العثمانية أو الإمامة المتوكلية، وتتوهم بإمكانية انبعاث الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية العالمية.. ولم تدرك بعد أنّ عالم اليوم ليس عالم الأمس.. وأنّ عالم الغد لا يمكن أن يكون نسخة مكررة لعالم مضى وانقضى.
ويمكن القول إنّ معالجة مصاعب ومشاكل الديمقراطية في بلادنا تتوقف على ضرورة الاعتراف بتقصير الأحزاب السياسية سواء في السلطة و المعارضة عن إخضاع خطابها السياسي وطرائق تفكيرها وعملها للنقد والتقويم، وصولاً إلى تحويل وظائف كل من السلطة والمعارضة إلى تنويعات متفاعلة ومتكاملة في سياق مشروع وطني ديمقراطي كبير.
● كانت التجزئة تقوم بتعريف الوحدة وتعريف شروط قيامها.. كما أصبحت التجزئة أيضاً هي التي تقوم بتوظيف المفهوم الآيديولوجي للوحدة بهدف خلق نقيضه، أي تبرير وتكريس الدولة الشطرية هل من الممكن اعاده تعريف الوحده في هذه المرحله الشائكه وخاصة بعد ان اوشكت اطراف تتعامل مع الوحده بمفهوم المنتصر والمقابل يراه بمفهوم المحتل ؟
نعم من الممكن بل ومن الضروري إعادة تعريف الوحدة بعد تحقيقها وبعد مرور 18 عاما منذ تحقيقها بصرف النظر عن المصاعب والتناقضات والأخطاء التي رافقت بناء الجمهورية اليمنية الموحدة . نحن بحاجة أيضا الى إعادة تعريف السياسة والكثير من القيم والأدوات والأفكار التي ترتبط بها مثل الدولة و السلطة والمجتمع المدني والحرية والتعددية والشرعية .
لا يمكن اعادة انتاج التعريف الذي كان الوعي الوطني يقدمه للوحدة كرفض لواقع التجزئة في ظل الامامة والاستعمار ولواقع التشطير في ظل وجود جمهوريتين شطريتين بعد انتصار ثورتي 26 سبتمبر و14 اكتوبر على الاستبداد الامامي والحكم الاستعماري الانجلو سلاطيني .
نحن بحاجة الى تعريف جديد للوحدة بعد 18 عاما من قيامها وبعد ولادة جيل كامل في ظلها . هذا التعريف يجب أن نصوغ على أساسه وعينا الوطني ليس من أجل تجاوز واقع التجزئة والتشطير الذي لم يعد موجودا ، ولكن من أجل منع الممارسات الخاطئة والانحرافات والتشوهات التي تقدم الوحدة في صورة منتصر ومهزوم وأصل وفرع ، حيث من شأن هذه الممارسات والمفاهيم الخاطئة التي يتم تسويقها باسم الوحدة تكوبن لا وعي سياسي يحرض على نشر ثقافة الكراهية االمناطقية والقروية والقبلية والطائفية بين صفوف المواطنين ، ويفتح الطريق لانبعاث المشاريع الانفصالية القديمة التي تجاوزتها الحركة الوطنية اليمنية .
● عندما يكرس المثقف والكاتب قلمه من اجل كسب ولاء السلطه ترى في اي خانه نتركه؟
أنت تتحدث عن تعريف قديم للمثقف غير العضوي تجاوزه الفكر الانساني منذ ظهور نظرية غرامشي عن المثقف العضوي .. السلطة يا عزيزي ليست شيطانا رجيما .. والمعارضة ليست عصيانا لولي الأمر.. السلطة هي الهدف الرئيسي للناشطين في المجتمع السياسي والمشتغلين في الفكر السياسي .. انها الهدف المحوري للتعددية بمختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والفكرية .. وفقا لهذا التعريف من الطبيعي أن يكون للمثقف العضوي موقف مع البرنامج السياسي للسلطة أو ضدها . لا توجد خانة أخرى للمثقف بين السلطة أو المعارضة ، لأنه من غير المعقول أن يكون موقع المثقف فقط في خانة المعارضة أو في خانة السلطة.
هناك من يعتقد أن خانة المثقف يجب أن تكون بين بين . ولكن ذلك لا ينفي حقيقة أن ثمة جسور ومصالح تربط هذا المثقف غير العضوي بالطرفين معا .
● قال الاستاذ احمد الشرعبي ان الحزب ليس دينا من خرج عنه يعد صابئا .. ترى كيف تعلل هجرة المثقف الى حزب السلطه ؟
هناك كثيرون ومن بينهم الزميل احمد الشرعبي غادروا أحزابهم الى حزب المؤتمر الشعبي العام ، ثم واصلوا من خلال الحزب الحاكم التعبير عن قناعاتهم وأفكارهم التي ربما أدركوا أن أحزابهم القديمة أصبحت عاجزة عن تحقيقها .
اشارك الاخ الشرعبي بأن الحزب ليس دينا ، وأضيف اليه أم الحزبية وسيلة وليست غاية .
و من هذا المنطلق لا توجد هجرة للمثقف من المعارضة الى السلطة أو العكس . مامن شك في أن الديمقراطية عملية سياسية مفتوحة على التفكير النقدي والتنوع والاختيارات الحرة في المجال الواقعي ، بمعنى ان الديمقراطية ليست عملية ذهنية تجريدية تتم في مجال افتراضي .. ولذلك لا يمكن فهم تحولات وتناقضات ومصاعب واشكاليات الديمقراطية بأدوات ومعايير شمولية ، أو بمصادرة حق الأفراد والجماعات في ممارسة أي شكل من أشكال المراجعة النقدية الحرة للتجارب السياسية، وهي مهمة ملحة وضرورية وفورية.
ومن المفارقات العجيبة أن بعضنا يتحدث عن الديمقراطية وحرية الاختيار والاعتقاد ، بينما يلجأ هذا البعض الى تحقير وتسفيه كل من يقوم بمراجعة ونقد التجارب الخاطئة بعد ثبوت إفلاسها وضمورها وعدم قدرتها على التطور اللاحق، حيث ينبري الناعقون لاتهام كل من يمارس النقد الذاتي ويراجع تجربته السياسية بالخيانة والتقلب والتلون والخروج عن الجماعة التي تصر على الإقامة الدائمة في الماضي والعيش في قالب جامد ونهائي.
الثابت أنّ العقائد الشمولية مطلقة وكلية حيث يفترض كل واحدة منها تمثيل الحقيقة واحتكارها.. وحين يغير المرء عقيدته السياسية الشمولية يفقد بالضرورة تلك الحقيقة من وجهة نظر العقيدة السياسية الشمولية التي انتقدها وتحرر منها، ويُعد بالتالي مرتداً ومهاجرا ً تتوجب محاربته وملاحقته وتشويهه حتى يموت حياً.
اني أستغرب كيف يصر البعض على الانتساب إلى مدار الديمقراطية التعددية بعقلية شمولية ماضوية، ويقدم نفسه كمشروع حضاري للمستقبل.. بينما يتحول هذا البعض بسرعة قياسية إلى جلاد يوزع تهم وأوصاف الخيانة والانتهازية والتلون على كل من يسعى الى تجديد طرائق وأساليب ووسائل عمله بعد طول عناء.
عموما لا أفهم كيف يمكن أن يكون ديمقراطياً من يحاكم تحولات الديمقراطية بمعايير الشمولية وأدواتها.. فالديمقراطية هي أفق حر للتفكير النقدي، ومجال مفتوح لحرية الاختيار، وفضاء واسع يتيح حرية قصوى في مراجعة الأفكار والتصورات والاستعدادات وتداول السياسات والخيارات.
● هل نمتلك امكانيات لردم الفجوة الحضاريه الهائله بين العالم العربي والغربي ؟
ما من شك في أن القرن العشرين المنصرم تميز بتحولات عاصفةٍ ومتسارعةٍ أسهمت في تغيير بُنية العالم، وإعادة صياغة العمليات الجارية في مختلف حقول العلم والفكر والسياسة والاقتصاد والعَلاقات الدولية، وما ترتب على ذلك من ضرورة إعادة تعريف العديد من المفاهيم المتعلقة بقيم الحق والعدالة والحرية والسلطة والثروة والمعرفة والأمن والسيادة.
في خضم هذه التحولات غير المسبوقة برزت العولمة كمنظومة جديدة من الإشكاليات والتناقضات والعمليات، لتطرح أمام العقل عدداً من التحديات والأسئلة التي تتطلب أجوبة لا تستطيع الأيديولوجية توفيرها، ولم يُعد بمقدور صيغ التفكير المطلقة والجاهزة معالجة معضلاتها.
لقد أضحت صورة العالم بالغة التعقيد.. فالعولمة تشكل اليوم منظومة عالمية جديدة من العمليات المركبة، حيث تتداخل الأسواق المالية ويتسع الانتقال الفوري للمعلومات والمعرفة عبر تكنولوجيا الاتصالات التي تضغط على الزمان والمكان، ويتكامل نظام عالمي للإنتاج والتسويق بقيادة شركات عملاقة متعددة الجنسيات وعابرة الحدود والقارات، فيما يتم تسويق أجندات سياسية كونية تستند إلى الليبرالية الجديدة في المسائل المتعلقة بالدولة والاقتصاد والثقافة.
يزيد من تعقيد صورة العالم الذي يتجه بخطى متسارعة نحو ذرى العولمة، أنّه يعاني من بيئة طبيعية غير متوازنة تهدد قدرة كوكبنا الأرضي على توفير حياة آمنة للبشرية . كما تواجه جغرافيا هذا الكوكب تحديات وضغوط العمليات السياسية والاقتصادية الرامية إلى إعادة تنظيم الحيز والمساحة وإلغاء الحدود التي تحول دون حرية مرور رؤوس الأموال ومنتجات الثورة الصناعية الثالثة.
في تقديري أنّ مأزق العالم العربي في نهاية القرن العشرين والألفية الثانية جاء محصلة لتراكم مريع من الإخفاقات والتراجعات التي تتالت منذ قرون طويلة ، تمتد إلى ظهور السلفية المتشددة التي مارست مختلف أشكال العداء للعقل ، وحاربت الفلسفة والعلوم الطبيعية والترجمة، وأضطهدت رواد العلم المسلمين من الفلاسفة وعلماء الكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات والمنطق ، وأحرقت كتبهم الثمينة ،وحصرت صفة أهل العلم والعلماء على المشتغلين فقط في مجال الفقه والخطابة الدينية الشفاهية وحفظ وتلقين النصوص الفقهية ،الأمر الذي مهّد لتراجع مساهمة العرب والمسلمين في إنتاج وتطوير وتحديث منجزات العلوم والآداب والفلسفة والفنون، وصولا الى غروب شمس الحضارة العربية والإسلامية.. وزاد من خطورة هذا المأزق أنّه تزامن مع انتقال الحضارة الحديثة في نهاية الألفية الثانية وبدايات الألفية الثالثة، من الحداثة إلى ما بعد الحداثة.. ومن العالمية إلى العولمة.
تسألني عن سبل الخروج من هذا المأزق ؟ .. أقول لك بكل صراحة أنه لا توجد وصفة سحرية للخروج من هذا المأزق.. بيد أنّ الاستجابة لتحديات االفجوة الحضارية ممكنة في حال الاندماج بالحضارة الانسانية الحديثة والاستقلال في داخلها وليس عنها واستيعاب أدواتها وقيمها ، وذلك من خلال تأسيس فكر علمي نقدي وثقافة سياسية منفتحة على قيم التعددية والتنوع وخطاب ثقافي جديد ، وبما يساعد العقل العربي على تجاوز أسئلة النهضة التي عجز الفكر العربي والإسلامي عن الإجابة عليها، منذ إنّ طرحها رواد فكر التنوير في القرن التاسع عشر تحت تأثير صدمة الحداثة الأولى مع الثورة الصناعية.. على أن يتم الانتقال بعد ذلك إلى صياغة أجوبة جديدة على أسئلة الزمن الجديد التي تطرحها الصدمة الثانية لما بعد الحداثة، تحت تأثير متغيرات عصر العولمة وثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات!!
يبقى القول أنّ بلوغ أهداف كهذه غير ممكن من دون بلورة مشروع نهضوي للتغيير الشامل، عبر بوابة التجديد الديمقراطي للمجتمع العربي بأفق الحرية والحداثة، بما هما نقيضان موضوعيان لأي وصاية على الدين والعقل والهوية والثقافة والمعرفة، أو إدعاء باحتكار الحقيقة، أو مصادرة لضرورة الحداثة واستبدالها بتحديث التخلف!!
مما له دلالة في هذا السياق ان الآلة بوصفها أبرز معطيات الحداثة الإنتاجية في حقبة الثورة الصناعية، انتجت وقائع وحقائق جديدة، ووحّدت العالم في شبكة علاقات ذات طابع عمودي.. بيد أن دخول الرقم كعنصر حاسم في الإنتاج الأليكتروني جعل الواقع والحقيقة مفتوحين أمام تحولات بلا حدود.. بمعنى إمكانية إكساب العالم الواقعي بنية أفقية إندماجية لامتناهية، بعكس عالم الثورة الصناعية العمودي والمجرد.
كانت التناقضات في عالم الحداثة الصناعية قائمة ً بين بنى محورية ذات حدود صارمة ، وبين فواعل ومفاعيل ترتبط فيما بينها بعلاقات عمودية.. امّا عالم ما بعد الحداثة فهو يتسم بنزوعه نحو التحول الى أن يتحول الى بنية سوقية محورية ومندمجة، تصبح التناقضات معها قائمة ً بين فاعِلَيْن متميِّزَيْن بطريقتي تفكير متناقضتين.. الأول يفكر بعقلية ديناميكية ويعمل على تطوير أنماط التفكير والعيش من خلال الإندماج ضمن سوق كونية تتوفر فيها فرص غير مسبوقة لتبادل المعطيات من أفكار وسلع وخدمات ومعلومات، فيما يفكر الآخر بعقلية إنعزالية تقليدية، ويصر على العمل وفق قوالب مدرسية نقلية، وأفكار ماضوية متكلسة وجاهزة ، ما يؤدي الى إهدار الفرص المتاحة للتقدم، والإستمرار في إعادة إنتاج العجز، وتهميش الذات بالذات نفسها!!
صحيح ان ثمة فجوة حضارية كبيرة تفصل بين العالم العربي والإسلامي وبين الغرب بحسب سؤالكم ، وهي فجوة تجسد تخلف البلدان العربية والاسلامية عن اللحاق بعصر الحداثة الأولى التي دشنتها الثورة الصناعية والتقنيات العلمية في القرن السابع عشر الميلادي وبلغت ذروتها في القرون الثلاثة الأخيرة، وكان من نتائجها تقسيم العالم الى مركز مهيمن وأطراف تابعة ومعزولة، وما ترتب على ذلك من عالمية ذات طابع عمودي.
لكن عصر الثورة الأليكترونية، بما هو عصر الانفجار المعرفي وما بعد الحداثة يتسم بالنزوع الى تغيير خارطة العلاقة بين مفاعيل النظام الكوني.. فالمادة لم تعد عضوية وآلية بل اليكترونية ومعلوماتية.. وبالمقابل لم يعد الفكر يبحث عن الحقيقة من خلال المعطيات الموروثة والقائمة فعلا ، بل من خلال المعطيات التي يهتم العقل بالتفكير في إبداعها وإنتاجها عبر تقنيات المعلومات وشبكات الإتصال، وما يترتب على ذلك من تغيير العلاقة بين الوعي المعرفي والواقع الملموس .
من المفارقات التي تميز عصر العولمة وما بعد الحداثة عما قبله، انه ينطوي على حوافز وفرص تفتح إمكانات هائلة أمام كل من يرغب في الإندماج به للتأثير في مفاعيله الداخلية وتغيير قواعد حركتها.. بمعنى ان العولمة فضاء مفتوح للمجايلة والمشاركة والإشتغال على معطياتها ووقائعها من خلال قدرات معرفية وأنساق ذهنية، لا قدرات مادية عضوية كما هو حال الحداثة الصناعية.
● هناك من يرى أن الفجوة الحضارية بين العرب والمسلمين من جهة وبين الغرب من جهة أخرى يصعب ردمها لانها لم تعد فجوة بين عالمين متمايزين فقط ، بل بين التخلف الحضاري الذي يترسخ عندنا والتقدم الذي يتعمق ويتسارع في الطرف الآخر .. ما رأيك ؟
التخلف ليس قدرا ً مطلقا ً.. ولعل ما يميز الواقع العربي والإسلامي في عصر العولمة وما بعد الحداثة الذي تزامن مع ميلاد الألفية الثالثة من التاريخ الميلادي، عن عصر الحداثة الذي دشنته الثورة الصناعية الأولى والثانية قبل ثلاثمئة عام، هو استمرار تخلفه بوتائر متصاعدة، مع وجود فرص موضوعية لتجاوز واقع التخلف.
ولاريب في أن الفرص المتاحة لتجاوز واقع التخلف تتطلب طريقة تفكير جريئة وإقتحامية من أجل إجتراح صيغ جديدة للإنفتاح والعمل والنمو والتلاقح والتفاعل، بدلا ًمن لعن العولمة والبكاء على أطلال الهوية والخصوصية والسيادة ، أو تحريض الناس وتعبئتهم يثقافة الكراهية ضد مليارات البشر من أتباع الأديان الأخرى في العالم الصناعي .. وبهذا فقط يمكن للمهمشين في العالم العربي ردم هذه الفجوة الحضارية من خلال المشاركة في جدل العصر، وتجنب المراهنة على إمكانية الاقامة الدائمة في الماضي ، لأنه سيكرس بقاء العالم العربي على الهامش .
● احمد الحبيشي الكاتب - الصحفي - الشاعر أيهم اقرب اليك ؟
الصحافة والشعر والرسم والتصوير والسينما والمسرح والغناء ،جميعها أدوات فنية للتعبير عن الرأي والفكر والموقف .
أشكرك كثيرا وأشكر الأخت فاطمة رشاد التي قدمتني كشاعر صدر له ديوان عن دار العودة في بيروت قبل حوالي ربع قرن وله قصائد عديدة خارج هذا الديوان .
في الواقع أشعر بألم شديد لتوقفي أو بالأصح إنقطاعي عن التعبير بواسطة القصيدة الشعرية ، لكن ذلك لا يعني أنني توقفت عن التعبير بالكتابة . وهذا ما قاله الدكتور عبدالعزيز المقالح في كتابه الذي صدر في منتصف الثمانينات من القرن الماضي بعنوان ( البدايات الجنوبية في الشعر اليمني المعاصر ) حيث اعتبرني المقالح في ذلك الكتاب واحدا ً من رموز هذه البدايات وهي شهادة أعتز بها كثيرا من شاعر ومفكر وناقد عظيم يفخر به اليمن بل والعالم العربي .. ثم تحدث الدكتور المقالح بعد ذلك عرض وتحليل الكثير من قصائدي الشعرية عن توقف مسيرتي الشعرية ، معللا ً ذلك التوقف بأنه حدث نتيجة الانتقال بالتعبير عن موقفي في الحياة ورؤيتي لها من الكتابة بالشعر الى الكتابة بوسائل أخرى .. ومع ذلك يسعدني أن أجيب على سؤالك بأن تجربتي الشعرية أحب الى نفسي وأقرب اليها من تجربتي السياسية والصحفية .
● هل تعيقك إدارتك لمطبوعة رسميه عن النقد السياسي ؟
لا أعتقد ذلك لأنني ما زلت أواصل الكتابة النقدية في الصحيفة ..وقد كتبت ونشرت كثيرا من المقالات التي أنتقدت بها بعض سياسات السلطة ازاء بعض القضايا الداخلية .. كما نشرت الصحيفة في ظل إدارتي لها عددا من المقالات الانتقادية لبعض الكتاب والقراء دون أن أتعرض لآي مساءلة أو قمع أو نقد .
● رسالة قصيرة تتركها لكل من :
* اللقاء المشترك
عليه أن يدرك خطورة الخطاب السياسي الذي ينزع نحو حرق المراحل وصناعة الأزمات.
* الحزب الحاكم
عليه أن يستخدم آليات العمل المدني في صفوف الجماهير وأن لا يراهن كثيرا على الآليات الحكومية والأساليب الادارية والدواوينية في العمل السياسي الحزبي والجماهيري.
* الرئيس
أتطلع الى أن يواصل سعيه الثابت للبحث عن أجوبة جديدة على الأسئلة التي تطرحها متغيرات الحياة باستمرار .
* الصحافه الحزبيه
الصحافة الحزبية مطالبة بالتخلص من خطابها الأحادي الشمولي ، وتحرير هذا الخطاب من الطابع الدعائي التحريضي الكيدي الذي سيرتد عليها سلبا ً من الناحيتين السياسية والمهنية .
* الصحافة الرسميه
الصحافة الرسمية معنية بتحديث تقنياتها ، وتطويرأساليب وأدوات عملها ، وتجديد خطابها الاعلامي ، والتحرر من رواسب الشمولية التي تعيق استجابتها لتحديات التعددية والتنوع والانفتاح في البيئة الاعلامية الجديدة محليا ً وعالميا ً .
* احمد الحبيشي
عليه مواصلة رحلته نحو نقطة البداية التي لم يصل اليها بعد .
* القصيدة والحياة
الحياة واقعية وافتراضية في آن واحد ، ولذلك يمكن اعتبارها قصيدة مركبة ، أما القصيدة فهي محاولة لإعادة إكتشاف العالم الواقعي والافتراضي بواسطة الكلمة وايقاعاتها الموسيقية وأدواتها الفنية ورؤاها الفكرية ومخيالها الشعري .
● ماهو رأيك الخاص في مايحدث في الجنوب؟
هناك أطراف عديدة في السلطة والمعارضة مسؤولة عن ما يحدث في المحافظات الجنوبية التي لا زالت تعاني من الافرازات السيئة لحرب صيف 1994 .. وبوسعي القول ان عدم معالجة الآثار السلبية لتلك الحرب فتح الطريق لاستثمارها سياسيا من قبل أطراف معينة في السلطة والمعارضة على حد سواء ، خصوصا عندما أخطأت بعض قوى السلطة في التقليل من خطورة استمرار المخرجات السلبية لتلك الحرب ، والتهاون في معالجتها استنادا الى حسابات خاطئة .. وبالمقابل فان أحزاب المعارضة المنضوية في اطار ( اللقاء المشترك ) أخطأت حين راهنت بعد فشلها المريع في الانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006 ، على امكانية تصفية حساباتها مع الحزب الحاكم وتمهيد الطريق للوصول الى السلطة ، من خلال خيار اللجوء الى الشوارع المفتوحة على الهواء والغبار والرياح والأشباح في آن واحد. فوجدت نفسها رهينة في هذه الشوارع التي دخلت على خطوطها المفتوحة قوى مشبوهة ومشاريع ميتة وغبار يعمي الأبصار ، ونزعات انتقامية تحرض على إتعميم ثقافة الكراهية في أوساط المواطنين ، وما يترتب على ذلك من مخاطر جدية تهدد وحدة النسيج الوطني للدولة والمجتمع.
*ما سر التحولات الفكرية التي طرت عليك خلال السنوات السابقة ؟
أنا اشكرك كثيرا على هذا السؤال واعتبره شهادة على أنني أستخدم العقل في ممارسة نوع من التفكير النقدي .. وبهذا الصدد أود التأكيد على أنني لا زلت مؤمنا بالتوجه الفكري التقدمي ولم أغيره ، ولعل من يقرأ كتاباتي ومقالاتي أن يلاحظ أنني لم أتغير فكريا وهو ما يعترف به خصومي السياسيون، بيد أن ذلك لا ينفي وجود بعض المراجعات الفكرية النقدية في بعض المحطات لأنها ضرورية لضمان الحضور الحر للعقل النقدي الذي يجب استخدامه دائما لقراءة المتغيرات التي تحدث باستمرار في العالم الواقعي بهدف اعادة اكتشاف هذا العالم والبحث عن أجوبة جديدة على الاسئلة الجديدة التي تطرحها تحولات ومتغيرات الحياة ، والتي لا يمكن فهمها والاجابة عليها من خلال تعطيل دور العقل والاكتفاء بنقل ما يردده الجهاز المفاهيمي القديم للوعي السائد .
يهمني أن أوضح لك أن مساري الفكري لا يزال ثابت باتجاه تقدمي ، ولعل ذلك يفسر ما كتبه الزميل نصر طه مصطفى في رسالة التهنئة الي هيئة تحرير صحيفة ( 22 مايو ) بعد صدور الصحيفة في انطلاقتها الجديدة عام 2003 في شكل ومضمون جديدين بعد أن توليت رئاسة تحريرها . حيث حرص الأخ نصر طه على القول بأن صحيفة ( 22 مايو ) في تلك الانطلاقة جسدت ما وصفه الأخ نصر ثبات رئيس تحريرها على رؤاه الفكرية والمهنية .
في الاتجاه نفسه فاجأني الصديق العميد يحي محمد عبدالله صالح أركان حرب الأمن المركزي عندما قام بزيارة مفاجئة وغير متوقعة لمؤسسة 14 اكتوبر في العام الماضي بعد حملة التكفير التي تعرضت لها من قبل بعض خطباء المساجد في عدن ، حيث قال لي وطلب نشر ذلك في الصحيفة بأنه جاء شخصيا للتضامن مع النهج التقدمي لصحيفة 14 اكتوبر . وهي شهادة أخرى أعتز بها الى جانب شهادة الزميل العزيز نصر طه مصطفى وكلا الشهادتين تفيدان بأنني لازلت متمسكا بنهجي التقدمي الذي أسير عليه منذ سنوات .
أن الثبات في وجهة السيرنحو التقدم يستوجب تجديد مفاهيمنا إزاء متغيرات الحياة لضمان وجهة تطورها اللاحق بالاتجاه التقدمي .لأن الحياة تتغير وليست على حال ثابتة وساكنة ، ولأنها كذلك ، ينبغي علينا تشغيل الوظيفة النقدية للعقل في مراجعة مخرجات الممارسة العملية وانعكاسها على الوعي في بعض المحطات التي تتطلب مزيدا من التقويم النقدي لخبرة الممارسة ومزيداً من التصويب لبعض جوانبها السلبية .
لست وحدي من يقول بأن أحوال الحياة تتغير باستمرار في عالمنا الواقعي وبالتالي لا بد أن يتجدد وعينا بهذه المتغيرات والتحولات التي ترافق مسار تطور الحياة الانسانية ، بل ان هذا ايضا هو ما أوضحه ابن خلدون في مقدمته الشهيرة : ((إنّ أحوال العالم والأمم والناس وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنّما هو الاختلاف على الأيام والأزمنة والانتقال من حال إلى حال.... وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأبصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول)).
تأسيسا على ذلك لا يعيب الإنسان، كما لا يعيب الأحزاب والحركات السياسية والمفكرين والمثقفين والسياسيين ممارسة الحرية القصوى في النقد الموضوعي والنقد الذاتي ومراجعة الأفكار والسياسات وتجديد طرائق التفكير والعمل، والبحث عن أجوبة جديدة على الأسئلة غير المألوفة التي تطرحها الحياة وصولاً إلى تصويب وجهة التطور التي لا يمكن لأحد أن يزعم بأنها ساكنة وجامدة .. فالجبال يراها الانسان جامدة لكنها تمر مر السحاب .. والانسان يا عزيزي ابراهيم لا يضع قدميه في ماء النهراو البحر أو السيل مرتين ، لأنه في المرة الثانية يكون قد وضعهما على ماء أخرى بحكم أن جريان الماء لا يتوقف على مدار كل ثانية من الزمن .
● ما رأيك بقرار إغلاق صحيفة الوسط ؟ وما هو واجبكم تجاه هذا الإغلاق ؟
كنت أتمنى أن لا تقدم وزارة الاعلام على اتخاذ ذلك القرار الذي ألغاه القضاء .. ومن جانبي فقد حددت موقفا مهنيا شخصيا ضد القرار عند صدوره حيث اتصلت بالأخوين نصرطه مصطفى نقيب الصحفيين وسعيد ثابت وكيل أول النقابة معبرا عن عدم ارتياحي لهذا القرار .. كما اتصلت بالزميل جمال عامر يوم صدور قرار الاغلاق وأعربت له عن تضامني معه ، وكذلك فعلت عندما أتصلت به يوم صدور الحكم القضائي لصالح الوسط حيث هنأته بهذا الحكم الذي انتصر لصحيفة ( الوسط ).
● هل يمكن اعتبار هذا القرار مؤشرا على تراجع الحريات الصحفية ؟عموما لا أعتقد ان قرار وزارة الاعلام بسحب ترخيص ( الوسط ) يعد مؤشرا لتراجع الحريات الصحفية لأن عدد الصحف الحزبية والمستقلة في تزايد مستمر ، كما أن البلاد تشهد تعاظما مستمرا لحالة التعبير عن الآراء والأفكار في أطار الحريات التي يكفلها الدستور والنظام السياسي التعددي .. ويحدث ذلك يوميا بوسائل مختلفة من خلال الصحافة الحرة والندوات والمظاهرات والاعتصامات والبيانات السياسية والتصريحات الصحفية وغيرها من وسائل التعبير عن الآراء والمواقف والمصالح ، الأمر الذي يشير بوضوح الى أن الحريات في بلادنا تشهد تقدما واتساعا وليس تراجعا وانكماشا .
لا ننسى أيضا أن القضاء أصدر حكما بالغاء قرار وزارة الاعلام وهذا دليل إضافي على حيوية حالة الحريات في اليمن ، لأن الديمقراطية لا تزدهر بدون حماية من قبل سلطة القانون .
● تعرضت قبل سنوات لحادث إعتداء .. تم في البداية توجيه اللوم إلى الجماعات الإسلامية ثم أتضح أن الفاعلين هم من قيادات المؤتمر في عدن وأن الموضوع له علاقة بتغطية 22 مايو لقضية الأراضي في عدن .. أين وصلت التحقيقات في القضية ؟ ولماذا لم تظهر للرأي العام ؟
أرجو أن توجه السؤال الى الجهات المختصة .. أما من ناحيتي فانني لن أتنازل عن حقي في ملاحقة أولئك المجرمين بالوسائل القانونية المدنية .. ولن يسقط هذا الحق بالتقادم .
● الممارسات التي تتم ضد الصحفيين في مؤسسة 14 أكتوبر وإتهامك شخصياً بممارسة الإنتهاكات ضد هؤلاء الصحفيين وتدخل نقيب الصحافيين لحل المشكلة . هل ممكن تعطينا فكرة عن هذه الأحداث ؟
كانت مؤسسة 14 اكتوبر قبل ثلاث سنوات تعيش وضعا مأساويا في جميع المجالات الصحفية والفنية والادارية والمالية ، وهي حقيقة معروفة للجميع وكانت تثير مشاعر الألم في نفوس كل من تعز عليهم هذه المؤسسة التي ارتبطت باسم ثورة 14 اكتوبر .
وعندما أوكلت القيادة السياسية الينا مهمة إعادة بناء المؤسسة في مايو 2005 م ، كان وضعها خطيرا حيث لم يكن ينقصها سوى اصدار شهادة وفاة ، وكنت أعتقد أن تعييني كرئيس مجلس ادارة المؤسسة ورئيس تحرير الصحيفة هو عقوبة .. وانني ذاهب لتنفيذ تلك العقوبة بحفر قبرللمؤسسة والاعلان عن وفاتها ودفنها ، .لولا أنني عرفت عندما بلغت بالمهمة رسميا قبل بضعة أيام من صدور القرار الجمهوري بأن القيادة السياسية غير راضية عن الأوضاع المأساوية التي كانت تعيشها المؤسسة قبل ثلاث سنوات ، وان الهدف هو إعادة بناء المؤسسة وتصحيح أوضاعها وإعادة الاعتبار اليها والى تاريخها العريق بعد سنوات طويلة ومؤلمة من الركود .مع الأخذ بعين الاعتبار ان صحيفة 26 سبتمبرهي أول من أطلق وصف سنوات الركود على الفترة التي سبقت تعييني في قيادة مؤسسة 14 اكتوبر.
اليوم وبعد ثلاث سنوات حدث تطور كبير في أوضاع المؤسسة شهد ويشهد له كل من يزور المؤسسة ويلتقي بالصحفيين والعاملين فيها ، ومن بين هؤلاء الزملاء نصر طه مصطفى نقيب الصحفيين وسعيد ثابت وكيل النقابة ومروان دماج أمين عام النقابة وغيرهم كثيرون ممن جاؤوا بأنفسهم الى المؤسسة واطلعوا على أوضاعها مباشرة ، وعرفوا الحقائق بدون تلبيس أو تدليس .. لإن من يرى الواقع بنفسه ليس كمن يسمع .
استطيع القول بأن المؤسسة خرجت من غرفة الانعاش بعد ان نفذت برنامجا متكاملا للاصلاحات الفنية والمهنية والمالية والادارية ، توقفت بفضل تنفيذه الاختلاسات المالية وأحيلت على ضوئه ملفات العديد من قضايا الفساد ونهب المال العام الى نيابة الاموال العامة ، فيما تم تنفيذ خطة تطوير وتحديث لتقنيات التحرير والاخراج في مرحلة ماقبل الطباعة عبر منظومة متكاملة لتراسل النصوص والصور والمعطيات عبر الشبكات ،بالاضافة على إعادة عدد كبير من الصحفيين والفنيين الذين كانوا مبعدين أومهمشين أو مقيمين في منازلهم بدون عمل حقيقي . كما تم في الوقت نفسه انشاء إدارة للتدريب والتأهيل لأول مرة في تاريخ المؤسسة ، واستقطاب وتاهيل عدد كبير من الشبان والشابات في مجال التحرير الصحفي والاخراج الفني الى جانب افتتاح مكاتب للمؤسسة لاول مرة في تعز والحديدة وذمار والمكلا بعد ان توسعت شبكة توزيع الصحيفة التي كانت قبل ثلاث سنوات لا توزع في معظم مديريات مدينة عدن التي تصدر فيها !! ناهيك أن ألصحيفة أصبحت ولأول مرة تمتلك موقعا اليكترونيا متطورا يتم تشغيله من كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية مباشرة ، وقد زاره في العام الماضي أكثر من سبعة ملايين زائر من مختلف أنحاء الوطن والعالم .
يكفي الصحفيون أنهم اصبحوا يعملون في مبنى جديد ومجهز بأحدث التجهيزات الاليكترونية واالمكتبية والكهربائية الحديثة ،ويحصلون على المياه المثلجة بواسطة ثلاجات معبأة بالمياه الصحية النقية على مدار الساعة ، ويعمل كل واحد منهم على جهاز كمبيوتر خاص به ويتمتع بخدمة استخدام شبكة الانترنت على مدار الساعة وبسرعة عالية جدا.. كما يكفي العاملون في المؤسسة انهم أصبحوا يتسلمون رواتبهم ومستحقاتهم شهريا وفي مواعيد منتظمة بعد ان كانوا يتسلمونها مرة كل ثلاثة أو اربعة اشهر .. ويكفيهم أن دخولهم تحسنت حيث ارتفع سقف مكافآت الانتاج الفكري على سبيل المثال الى أكثر من مليون ريال شهريا بعد ان كان لايزيد عن مائة وخمسين الف ريال فصليا ،وكذلك الحال بالنسبة لكشوفات العمل الاضافي وبدل التعويض الليلي .. كما أصبح الصحفيون والفنيون والعمال يحصلون بانتظام على بدل الغذاء وحوافز انتاجية اضافية .. ويكفيهم انهم احتفلوا بالذكرى الاربعين لتأسيس مؤسستهم بالتزامن مع افتتاح وحدات انتاجية حديثة ومتطورة في مجال الطباعة التجارية وفرز الالوان وتحقيق حلم الصحفيين في المؤسسة ومحافظة عدن بتدشين مشروع توريد المطبعة الصحفية الحديثة لمؤسسة 14 اكتوبر والتي تم الاعلان عن مناقصة عامة لها وستفتح مظاريفها يوم السبت 17 مايو 2008 تمهيد لوضع حجر اساس هذا المشروع الكبير بمناسبة العيد الثامن عشر للوحدة اليمنية وهي أحدث وأكبر مطبعة صحفية والأولى من نوعها في تاريخ مدينة عدن .
عموما نحن معنيون بعدم العودة الى الاوضاع المأساوية السابقة التي كانت تعيشها المؤسسة،ولن نسمح لأحد أن يعيد المؤسسة الى ذلك الوضع السابق حتى وان كان مستفيدا من ذلك الوضع على حساب سمعة ومكانة الصحيفة .. وعلى حساب حقوق ومصالح أكثر من 450 صحفيا وفنيا وعاملا ، ثم فقد مصالحه بعد ان بدأت المؤسسة و الصحيفة تتعافيان من مرض طويل بفضل الاصلاحات التي نقلت المؤسسة الى عهد جديد وفتحت أمام صحافييها وفنييها وعمالها أبواب الأمل والابداع .
لا تهمنا التلفيقات التي تتحدث حول تعرض بعض الموظفين للاضطهاد منذ ان تحملنا مسؤولية المؤسسة .. نحن لسنا ملزمين بأن نعود الى أساليب العمل القديمة وأن تبقى الأوضاع السابقة على ما كانت عليه خلال سنوات الركود .. وأن نتوقف عن محاربة الفساد .. وأن نتراجع عن إغلاق منابع تسرب موارد المؤسسة الى خارج حسابها المصرفي على نحو ما كان يحدث سابقا ، وتم رصده في تقارير الجهاز المركزي حول حسابات المؤسسة طوال السنوات 2000 2004 حيث كان يتم تقييد الموارد التي تذهب إلى جيوب بعض المتنفذين آنذاك كعهد لم يتم تصفيتها أو ديون على الغير لم يتم تحصيلها ، ثم اتضح لنا أتها على العكس من ذلك فقد تم تحصيلها ولكن لم يتم توريدها الى حساب المؤسسة في البنك المركزي ، وهو ما يكشفه ملف فساد أحلناه الى القضاء ويحتوي على 280 مستندا يؤكد تسرب 22 مليون ريال إلى جيوب بعض المتنفذين بدلا من توريده إلى حساب المؤسسة في البنك .. كما أن هناك ملفا آخر سيحال إلى القضاء تنفيذا لتوجيهات مجلس النواب الذي ينظر في تقارير الجهاز المركزي خلال الأعوام 2000 2003 حيث طالب مجلس النواب كلاً من وزارة الإعلام وقيادة المؤسسة بتوضيح مصير 106 ملايين ريال لم يتم توريدها الى المؤسسة خلال تلك السنوات العجاف .. وقد قامت القيادة الحالية للمؤسسة بواجبها واكتشفت مصير 22 مليون من هذه المبالغ حتى الآن ، وتم إحالة ملفها إلى القضاء .. فيما تستعد قيادة المؤسسة لإحالة ملف آخر الى نيابة الأموال العامة .. ولازالت المؤسسة تواصل البحث والتدقيق حول مصير بقية المبالغ التي لا يزال مجلس النواب من خلال اللجنة التي شكلها لهذا الغرض يطالب باستعادتها او توضيح مصيرها ، علما بأن تقارير الجهاز المركزي لم ترصد خلال السنوات الثلاث الماضية 2005 2007م أي مخالفات من هذا النوع وهذا مصدر فخر لنا وللعاملين في المؤسسة .
أود التأكيد وبكل ثقة على أن أكثر من اربعمائة وخمسين صحافيا وفنيا وعاملا فخورون جدا بنجاح برنامج الاصلاحات المالية والادارية والفنية الذي قمنا به لتصحيح الاختلالات والتشوهات التي كانت تعاني منها المؤسسة وليس لإضطهاد بعض الموظفين.. وكما أن لكل اصلاحات مستفيدين وهم كثر ، فان لها أيضا متضررين وهم قلة .. بل نحمد الله ان الذين تضرروا من الاصلاحات التي نفذناها في المؤسسة لا يزيدون عن عدد اصابع اليدين .. وسأكون سعيدا جدا لو جئت بنفسك بزيارة إلى المؤسسة والاطلاع الميداني على أوضاعها واللقاء بالصحافيين والفنيين والعمال فيها مثلما حدث لكثير من الزملاء وقيادة النقابة الذين زارونا وخرجوا بانطباعات تناقض ما سمعوه من أكاذيب يصدرها أعداء النجاح في مختلف الأزمنة والأمكنة دائما .. انني على ثقة بأنك إذا زرت المؤسسة ميدانيا لن تجد أي أثر لهذا الاضطهاد المزعوم ..وأراهن على أنك ستدلي بعد ذلك بشهادة الحق .
● يتعرض الصحفيون العاملون في وسائل إعلام المؤتمر وبالذات قياداتهم لتغييرات مستمرة وتنقلات .. هل ذلك يندرج ضمن مسلسل التوازنات الشهير داخل أروقة المؤتمر ؟
ارجو أن توجه هذا السؤال الى قيادة المؤتمر الشعبي العام .
● من هو المسئول في نظرك عن الإحتقانات الموجودة في الجنوب ؟ وهل تحن للعودة إلى الخارج وممارسة النشاط الصحفي والإعلامي ضد النظام كما كان الحال قبل 2002 ؟
سبق ان قلت في إجابة سابقة على سؤال سابق ان هناك أطرافا عديدة في السلطة والمعارضة مسؤولة عن ما يحدث في المحافظات الجنوبية التي لا زالت تعاني من الافرازات السيئة لحرب صيف 1994 . أما بخصوص الجزء الأخير من سؤالك فأنا لا أعتقد بأننا نحتاج أو ننتظر حربا أهلية جديدة تعيد فتح أبواب النزوح الى الخارج وممارسة المعارضة من هناك مجددا .
● ما هو طموحك المهني المستقبلي ؟ وهل أنت راضي عن نفسك مهنياً ؟
لست راضيا عن نفسي مهنيا ، وأطمح لأن أمارس عملا إعلاميا حرا بعد أن أتقاعد عن عملي الرسمي بعد سنوات قليلة .
● عند الحديث عن فساد الأحزاب والصحافة، والحديث مشروع حينما يكون من باب النقد الشفاف والبناء.. كيف تنظر من نافذتك( موقعك في السلطة) على فساد الأحزاب ككل وهل من توضيح حول فساد الحزب الحاكم بالإضافة ،كيف تعري الفساد في الصحافة والمطبوعات اليمنية؟.
الفساد مشكلة عالمية بل مشكلة تاريخية في مختلف العصور وقد تحدثت الأديان والكتب السماوية عن الفساد والافساد، وجاءت بشرائع وتعاليم وقيم لوقف طغيان الفساد والفاسدين .. من المهم الإشارة إلى أن الفساد لا يحارب بالكلام والشعارات والمزايدات السياسية والانتخابية والمكايدات الحزبية .
من السهل أن يتبادل السياسيون تهم الفساد وبعضهم غارق في الفساد حتى أذنيه ، بل من السهل على الفاسدين رفع شعارات محاربة الفساد بقصد التضليل والتمويه و الدفاع عن أنفسهم وشن حرب مضادة ضد من يحاربهم ويفضح فسادهم.
في جميع الأحوال يجب محاربة الفساد من خلال آليات قانونية ورقابية ومحاسبية تتسم بالشفافية والصدق والنزاهة والعدالة، وعدم التهاون إزاء كل من يثبت تورطه بارتكاب جرائم نهب المال العام والخاص والإفساد في الأرض وتطبيق سلطة القانون عليه .
لا توجد لي صفة قانونية وشرعية تعطيني الحق في الحديث عن فساد الحزب الحاكم والأحزاب والمؤسسات العامة والخاصة عموما ، لأن هناك هيئات ومؤسسات أناط بها القانون هذه المهمة.. ومن المفيد أن تتحدث الصحافة عن الفساد ولكن يجب عليها أن لا تتحول محاكم ميدانية لتوزيع أحكام جاهزة ، أو إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات وتوزيع الاتهامات الباطلة بدون دليل .. علما بأن بعض الفاسدين الذين يتم إحالتهم إلى نيابة الأموال العامة والقضاء يلجأون أحيانا إلى تكتيك خطير يسيء إلى الصحافة من خلال استخدامها للتضليل وتجميل صورة الفاسدين الحقيقيين وقلب الميزان رأسا على عقب حيث يتحولون من فاسدين متورطين بنهب المال العام ،وابتزاز الشركات والبنوك الخاصة العام الى مكافحين ضد الفساد.. كما أن هناك صحفا ترفع راية مكافحة الفساد ثم نجدها تدافع عن بنوك ومؤسسات خاصة أحيل القائمون عليها إلى القضاء بتهم فساد ونهب الأموال العامة والخاصة .
وقد سبق لإحدى الصحف اليومية المحلية إن نشرت في الصفحة الأولى صورة ملونة ابضعة أشخاص لا ينتمون الى الصحيفة ولا يعملون فيها ، حيث ظهروا في تلك الصورة وهم يحملون يافطة تندد باضطهاد رئيس مؤسسة 14 أكتوبر لموظفيها.. وفي اليوم الثاني مباشرة أصدرت شركة مصافي عدن بلاغا صحافيا أوضحت فيه أنّ بعض الذين ظهروا في الصورة هم لصوص مال عام تورطوا بجريمة سرقة بعض الأجهزة المعدات وأخرجوها بسيارة الاسعاف التابعة للمصفاة بعد ان قاموا بتشغيل محرك الاضاءة الحمراء وجهاز الونان بهدف تضليل حراسة الشركة في البوابة الئيسية وايهامهم بأن سيارة الاسعاف تحمل إصابة خطيرة أثناء العمل لنقلها الى مستشفى المصافي المجاور لمنشآت الشركة ، وذلك لضمان فتح البوابة وعدم تفتيش السيارة .. ثم قامو بيع المعدات المسروقة .. وبعد إكتشاف هذه الجريمة تم فصل أولئك اللصوص من الخدمة في شركة المصافي وأحيلوا الى القضاء .. ثم فوجئنا بهم في تلك الصحيفة وهم يحملون لافتة تندد باضطهاد الموظفين في مؤسسة 14 الأمر الذي أثار سخطا واسعا في صفوف العاملين في المؤسسة .
● الوجه الحسن لليمن.. هذه لغة نسمعها يوميا ، وخاصة في الصحف الرسمية،
لماذا لا يكون هناك نقد مواز في الصحف الرسمية والناطقة للبلد للنقد المشكوك منه في صحف المعارضة وماهي ماهية الشك؟ ولماذا لا تعري الصحافة الرسمية اماكن الخلل والفساد في عموم أجهزة الدولة؟
ليست الأوضاع سيئة وسوداء مطلقا وليست وردية أيضا .. القول بأن صورة الواقع سوداء بالمطلق يعني بأن الانسان في بلادنا خامل وغير مبدع .. واعتقد أن الذين يتعاطون بموضوعية وصدق مع خطاب كهذا ، يشهدون بأن واقعنا ليس أسود وليس خاملا بدليل أن هناك من يرفض ماهو قائم ويطالب بالإصلاح بصوت عال .
مشكلتنا دائما في الأحادية الشمولية التي تزعم بأن الواقع وردي بالمطلق أو أسود وقاتم بالمطلق أيضا ، وهو عيب يعاني منه المجتمع السياسي والصحافة الرسمية والصحافة المعارضة على حد سواء .
● لم أكن اعرف أن ألأستاذ القدير أحمد الحبيشي شاعرا؟ أليس هذا دليل على موات الواقع الثقافي ؟ ومن هو المثقف بنظرك؟ ,ومن هو الناقد؟
لا أعتقد أن الواقع الثقافي ميت ، لكن ذلك لا يعني أنه ليس مأزوما ، أما بخصوص المثقف فقد سبق لي الحديث حول هذا الموضوع في إجابة سابقة
رغم اني توظفت قريبا في صحيفة اكتوبر احببت ان اسال عن معاناة - ● هناك عدة احباطات يواجهها الصحفيون الشباب خاصة عند تأديتهم لعملهم؟
أحمدي الله يافاطمة أن توظيفك تم قريباً، لأن وضع الصحيفة قبل سنوات كان سيئا ومحبطا ، ولعلك تعرفين مدى اهتمامنا بالصحفيين الشباب من الجنسين ، واتاحة الفرص أمامهم وتشجيعهم على أن يحتلوا مواقعهم في العمل الصحفي ويبرزوا مواهبهم واستعدادتهم ، وهو ما لم يكن موجودا بل و يتعرض للمقاومة حاليا وبأشكال ملتوية ومموهة من قبل بعض الذين يقتلهم الحنين الى الماضي وطرائقه البالية . المهم أن لا يتراجع الشباب .. يجب أن أن تبتعدوا عن الاحباط وأن تتسلحوا بالعزم على المضي الى الأمام..عليكم أن تثقوا بأنكم المستقبل وعليكم أن تعرفوا أننا عندما تخرجنا من الجامعة والتحقنا بالعمل واجهنا بعض الاحباطات والمنغصات التي تشبه ما تواجهونه اليوم عند تأدية عملكم من قبل بقايا الحرس القديم الذين عجزوا حتى الآن عن تطوير أنفسهم ومواكبة تقنيات وأساليب التحرير الحديثة في عصر ثورة تقنيات الاتصال والمعلومات وفي بيئة محلية وعالمية تتميز بالانفجار المعرفي ، ولكننا وجدنا أيضا بعض الحوافز التي شجعتنا على التحدي .. ثقي يا فاطمة بأن جيل الشباب هو المستقبل وهو من سيحل محلنا ليس في يوم من الأيام بل وقريبا جدا إن شاء الله .
...● هل أحمد حق زماااااااااااان هو أحمد اليوم ؟؟؟؟
بالتأكيد أن اليوم ليس كالأمس .. لا يجب أن يكون يومنا كأمسنا لآن ذلك يعني أن غدنا سيكون مثل يومنا وأمسنا ، و كأننا يابدر لا رحنا ولا جينا بحسب المأثور الشعبي .. لكن ذلك لا يعني ضرورة وجود قطيعة مطلقة بين الأمس واليوم والغد .. لأن اليوم يجب أن يكون إمتدادا متطورا للأمس حتى يكون غدنا إمتدادا متطورا ليومن ..
● لماذا لا ترتقي صحيفة أكتوبر إلى مصاف صحف النظام الحاكم إذا سلمنا بان هذه الصحيفة لا علاقة لها به، او سلمنا ايضا بان لها علاقة به؟
صحيفة 14 اكتوبر رسمية وتملكها الدولة وهامش الحرية والتميز الذي تمارسه الصحيفة لا يتعارض مع السياسة الإعلامية الوطنية للدولة بل هو تجسيد لها.
● لماذا نجد فرقاً كثيراً بين 26 سبتمبر و 14 أكتوبر والثورة أيضا؟
لعلك تقصد أنها ليست ملونة فالسبب يعود إلى الإهمال الذي تعرضت له هذه المؤسسة العريقة طوال السنوات السابقة مما أدى إلى وجود فجوة كبيرة بين قاعدتها الطباعية والقاعدة الطباعية الحديثة للثورة و26 سبتمبر .. لكن الوضع الآن يختلف قليلا فمؤسسة 14 اكتوبر نجحت في تطوير أوضاع مرحلة ما قبل الطباعة بشكل أفضل، وفي العام القادم سيتم افتتاح وتشغيل المطبعة الصحفية الحديثة التي ستردم الفجوة الحالية بين 14 اكتوبر والصحف الرسمية الصادرة في صنعاء .. وسيصبح بمقدور الصحيفة أن تصدر ملونة و بصفحات أكثر، وطبعات أكثر أيضاً.
● هل الغضب من ان الصحيفة تتمركز في الجنوب ام لانها تحمل اسما له تاريخه النضالي الكبير ام لان احمد الحبيشي هو المتربع على عرشها؟
لا أعتقد ان ذلك صحيح و لاينبغي أن نحمل فشل البعض على شماعة الوهم بأن الشمال يضطهد الجنوب .. فقد تحققت انجازات كبيرة وغير مسبوقة بل غير متوقعة في المؤسسة بدعم وتمويل من الحكومة ووزارة الاعلام في صنعاء بالإضافة الى ايرادات المؤسسة الذاتية خصوصا بعد الارتفاع المتزايد سنويا في موارد المؤسسة على أثر نجاحنا في سد واغلاق منابع وقنوات تسريب موارد المؤسسة الى خارج حسابها البنكي .. وحاليا نستعد لا فتتاح وحدات طباعية انتاجية جديدة في قطاع الطباعة التجارية بمناسبة العيد الثامن عشر للوحدة تم تمويل معظمها من قبل الحكومة وبعضها من موارد المؤسسة .. وفي العام القادم سنفتتح باذن الله المطبعة الصحفية الجديدة للمؤسسة في العيد التاسع عشر للوحدة بتمويل كامل من الحكومة ، وستكون هذه المطبعة الأكبر والأحدث والأولى من نوعها في تاريخ مدينة عدن .
● سمعت كثيرا وما زلت اسمع ان احمد الحبيشي يضطهد موظفيه كثيرا فما تعليقكم على ذلك؟ وهل ذلك كذلك؟
أرجو إن تعود الى إجابتي السابقة على سؤال مماثل .. وأرجو أيضا أن تزور المؤسسة بنفسك والاطلاع الميداني لتجد الجواب من الصحفيين والعمال والفنيين على الطبيعة ومن الواقع وبدون تلبيس أو تدليس .
لماذا نجح الصحفي أحمد الحبيشي في صحيفة الوحدة ولم ينجح في بقية الصحف بما في ذلك الوثيقة؟
سئل الشاعر المتنبي عن تعريف للخوف وللحسن أي الجمال فقال :
وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى وما الحسن إلا ما رآه الفتى حسناً.. بمعنى أن ما قد يراه شخص ما خوفا قد لا يراه آخرون كذلك .. وما قد يراه البعض جمالا ربما يراه غيرهم قبحاً والعكس صحيح .. وقياسا على ذلك قد يرى البعض انني نجحت هنا وأخفقت هناك فيما يرى غيرهم عكس ذلك أيضا .. ويبقى الكمال لله وحده .
● ما وجه الإختلافات بين قراءتك للمؤتمر الشعبي العام من خارجه أيام معارضتك وبين قرائتك من داخله الآن كرجل سلطة؟
المؤتمر الشعبي العام هو جزء من المشهد السياسي الواقعي وليس الافتراضي ، ولا نستطيع قراءة المشهد بكامله أو أحد مكوناته بدون الاعتراف بوجود تحولات بنيوية في داخل هذا المشهد .
ربما ستقول لي أن اجابتي على سؤالك عمومية وتجريدية وهروبية، في الوقت الذي تحيلك تلك الإجابة الى الواقع .. سأقول لك بكل صدق ووضوح لا حظ يا عبدالحكيم أنك تسأل احمد الحبيشي بوصفه رجل سلطة بعد ان كان معارضا بحسب منطوق سؤالك البديع .. ولا حظ ايضا يا عبد الحكيم أن السلطة وربما أقسام لا يستهان بها من المعارضة تنظر الى العميد احمد عبدالله حسني اليوم كمعارض انفصالي يدعو صراحة وعلنا الى ما يسمى تحرير الجنوب العربي من ما يسميه (الاحتلال اليمني) كما يدعو ايضا الى إحياء مشروع دولة الجنوب العربي الذي هزمته ثورة الرابع عشر من اكتوبر .. بينما كانت السلطة تمتدح دور الحسني في حرب صيف1994 وتصفه بأنه واحد من أبرز( أبطال حرب الدفاع عن الوحدة ) وتضع النياشين والأوسمة على دوره في تلك الحرب المشؤومةالتي كان الحسني يطلق عليها أوصافا وطنية ، ثم تحول اليوم ليطلق عليها أقبح الأوصاف داعيا ليس الى انفصال الجنوب عن الشمال فقط بل والى ما يسميه الاستقلال عن ( اليمن ) واستعادة ما تسمى دولة ( الجنوب العربي ) التي أسقطها شعبنا بكفاح وطني معمد بالدماء والشهداء والتضحيات يوم الثلاثين من نو فمبر 1967 .. وهو اليوم الذي تحقق فيه الاستقلال الوطني ورحيل الاستعمار وركائزه السلاطينية العميلة ، مع العلم بأنني كنت زميلاً وشريكاً مع الأخ أحمد عبدالله الحسني وشقيقه الرائع علي عبدالله الحسني في كفاح الحركة الطلابية ضد مشروع الجنوب العربي ، دفاعاً عن الهوية اليمنية للجنوب المحتل في العهد الاستعماري الأنجلو سلاطيني.. ولا تعليق !!!
● ا:لماذا مهمة ضرب اللقاء المشترك وتدمير العلاقة بين الاشتراكي والإصلاح من أهم وأعجل مهام الكتبة النازحين من أحزابهم إلى الحزب الحاكم؟
نحن بحاجة الى ترسيخ قواعد ومبادئ القبول بالحوار والاختلاف من خلال الاعتراف بحق التعبير عن الرأي وممارسته بحرية ومناقشته عند الاختلاف معه على قاعدة الاحترام المتبادل.
وفي تقديري أن أسلوب صياغة السؤال لا يشجع على النقاش وقبول الرأي الآخر لأن السائل يصف أصحاب الرأي الآخر المخالف للمشترك بأنهم " كتبة " .. و " نازحون من أحزابهم ".. كما أنه يسخر من كتاباتهم التي يخالفون فيها سياسات أحزاب ((اللقاء المشترك)) والتحالف بين الحزب الاشتراكي وحزب الإصلاح الذي يرفض حتى الآن الاعتراف بالحقوق السياسية والمدنية للمرأة، ويدعو الى تحريم الغناء والموسيقى ، كما يصر على تكفير كل من يدعو الى منع زواج القاصرات ومساواة دية القتيلة بدية القتيل وتعديل القوانين التي تنتهك حقوق المرأة .. علما بأن القوانين التي يدعو اللقاء المشترك والمجتمع المدني الى تعديلها لجهة إزالة التمييز ضد المرأة، كان حزب الإصلاح هو من سعى إلى تعديلها بعد حرب صيف 1994 عندما كان شريكا في السلطة .
●:ماالذي يلفت انتباهك في حال الصحافة اليمنية الراهنة؟
ما يلفت الانتباه في حال الصحافة اليمنية في الوقت الراهن غلبة الخطاب الدعائي التحريضي ضد الآخر .. وأرجو أن لا يستمر هذا الحال طويلا لأن أضراره خطير على المهنة وقيمها . إنّ أخطر ما يشوه الصحافة ويهدد حريتها ويصيبها في مقتل، هو أن تتحول الصحيفة إلى متجر مفلس يبحث عن ممول، وأن تسقط الفوارق بين الصحافي والمرابي، وأن تتحول الكتابة الصحفية إلى مسلخ لتجهيز أباطيل وإفتراءات ووشايات كاذبة لا يجيدها سوى الكتبة المحترفين من ذوي السوابق في سلخ التقارير الأمنية . وحين تتحول الصحيفة من منبر للنقاش والحوار إلى إسطبل للرفس والخوار يبدأ العدوان الحقيقي على حرية الصحافة !!
● ا: من هم أعداء الصحافة الحرة؟
أعداء الصحافة الحرة هم الذين لا يؤمنون بالديمقراطية التعددية و لا يريدون أن يوجد في الساحة صوت مخالف أو رأي أو فكر مخالف لهم .
● ا: كيف تفك طلسم العلاقة بين كل من رجل الدين والسلطة، والمثقف والسلطة؟ وماذا عن طبيعة النظام اليمني الراهن؟
هذا السؤال كبير يحتاج الى مقالات وأبحاث وقد كتبت كثيرا من المقالات والأبحاث حول محتويات هذا السؤال.
. ماهي الأبعاد الحقيقية التي تقف وراء تشويه الاخوان للعهد الناصري؟ وهل كانت هذه الفتره شمولية ودكتاتوريه حقا ؟
كتبت كثيرا حول هذا الوضوع وارجو قراءة بعض من عبر هذه الروابط:
http://www.middleeasttransparent.com...d_article=3256
http://www.middleeasttransparent.com...d_article=3322
http://www.middleeasttransparent.com...d_article=3389
● هناك من يتهم الاستاذ / احمد الحبيشي بالتحامل على الاخوان المسلمين في كتاباته ما مدى صحة هذا القول ؟
في الروابط الثلاث السابقة وفي مقالات كثيرة أخرى عرضت وقائع تؤكدها وثائق وكتب معظمها جاء بها الإخوان المسلمون أنفسهم .. وعلى الذين يقولون أنني أتحامل على الاخوان أن يناقشوا ما أطرحه بعيدا عن الهروب من الحقيقة عبر أقصر وأسهل الطرق وهي الشتم والاتهامات والتجريح .
● هل يتناسب برنامج اللقاء المشترك للإصلاح السياسي والاقتصادي مع المرحلة الحالية بحيث يكون جسر عبور مما نحن فيه من فوضى وفساد ؟
لا أتفق مع ما يراه السؤال .. ولا أعتقد أن الناخبين يرون ذلك طالما وأن غالبية الناخبين لم تمنح هذا البرنامج ثقتها في الانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006 .
● تتهم الصحف الحكومية بإنحيازها إلى الحزب الحاكم ضد الاحزاب الاخرى رغم أنها مموله من دافعي الضرائب فأين تقف صحيفة 14 أكتوبر في هذه الحاله ؟
الأحزاب يتم تمويلها وتمويل صحفها وامتيازات قياداتها ومرافقيهم من أموال دافعي الضرائب أيضا ..أما معالجة اشكاليات منظومة الاعلام الوطني فلا تتم بهذا التبسيط .. يجب إعادة بناء النظام الاعلام الوطني على أسس ديمقراطية ودستورية جديدة تكفل التنوع والتعدد والحرية إذا أردنا معالجة الاختلالات في البيئة الاعلامية المحلية بدون انتقائية أو تصفية حسابات سياسية، لأن أي حزب يصل الى السلطة سيفعل بوسائل الاعلام الرسمية ما يفعله الحزب الحاكم اليوم طالما بقيت منظومة الاعلام الوطني تشتغل وفق القواعد والآليات والمفاعيل الحالية .
وفي تقديري أن الذين يطالبون اليوم بإلغاء وزارة الإعلام في ( اللقاء المشترك ) غير جادين، لأنهم ينطلقون من مكايدات ومزايدات سياسية آنية ، ولسوف يعيدونها أو يبقون عليها إذا وصلوا إلى السلطة خصوصا حزب الإصلاح الذي سيضيف إليها شرطة دينية لحماية الفضيلة ووزارة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ولو كان هؤلاء جادين فعلا في المطالبة بإلغاء وزارة الإعلام لطالبوا بإعادة بناء النظام الإعلام الوطني، وأراهن بكل ما أملك على أنهم لن يطالبوا بذلك لأن مشروعهم الحقيقي بعد وصولهم إلى السلطة يتعارض مع تغيير الأسس الدستورية والقانونية للنظام الإعلامي الوطني باتجاه مزيد من الحرية والتعددية والتنوع والانفتاح
● مالدور الذي قدمته 14 اكتوبر لدعم المشهد الثقافي ؟
المشهد الثقافي الحالي مأزوم ، وهو بحاجة الى حراك تساهم فيه كل وسائل الاعلام والثقافة والفاعليات الثقافية في المجتمع .. من جانبها تسهم صحيفة 14 اكتوبر بقسطها المتواضع في تفعيل الحراك الثقافي باتجاه إخراج المشهد الثقافي من دائرة الركود والتأزم من خلال صفجتها الثقافية اليومية ، وملحقها الثقافي الاسبوعي والمقالات والمتابعات التي تنشرها لكتاب من اليمن والخليج والعالم العربي في قضايا الفكر والثقافة .
● ما الفرق بين أحمد الحبيشي 90 وأحمد الحبيشي 2008م ؟ هل هو نفسه والحياة هي التي تتبدل ؟ أم ان أحمد الحبيشي هو الذي تغير بالاتجاه الصحيح ؟ بمعنى : ما هي فلسفتك في مواجهة المواقف والأحداث السياسية والحياتية العامة ؟
أنت تتحدث عن فتره عمرها 18 عاما شهدت متغيرات وتحولات هائلة ونوعية على الصعيدين الداخلي والخارجي .. لقد تناولت في إجابات سابقة على بعض الاسئلة عددا من القضايا التي تعكس حجم ونوع التحولات والمتغيرات التي حدثت وتحدث ليس فقط على المستوى الداخلي بل على مستوى العالم الواقعي أيضا ً.. ومن حقنا والحال كذلك ان نتساءل عن الوجهة التي ستأخذنا اليها هذه التحولات بإيقاع متسارع يفضح عجز الأفكار الجامدة والسياسات الخائبة والمشاريع البالية أمام مرآة هذه التحولات التي تكاد أن تكون جذرية !!
ومن حق التاريخ علينا أن يسألنا: الى اين ستمضي بنا التحولات والمتغيرات المحيطة بنا، و متى نقوى على فهمها والاستجابة لتحدياتها .. وهل يعيبنا أن نتغير أم علينا أن نبقى على حالنا وندعو الله أن يغيرنا ويدرأ عنا مخاطر التأخر عن الاستجابة لتحديات هذه المتغيرات ، متجاهلين السنن الالهية التي تقول أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
ما من شك في أن السنوات الماضية شهدت تحولات عاصفةٍ ومتسارعةٍ أسهمت في تغيير بُنية العالم، وإعادة صياغة العمليات الجارية في مختلف حقول العلم والفكر والسياسة والاقتصاد والعَلاقات الدولية، وما يترتب على ذلك من ضرورة إعادة تعريف العديد من المفاهيم المتعلقة بقيم الحق والعدالة والحرية والسلطة والثروة والمعرفة والأمن والسيادة.
في خضم هذه التحولات غير المسبوقة برزت منظومة جديدة من الإشكاليات والتناقضات والعمليات، لتطرح أمام العقل عدداً من التحديات والأسئلة التي تتطلب أجوبة لا تستطيع الأيديولوجيا توفيرها، ولم يُعد بمقدور صيغ والعمل السياسي التفكير القديمة والمطلقة والجاهزة معالجة معضلاتها.
هذه هي فلسفتي في قراءة ومواجهة التحولات والمتغيرات والأحداث المتسارعة ، وانا مؤمن بها .. لكنني لا أزعم بأنني أتغير في الاتجاه الصحيح وإن كنت أتمنى ذلك وأسعى اليه .
أهلاً بالصحفي والكاتب احمد الحبيشي ما رأيك في الصحف الاكترونيه مقارنة ● هذا الكم الهائل من الصحف الأهلية والحزبية كيف يتم السماح إصدارها بهذا الكم الهائل وبالجانب الآخر يجري محاصرتها من السلطة وقانون الصحافة ؟
انحصر القبول بالتعددية والتنوع بعد الوحدة على الجوانب الشكلية من حيث إطلاق الإصدارات الصحفية للأفراد والأحزاب على نحوٍ عشوائي لا يمتلك أطراً مؤسسية، وتقاليد مهنية ومنظومات قيمية تستجيب لتحديات المرحلة الجديدة. وينطبق ذلك أيضاً على الممارسة الإعلامية الصادرة عن وسائل الإعلام الحكومية والأحزاب السياسية والأفراد على حدٍ سواء، حيث ظل الطابع التعبوي الذي ينزع نحو التحريض والمكايدة والمجابهة ، قاسماً مشتركاً بين جميع اللاعبين في البيئة الإعلامية اليمنية الجديدة.
أنْ تغوُّل الطابع التعبوي التحريضي في البيئة الإعلامية الداخلية سواء من ناحية الخطاب أو من ناحية الممارسة ألحق أضراراً كبيرة بالتقاليد والأخلاق المهنية ، وتسبّب في تشويه المفاهيم المرتبطة بالتعددية ، وفي مقدمتها حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية الحصول على المعلومات، كما أدى في الوقت نفسه إلى تغييب قيم المسؤولية والموضوعية والصدق، والتعدي على حقوق الغير باسم الحرية . وقد أسهم تراكم هذه السلبيات في تكريس عدد من الاختلالات التي تعود الى الاعتقاد الخاطئ بأنّ الحرية الإعلامية مطلقة وبلا حدود ، وأنّ اللجوء إلى القانون يشكل قيداً وعدواناً على الحرية.
يتجلى الوجه الأبرز لاختلالات وتشوّهات البيئة الإعلامية المحلية في غياب المهنية وسيادة الفوضى وتجويف التعددية وتجريد مفهوم الحرية الإعلامية من الوظيفة الأساسية للتعددية ، بما هي حافز لتفعيل التنوع وإطلاق ميكانيزمات التنافس الحر، وإغناء الممارسة العملية وإثراء الفكر وتنويع طرق النقاش والحوار والبحث عن الحقيقة التي لا يحتكرها أحد . بيد أن أخطر هذه الاختلالات والتشوّهات غياب المأسسة والاستقلالية في الإصدارات الصحفية، وضعف آليات توزيعها ، وغلبة الطابع الدكاكيني الفردي لملكيتها وإدارتها، والتهاون في تطبيق قانون الصحافة والمطبوعات عند صرف تصاريح الإصدارات الصحفية ، حيث أصبح بوسع الدخلاء والأدعياء التسلل إلى ميدان الصحافة من بوابة الناشر رئيس التحرير، تمهيدا لإصدار مطبوعات صحفية تفتقر إلى أبسط الهياكل المؤسسية والإدارية والفنية والمالية ، التي يعد وجودها ضروريا لضمان حقوق العاملين فيها، و تنمية قدراتهم الإبداعية ، وتأصيل وتطوير مهاراتهم المهنية.
أما فيما يتعلق بما جاء في سؤالك بشأن قانون الصحافة والمطبوعات الذي قلت انه يحاصرالصحف الحزبية والأهلية ، أود الافادة بأنني كنت رئيسا للجنة الثقافة والاعلام في مجلس النواب عندما كنت عضوا في هذا المجلس خلال المرحلة الانتقالية بعد قيام الوحدة ، وقد ترأست شخصيا اللجنة البرلمانية التي ناقشت هذا القانون مع الحكومة ممثلة بوزير الاعلام وقيادة الوزارة آنذاك، ومع ممثلي الأحزاب ونقابة الصحفيين ممثلة بالأخ عبدالباري طاهر نقيب الصحفيين آنذاك . وبوسعي القول أن هذا القانون جاء كثمرة لحوار وطني مشترك بين كافة القوى السياسية في السلطة ممثلة بالمؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني من جهة وبين المعارضة ونقابة الصحفيين ومجلس النواب من جهة أخرى .. حيث كانت القوى السياسية الفاعلة تحظى بتمثيل متوازن في مجلس النواب والحياة السياسية عموما خلال المرحلة الانتقالية.
بتأثير كل ذلك احتوى القانون نصوصا توفر ضمانات لحماية حرية الصحافة ، سواء من مخاطر القمع الذي يهددها من خارجها ، أومن مخاطر الانحراف من داخل هيئات تحرير الصحف الرسمية والحزبية والمستقلة عن القيم المهنية ، والتعدي على حرية الآخرين .
ولئن كان التهاون في تطبيق القانون من قبل الحكومة ممثلة في وزارة الاعلام طوال السنوات الماضية منذ صدوره في مطلع التسعينات سببا ً في بروز بعض الانحرافات والممارسات الخاطئة التي تسيئ الى حرية الصحافة من قبل السلطة أووسائل الاعلام و الصحف الرسمية و الحزبية والأهلية ، فإن ذلك لا ينفي مسؤولية الحكومات المتعاقبة عن هذا التهاون ، بما هو اسهام في تغييب أو إضعاف سلطة القانون التي تعد شرطا ً أساسيا ً لضمان تطورالعملية الديمقراطية وحمايتها بشكل عام ، مع الأخذ بعين الاعتبار ان تفعيل سلطة القانون عبر القضاء كان ولا يزال يتم بصورة انتفائية ، وتبعا ً للظروف التي تسودها أزمات أو تجاذبات سياسية وحزبية حادة ، الأمر الذي أضعف سلطة القانون بسبب المعايير الانتقائية والدوافع الاستثنائية التي ترتبط باللجوء الى قانون الصحافة والمطبوعات في بعض الأحيان .
وبتأثير كل ذلك أصبحت الصحف الحزبية والأهلية المستقلة منابر دعائية لخطاب أحادي و تحريضي وإقصائي بامتياز . فيما تحولت غالبية الصحف المستقلة الى إصدارات شخصية تفتقد الاستقلالية بحيث يبدو خطابها الاعلامي نسخة طبق الأصل للخطاب السياسي والاعلامي للحزب الحاكم أو أحزاب المعارضة ، ناهيك عن أن بعض هذه الاصدارات الفردية يصدر بشكل غير منتظم من منازل ناشريها ، الأمر الذي جعل مقرات هذه الاصدارات أشبه بشقق مفروشة و متاجر معروضة للتأجير في أسواق التمويل السياسي ومواسم التجاذبات والاستقطابات الحزبية، بدلاً من أن تكون مدارس لتعليم الخبرة واكتساب المهارات المهنية.. فغابت عنها وعن العاملين فيها أخلاقيات وقيم العمل الصحفي، مما جعل مخرجات الجزء الأعظم من مكونات البيئة الإعلامية المحلية باستثناء عدد قليل من المؤسسات الصحفية الحكومية والحزبية والمستقلة تفتقر إلى المهنية و الكفاءة والجودة ، نتيجة لعدم توافر الإبداع وغياب الآليات المؤسسية الإدارية التي تنظم النشاط الاعلامي في شقه الابداعي ، وتكفل له عوامل النمو الاستمرار.
● ما الذي أنجزه احمد الحبيشي لصحيفة 14 اكتوبر .و هل هناك انجاز محدد ؟
أحيلك إلى إجابة سابقة على سؤال سابق .. وأتمنى عليك أن توجه هذا السؤال إلى العاملين في المؤسسة أو التكرم بزيارة ميدانية والاطلاع على أوضاع المؤسسة مباشرة .
ماذا عن مطبعة 14 اكتوبر الجديدة ..ما المتوقع منها وهل لديكم نية لطباعة صحف خاصة بالمعارضة اذا تقدمت بطلب الطبع لديكم ؟؟
تم الاعلان عن مناقصة عامة لتوريد المطبعة بمواصفات حديثة ومتطورة .. وسيتم فتح مظاريف العروض المقدمة يوم السبت 17 مايو ومن المتوقع تصنيع وتوريد وتركيب وتشغيل المطبعة وبناء مبناها الخاص بها وفق المواصفات الفنية التي تضمنتها وثائق المناقصة خلال 10 شهور من تاريخ التوقيع على العقد مع الشركة التي ستفوز بالعطاء .
● ما حدث من شغب في المناطق الجنوبية مؤشر يوحي بقلق بالغ بكارثية الوضع القادم تحت مسمى القضية الجنوبية..السؤال هو ..لماذا عملت حكومة الحاكم على استثارة الشعب في المحافظات الجنوبية وبعض الشمالية حين تم استقبال طالبي التجنيد في مقرات المؤتمر وليس في مكاتب خاصة بالحكومة .. ؟؟
لا يمكن اختزال ما يجري في المحافظات الجنوبية على هذا النحو الذي يطرحه السؤال.. فمن الخطأ فصل النزوع إلى تأزيم المناخ السياسي في هذه المحافظات عن النزعات التي سعت في مراحل مضت إلى تأزيم المجال السياسي للدولة والمجتمع المدني ودفعه نحو المجابهة ودخول زوايا حادة ما أدى إلى أضرار ومخاطر غير محسوبة . ومن نافل القول إنّ ثمَّة سوابق لمثل هذه النزعات، بيد أنّ ما يميز تلك السوابق أنّها ارتبطت بمحطات حاسمة في مسار تطور العملية الديمقراطية التي تشهدها بلادنا . وقد تجسدت هذه السوابق في إصرار بعض القوى السياسية على إنتاج وإعادة إنتاج خطاب سياسي وإعلامي تدميري يبدأ بإثارة المكايدات والمزايدات وتوزيع الاتهامات يميناً وشمالاً، وينتهي بافتعال الأزمات بعد أن يصبح النزوع الى تسويد صورة كل ما هو قائم ، سبيلاً إلى إطلاق حمى المجابهات والتلويح بالمشاريع الانقلابية على الديمقراطية بما هي صنو للوحدة التي ناضل من أجلها شعبنا وحركته الوطنية المعاصرة قبل وبعد قيام الثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 أكتوبر) ، ثم جاء تحقيقها في الثاني والعشرين مايو 1990م تتويجاً لمسيرة كفاحية طويلة كان لمدينة عدن الباسلة شرف الريادة في رفع بيارقها العظيمة ، حيث انطلق منها وعلى أيدي أبنائها الميامين شعار " نحو يمن حُر ديمقراطي موحد " في خضم الكفاح الوطني ضد النظام الإمامي الاستبدادي والحكم الاستعماري الأنجلو سلاطيني ، كما ارتفع في سمائها وعلى أيدي الرئيس اعلي عبدالله صالح والامين العام للحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض الى جانب كوكبة من المناضلين الوطنيين الغيارى علم الوحدة الخالد .. علم الجمهورية اليمنية الموحدة ، إيذاناً بإستعادة الوجه الشرعي للوطن الواحد .
مما له دلالة هامة أنّ النزوع إلى تأزيم الحياة السياسية حدث قبل وبعد انتخابات 1993م من خلال خطاب سياسي وإعلامي دفع بالبلاد نحو أزمة سياسية حادة أفرزت حرب صيف 1994م ومشروع الانفصال الذي كان انقلاباً على الوحدة في شكله، لكنه كان انقلاباً على الديمقراطية ونتائجها بعد انتخابات 1993م في مضمونه الحقيقي. ولئن كان الحزب الاشتراكي اليمني هو الذي تحمَّل ودفع ثمناً باهظاً جراء دفع الحياة السياسية إلى أزمات حادة قبل وبعد انتخابات 1993م، فقد كان الحزب ضحية لحسابات وتحالفات ومراهنات سياسية خاطئة بسبب العجز عن قراءة الواقع، والاستغراق في الأوهام التي لم تمكّنه من فهم وتحليل واستيعاب المتغيرات التي تحدث في الوطن والعالم .
لقد اكتشف قادة الحزب في غمرة سقوط مشروع الانفصال الذي ولد ميتاً منذ اليوم الأول لإعلانه، أنّ الذين لعبوا دوراً بارزاً في تشجيع الحزب على تأزيم الحياة السياسية من داخله وخارجه ، كانوا في مقدمة الذين خذلوهم ، ثم تخلوا عن أخطائهم بعد أن أدخلوهم في أزمات حادة قادت الى حرب مدمرة وانتهت بالسقوط في الكارثة . وهو ما يتكرر اليوم من خلال الطابع البراغماتي والانتهازي للحراك السياسي لأحزاب ( اللقاء المشترك ) وخطابها الاعلامي المعارض .
يبدو الطابع البراغماتي والانتهازي للخطاب السياسي والإعلامي المعارض واضحاً من خلال مفرداته وآلياته التي تجسد حقيقة سقوط هذه الأحزاب بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية في مستنقع الانتهازية السياسية من خلال اللجوء إلى الشارع، والسعي لتأزيم الوضع السياسي، والانفتاح على كل الخيارات وتوظيفها لإضعاف السلطة وإسقاطها، الأمر الذي أسفر عن دعوات مشبوهة تستهدف إحياء مشاريع سياسية استعمارية مثل مشروع الجنوب العربي، وتلفيق هويات مناطقية على جنوب الوطن بدلاً عن هويته اليمنية، وإذكاء نعرات مناطقية وعرقية تنطوي على مخاطر تهدد وحدة النسيج الوطني والاجتماعي للشعب اليمني ، وتنذر بحروبٍ داخلية مدمرة.
احتلت ما تسمى( القضية الجنوبية ) موقعا بارزا في المشهد السياسي الراهن في البلاد بسبب نزوع بعض القوى المحركة للمجتمع السياسي نحو تصعيد حالة التجاذبات والتناقضات والاستقطابات التي تعكس تنوع واختلاف الأهداف والبرامج والمشاريع والخيارات والمرجعيات الداخلية والخارجية في ظل نظام سياسي يقوم على أسس دستورية تضمن الديمقراطية التعددية والحريات المدنية والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ومباشرة ، يختار فيها المواطنون على قدم المساواة حكامهم وممثليهم في هيئات السلطة التنفيذية والتشريعية والمحلية.
قد يبدوا طرح هذه القضية طبيعيا بعد تبنيها علنيا في بيان الدورة الأخيرة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ومن بعده أحزاب ( اللقاء المشنرك ) عند النظر إليها كمظهر لتنوع المصالح والإرادات التي تتبارى في سياق التحولات الديمقراطية الجارية منذ توحيد الوطن اليمني في الثاني والعشرين من مايو بالوسائل السلمية والديمقراطية ، والتي بلغت ذروتها في إقرار دستور دولة الوحدة واتفاق إعلان الجمهورية اليمنية من خلال السلطتين التشريعيتين المنتخبتين في شطري اليمن قبل الوحدة، وصولاً إلى الاستفتاء على الدستور من قبل الشعب . لكن ما يثير القلق بروز ظواهر خطيرة في هذا المشهد لجهة الميول التي تنزع إلى دفع المجال السياسي للدولة والمجتمع المدني نحو إثارة قضايا معينة بهدف البحث عن حلول لها خرج الأطر الدستورية والقواعد الديمقراطية ، الأمر الذي من شأنه توليد أزمات عاصفة ومخاطر غير محسوبة العواقب.
من نافل القول إنّ ثمَّة سوابق لمثل هذه النزعات التي سعت في مراحل مضت إلى تأزيم المجال السياسي للدولة والمجتمع المدني ، بيد أنّ ما يميز تلك السوابق أنّها ارتبطت بمحطات حاسمة في مسار تطور العملية الديمقراطية التي تشهدها بلادنا . حيث تجسدت هذه النزعات في إصرار بعض القوى السياسية على إنتاج وإعادة إنتاج خطاب سياسي وإعلامي تدميري يبدأ بإثارة المكايدات والمزايدات وتوزيع الاتهامات يميناً وشمالاً، وينتهي بافتعال الأزمات بعد أن يصبح النزوع الى تسويد كل ما هو قائم ، سبيلاً إلى المراهنة على المواجهات في الشارع ، والتلويح بالمشاريع الانقلابية على الديمقراطية بما هي صنو للوحدة التي ناضل من أجلها شعبنا وحركته الوطنية المعاصرة قبل وبعد قيام الثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 أكتوبر) ، ثم جاء تحقيقها في الثاني والعشرين مايو 1990م تتويجاً لمسيرة كفاحية طويلة كان لمدينة عدن الباسلة شرف الريادة في رفع بيارقها العظيمة . وقد انطلق منها وعلى أيدي أبنائها الميامين شعار " نحو يمن حُر ديمقراطي موحد " في خضم الكفاح الوطني ضد النظام الإمامي الاستبدادي والحكم الاستعماري الأنجلو سلاطيني ، كما ارتفع في سمائها علم الوحدة الخالد .. علم الجمهورية اليمنية الموحدة ، إيذاناً بإستعادة الوجه الشرعي للوطن الواحد .
مما له دلالة هامة أنّ النزوع إلى تأزيم الحياة السياسية حدث قبل وبعد انتخابات 1993م من خلال خطاب سياسي وإعلامي أوقع البلاد بأسرها في أزمة حادة أفرزت حرب صيف 1994م ومشروع الانفصال الذي كان انقلاباً على الوحدة في شكله، لكنه كان انقلاباً على الديمقراطية ونتائجها بعد انتخابات 1993م في مضمونه الحقيقي.
وبعد انتخابات 1997م التي حقق فيها المؤتمر الشعبي العام فوزاً ساحقا ً بأغلبية مريحة أهلته لتطبيق برنامجه الانتخابي عبر حكومة منفردة ، نشأ تحول جديد في المشهد السياسي ، تمثل بخروج حزب التجمع اليمني للإصلاح من السلطة بعد أن أنهى ائتلافه مع المؤتمر الشعبي العام وانتقل إلى ساحة المعارضة ، ثم تحالف بعد ذلك مع الحزب الاشتراكي اليمني وحلفائه من خلال " اللقاء المشترك " ، حيث قامت الأحزاب المنضوية في هذا التكتل المعارض باعادة إنتاج ذات الخطاب السياسي والإعلامي الذي استخدمه الحزب الاشتراكي اليمني وحلفاؤه.
والحال أنّ الخطاب الإعلامي والسياسي لأحزاب اللقاء المشترك تميز طوال الفترة السابقة للانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2003م بتشويه صورة الواقع السياسي وتصعيد المكايدات الحزبية ، وممارسة مختلف أشكال الابتزاز، في ظروف كانت البلاد تخوض خلالها مواجهة ضاربة مع الإرهاب الذي استهدف زعزعة الأمن والاستقرار والإضرار بالاقتصاد الوطني وفي مختلف المجالات وتشويه سمعة البلاد وعَلاقاتها الخارجية.
ومن المفارقات المدهشة أنّ الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب " اللقاء المشترك " قبل انتخابات 2003م كان يتجه نحو تأزيم الوضع السياسي بالتزامن مع عودة آلاف النازحين المدنيين والعسكريين الذين غادروا البلاد مع عائلاتهم بعد حرب صيف 1994م ، وكانت تلك العودة الجماعية ثمرة لانفتاح الرئيس علي عبدالله صالح على معارضيه في الداخل والخارج . والمثير للدهشة أنّ أحزاب المعارضة لم تتمكن من فهم وقراءة المغزى العميق لانفتاح الرئيس علي عبدالله صالح على معارضيه في الداخل والخارج، ولم تستوعب بشكل خلاق توجهاته ومبادراته الرامية إلى تجديد الحياة السياسية وتطوير النظام الانتخابي وتعميق الممارسة الديمقراطية قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2003م.. وبوسع الذين تابعوا المنحى الخطير والمتطرف للخطاب السياسي والإعلامي المعارض ، أن يلاحظوا ميولاً مدمرة للخطاب السياسي والإعلامي المعارض بموازاة ظاهرة العودة الجماعية للنازحين إلى وطنهم قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2003م ، حيث عادت قيادات أحزاب "اللقاء المشترك" الى حرفة زرع الألغام في طريق المشاريع التي تبحث عن " قواسم مشتركة " وحلول واقعية للمشاكل والمصاعب التي تواجه البلاد.
والأخطر من كل ذلك ، فقد لوحظ أنّ الخطاب السياسي والإعلامي المعارض قبل انتخابات 2003م اتجه لاقتحام مجالات خطيرة من خلال التنظير لإمكانية وضرورة اضطلاع أحزاب المعارضة وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي بمهمة الإعداد لمشروع " الثورة الشعبية البيضاء " على الأوضاع القائمة والعودة إلى "الجماهير" والزعم بأنّ شروط تفجير مثل هذه الثورة قد نضجت على نحو ما جاء في صحيفة " الثوري " و بعض صحف (اللقاء المشترك ) قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2003م ، ثم تكرر هذا الطرح مرة أخرى قبل وبعدالانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م .!!
● ما تقييمكم لظهور القضية الجنوبية ؟
بالنظر إلى مخاطر وتحديات الحالة السياسية الراهنة لجهة ارتباطها بما تسمى ( القضية الجنوبية )، يتوجب تحليل مضمون الاتجاهات المدمرة للخطاب السياسي والإعلامي المعارض قبل وبعد المحطات الانتخابية التي جرت في البلاد وشاركت فيها كل الأحزاب بدون استثناء، خلال السنوات السابقة وبالذات انتخابات 1993م، وانتخابات 2003م والانتخابات الرئاسية والمحلية الأخيرة في عام 2006م.
وبوسع المحلل الموضوعي لاتجاهات الخطاب السياسي والإعلامي المعارض في جميع تلك المحطات الانتخابية أن يتعرف على " قواسم مشتركة " تجمع القوى السياسية التي تنزع إلى تأزيم المناخ السياسي في البلاد ، سواء من حيث إطارها الزمني بما ينطوي عليه من عدم قبول لنتائج العملية الديمقراطية بعد كل محطة انتخابية في الأعوام 1993 و 2003 و2006 ، أو من حيث إطارها السياسي الذي يشير إلى اغترابها عن الواقع، ونزوعها الى القفز عليه ، وعجزها عن إعادة قراءته بعد كل فشل يصيبها في المباريات الانتخابية، وإصرارها على إجترار واستعادة قوالب التفكير الجامدة التي تعجز عن صياغة المهام القابلة للتحقيق .
ولئن كان المشهد السياسي الراهن ينطوي على مخاطر جدية بسبب تصاعد المراهنات على إمكانية الإنقلاب على الوحدة والديمقراطية وتدويل بعض القضايا الداخلية بواسطة مفاعيل الشارع، فإن تجاوز هذه المخاطر لا يمكن تحقيقه بدون التحليل الموضوعي للنزعات المتطرفة والمنتجة للأزمات الحادة ، بدءاً بالصدمة التي أصابت الحزب الاشتراكي وحلفاءه بعد إعلان نتائج انتخابات 1993م والاندفاع نحو إفتعال أزمة سياسية حادة وصلت ذروتها في الحرب والانفصال ، مروراً بالصدمة التي أصابت أحزاب المعارضة بعد فشلها في انتخابات 2003م ، وتفجير حرب صعدة وما تلاها من تداعيات ومواقف ملتبسة ، وانتهاء بفشل مراهنات هذه الأحزاب على تحقيق نتائج حاسمة في الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م، وإعادة تشغيل ماكنة حرب صعدة مجدداً بعد هذه الانتخابات ، بالتزامن مع تشغيل ماكنة التحركات والاحتجاجات والاعتصامات التي يسندها خطاب سياسي وإعلامي طافح بالأفكار والنزعات المذهبية والسلفية والمناطقية والانفصالية .
وبقدر الحاجة إلى تحليل " القواسم المشتركة " بهدف منع إعادة إنتاج الآثار السلبية التي نتجت عن تأزيم الحياة السياسية بعد كل محطة انتخابية في مسار العملية الديمقراطية الجارية في البلاد، بقدر الحاجة أيضاً الى التأكيد على أنّ الوطن والمجتمع هما اللذان يدفعان على الدوام ثمن إصابة نخب صغيرة ومعزولة من السياسيين الفاشلين والأنجلتنسيا المأزومة بمرض الطفولة السياسية، وإدمانها على المراهقة الفكرية والتعصب العقائدي والوهن العقلي والكسل الذهني.
في هذا السياق تدل القراءة الفاحصة لمخرجات خيار أحزاب ( اللقاء المشترك ) باللجوء الى اللعبة العمياء للحراك السياسي في الشوارع على أنّ ثمة لاعبين آخرين ( من الداخل والخارج ) وجدوا في هذا الخيار فرصة نادرة لإحياء مشاريع ميتة ، أوتمرير مشاريع صغيرة ومشبوهة تحت شعار (القضية الجنوبية ) الذي أصبح قاسما مشتركا بين قوى متناقضة الأهداف والمصالح والمرجعيات يجمعها هاجس تصفية حسابات تاريخية مع الوحدة اليمنية بما هي وليد شرعي للثورة اليمنية (26سبتمبر 14 اكتوبر) .
اللافت للنظر ان المهمة المحورية للحزب الاشتراكي اليمني بعد خروجه إلى الشارع هي تبني ما تسمى " القضية الجنوبية" والدعوة إلى حوارٍ سياسي حول هذه القضية والاتفاق على آليات حلها استناداً إلى اتفاقية الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق وقراري مجلس الأمن الدولي أثناء الحرب والتزامات السلطة للأمم المتحدة في يوليو 1994م، وهو ما كان يطالب به تيار الأقلية بقيادة مسدوس وباعوم، فيما كان ما يسمى بتيار الأغلبية يرفضه بحزم قبل أن يجد نفسه أسيراً في فخ هذا الخطاب بعد أن ورطه حزب " التجمع اليمني للإصلاح" الذي كان له سبق المبادرة في التحريض على اللجوء الى الشارع والمتاجرة بآثار حرب 1994م بطريقة انتهازية وغير مبدئية، بهدف توظيفها ضمن أوراق سياسية أخرى لإضعاف الحزب الحاكم، وإرباك حكومته ومنعها عن تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية.
وقد جاء بيان الدورة الأخيرة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، ومن بعده رسالة أمينه العام السابق علي صالح عباد "مقبل" إلى رئيس الجمهورية الذي نشرته صحيفة ( الثوري) في صفحتها الأولى ليقدما دليلاً ساطعاً على عمق المأزق الحاد الذي يعيشه الحزب حالياً بعد أن تمكن تيار الأقلية بقيادة مسدوس وباعوم من فرض أجندته على نحوٍ ما جاء في بيان اللجنة المركزية ورسالة أمينها العام السابق من قراءة مرتبكة للأوضاع ، وصياغة عمياء للمهام والمطالب، الأمر الذي يزيد من تعقيد الموقف المأزوم لما يسمى بتيار الأغلبية في اللجنة المركزية، والذي كان يرفض ويخاصم خطاب ومطالب ما يسمى تيار مسدوس - باعوم بحدةٍ وعنف.
● الاعلام الرسمي والمؤتمري يبالغ في اتهام احزاب ( اللقاء المشترك ) برفع الشعارات الانفصالية واثارة القضية الجنوبية بينما يتناقض أحيانا نع نفسه بالحديث عن قوى خارجية واتهامها بتمويل ودعم ما يجري في المحافظات الجنوبية بهدف التآمر على الوحدة والانفصال .. واحيانا يجري اتهام تاج والرئيس السابق على ناصر بانهما وراء ما يحدث ؟
أحزاب ((اللقاء المشترك)) ليست وحدها التي تتاجر بما تسمى ((القضية الجنوبية)) منذ ان أصبحت تتبناها بشكل رسمي وعملي سواء من خلال بيان الدورة الأخيرة للجنة المركزية أو بيانات أحزاب ((اللقاء المشترك))، وذلك في سياق التسابق المحموم مع ما تسمى قيادة ((الحراك الجنوبي)) على الفوز بالشارع ، بل أنّ ثمة أطرافاً يمنية في الخارج لم تخفِ صلاتها بهذه التحركات والمراهنات ، وهو ما نجد تفسيراً له في الدور الذي لعبته ولا تزال تلعبه ما تسمى حركة ((تاج)) التي تدعو إلى حق تقرير المصير للجنوب.
بدأ دور حركة ( تاج ) في الداخل من خلال ما يسمى لقاء التصالح والتسامح الذي احتضنته جمعية أبناء ردفان الخيرية بعدن في اجازة عيد الاضحى مطلع عام 2006م ، وغيرها من اللقاءات التي تمت في ردفان والضالع ومودية ولودرخلال الأعوام 2006 2007 م، وتحدث فيها عبر الهاتف الأخ أحمد عبدالله الحسني رئيس حركة ((تاج)).. ثمّ تطور هذا الدور بعد انطلاق حركة الاعتصامات والمظاهرات التي تقودها هيئات المتقاعدين العسكرية وصولاً إلى تشكيل قيادة ميدانية لما يسمى بالحراك الجنوبي الذي يدعو صراحةً إلى إعادة دولة الجنوب العربي، ودخول قادة سياسيين سابقين في الحزب الاشتراكي اليمني في الخارج، على خط هذه التحركات من خلال التصريحات والمقابلات الصحفية التي أدلى بها كل من علي ناصر محمد وحيدر أبوبكر العطاس ومحمد علي أحمد وغيرهم.
وقد بدا واضحاً التوجه لتدويل ما تسمى القضية الجنوبية، سواء من خلال بيان اللجنة المركزي الذي أشار إلى قراري مجلس الأمن الدولي أثناء حرب صيف 1994م ، أو من خلال الشعارات التي رفعتها الفعاليات الانفصالية الجديدة باللغة الإنجليزية في ساحة االهاشمي في الشيخ عثمان بمحافظة عدن، وحرص قياداتها على اللقاء بسفراء الدول المانحة وفي مقدمتهم السفير الأمريكي والسفير البريطاني، بالاضافة الى التصريحات العلنية لقادة هذه الفعاليات الذين يهددون بتدويل مطالبهم الانفصالية، حيث تلتقي هذه التحركات مع مساعي أحزاب ((اللقاء المشترك)) لتدويل تداعيات حرب صعدة وما تسمى القضية الجنوبية، والمزاعم الخاصة بالوجود العلني المتزايد لتنظيم القاعدة في اليمن بهدف محاصرة النظام واضعاف المؤتمر الشعبي العام وحكومته !!
تشير التحركات الأخيرة والمنسقة لفروع الحزب الاشتراكي اليمني وحلفائه في المحافظات الجنوبية الى ان أحزاب ( اللقاء المشترك ) تريد ايصال رسائل الى أكثر من جهة ، مفادها ان الشارع في المحافظات الجنوبية أصبح موحداً حول قضية وطنية واحدة تتبناها أحزاب ( اللقاء المشترك ) بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح . لكن هذه الأحزاب لم تقدم حتى الآن أي توضيح مقنع لموقفها من تسلل دعاة المطالبة بإحياء مشروع الجنوب العربي الى (شارع المشترك ) ونجاحهم في جر تلك الأحزاب الى أحراش ما تسمى (القضية الجنوبية ) .
لم يعد صعبا على أي مراقب للمشهد السياسي في المحافظات الجنوبية ملاحظة حالة التسابق بين الحزب الاشتراكي وحزب ( الاصلاح ) على قيادة الفعاليات والاعتصامات التي تتم تحت شعارات ( القضية الجنوبية ) ،الى جانب السباق المحموم بين الأجنحة المتصارعة في قيادة الحزب الاشتراكي ، في محاولة يائسة للبحث عن طوق للنجاة يعيد الدور القيادي للحزب الاشتراكي ، حتى وإن كان ثمن ذلك هو السقوط في مستنقع المشاريع الانفصالية التي لا تنتمي بأي حالٍ من الأحوال إلى تاريخ الحزب الاشتراكي، ورصيد كفاحه الوطني المشرف ضد كافة المشاريع الاستعمارية الأنجلو سلاطينية ، التي ارتبطت بما كانت تسمى ( القضية الجنوبية )، منذ ظهور مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي في نهاية الخمسينات كرد فعل لشعارات الاستقلال والوحدة اليمنية التي ارتفعت بعد اندلاع إضرابات مارس العمالية الشهيرة عام 1956م، ودخول الطبقة العاملة اليمنية ميدان العمل الوطني كقوة سياسية منظمة في نقابات.
ومن نافل القول إنّ مشروع اتحاد الجنوب العربي كان يستهدف نزع الهوية اليمنية عن الجنوب المحتل، وتلفيق هوية بديلة.. وقد بدأ هذا المشروع يلفظ أنفاسه الأخيرة بقيام ثورة 14 أكتوبر التي أنجزت الاستقلال الوطني للجنوب اليمني ، وأطلقت الرصاصة الأخيرة على مشروع "الجنوب العربي" بما هو نظام حكم أنجلو سلاطيني معادٍ للهوية الوطنية اليمنية، ثم أقامت على أنقاضه جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي أعادت الهوية اليمنية إلى جنوب الوطن بعد تحريره من الاستعمار في 30 نوفمبر 1967م، وصولاً إلى قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م، التي أعادت للوطن اليمني المشطور وجهه الشرعي الواحد.
● المعارضة وبالذات أحزاب ( اللقاء المشترك ) تتهم سياسات السلطة بانها المسؤولة عن الاعتصامات والمظاهرات والتوترات في المحافظات الجنوبية .. والسلطة تتهم ( المشترك ) أحيانا ..كما تتهم أيضا قوى خارجية في نفس الوقت .. كيف تنظرون الى هذه الاتهامات المتبادلة ؟
مامن شك في أن تكتيك " اللجوء إلى الشارع " هو المسؤول الأول عن التداعيات والتحديات الخطيرة التي أصبحت لا تهدد فقط السلم الأهلي والوحدة الوطنية، بل أنّها تمتد لتفتح الأبواب واسعة لدخول تيارات مختلفة من الداخل والخارج، وإحياء مشاريع ميتة دفنتها الحركة الوطنية اليمنية بنضالها وتضحياتها، وبالذات نضال وتضحيات أبناء الجنوب اليمني الذين تصدوا لمشروع " الجنوب العربي " عندما حاول الاستعمار البريطاني تمريره بهدف تطويق شعارات الاستقلال والوحدة اليمنية التي رفعتها الأحزاب والقوى السياسية الوطنية والنقابات العمالية ومنظمات الطلاب والشباب والنساء في منتصف الخمسينات، على إثر ظهور الطبقة العاملة اليمنية كقوة سياسية منظمة في نقابات، وانخراطها في العمل الوطني التحرري، حيث كان الهدف من هذا المشروع يتمحور حول سلب وطمس الهوية اليمنية للجنوب المحتل وتلفيق هوية بديلة ومزيفة بدلاً عنها.
ومما له دلالة أنّ شعارات ( القضية الجنوبية ) لم تنحصر فقط حول القضايا المتعلقة بمعالجة آثار حرب صيف 1994 وتصحيح الممارسات الخاطئة باسم الوحدة وهو ما أكد عليه أيضا فخامة رئيس الجمهورية في خطابه التاريخي بمناسبة العيد الأربعين للاستقلال الوطني في عدن ، لكنها امتدت لتفتح على شعارات ومشاريع انفصالية ضيقة ، تهدد بتمزيق وحدة الوطن وتماسك نسيجه الاجتماعي، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بتفاعل بعض اللاعبين السياسيين في حركة الشارع من المحسوبين على الحزب الاشتراكي اليمني مع الشعارات الانفصالية التي تتحدث عن " الجنوب العربي " و" جنوبنا العربي " و" حضرموت التاريخية قبل الوحدة والشرعية " عبر بعض المسيرات والمقالات والمداخلات في بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية على طريق التعاطي مع ما تسمى بالقضية الجنوبية التي سيطرت على بيان الدورة الأخيرة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ اصطلاح ( القضية الجنوبية ) كان عنواناً لثقافة سياسية استعمارية سلاطينية رجعية استهدفت طرح قضية الجنوب المحتل والتعامل معها من منظور جيوسياسي انعزالي يخرج مصير الجنوب اليمني وأهله من هويتهم الوطنية اليمنية، ويبعدهم عن مصيرهم المستند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا ووحدة الأرض والإنسان والمصير.
لا يختلف اثنان في أنّ فتنة 1994م والحرب التي رافقتها، ألحقت أضراراً بالحياة السياسية والوحدة الوطنية. لكن ذلك لا ينفي حقيقة أنْ المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح أدرك ضرورة إزالة آثار تلك الحرب وإغلاق ملفاتها بواسطة العديد من القرارات والإجراءات والمبادرات والتوجهات التي استهدفت إزالة معظم الآثار الناجمة عن تلك الحرب ومعالجة ما تبقى منها . .بيد إنّ ثمة أطرافاً في السلطة والمعارضة تحرص على أن يبقى ملف تلك الفتنة مفتوحا . ومن بينها تلك التي لعبت دوراً كبيراً في تأزيم الحياة السياسية خلال السنوات الأربع السابقة لتلك الحرب منذ قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م، مروراً بالأزمة الناجمة عن نتائج 1993م، وانتهاء بحرب صيف 1994م، وإعلان مشروع الانفصال على نحو ما سبق عرضه عند الإشارة إلى مسؤولية الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح بوصفهما لاعبين أساسيين في " اللقاء المشترك " عن التداعيات التي نجمت عن شراكتهما في تأزيم الحياة السياسة قبل الحرب وبعدها وفي الوقت الحاضر. ناهيك عن مسؤولية السلطة في تجاهل ما تراكم من مشكلات بفعل سلوك بعض المتنفذين الذين تورطوا بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي والتصرف بعقارات الدولة والأوقاف لغرض المضاربة بها، والسكوت إزاء الإدارات الفاشلة التي تسببت في ركود و تعثر العديد من المؤسسات العامة، وعدم محاسبة الفاسدين الذين كشفت تقارير الجهاز المركزي للمراجعة والمحاسبة تورطهم في نهب المال العام، بالإضافة إلى عدم تصحيح السياسات المركزية المفرطة التي أحدثت شللاً تاماً في عمل ونشاط الموانئ والمطارات وبعض المرافق الحيوية في المحافظات الجنوبية ، على الرغم من الإنجازات التنموية غير المسبوقة في مجال تحديث بنيتها التحتية، ما أدى إلى إ هدار هذه الإنجازات بسبب عدم تشغيلها.
● يوصف احمد الحبيشي بأنه (عدني اكثر من العدنيين ) لماذا يا ترى استدل بها علي الصراري ذات يوم ..وبماذا ترد على اساءته لك وصفها الكثيرون بأنها اساءة متعمدة وصريحة لرجل دولة وانت الزميل له على طاولة الحزب ذات يوم ؟؟
هذا الكلام ينطبق على الذي يبالغ في الدفاع عن قضية غريبة عنه ولا ينتمي اليها كأن تقول ان فلانا جمهوري ولكنه ملكي أكثر من الملك نفسه .. أو أن تقول عن يمني يحب مصر وأهلها بأنه مصري أكثر من المصريين .
أنا أستغرب لما جاء في سؤالك بأنني عدني أكثر من العدنيين لأنني من مواليد عدن وأحمل شهادة ميلاد باللغة الإنجليزية وموسومة بشعار التاج البريطاني عندما كانت عدن تتبع وزارة المستعمرات البريطانية .. لقد سقط رأسي في عدن وترعرعت ودرست في شوارعها وملاعبها ومدارسها .. وكان لي اسهام متواضع في كفاح الحركة الطلابية ضد الاستعمار ، ودفاعا عن الهوية اليمنية للجنوب المحتل آنذاك ، على طريق التحرر والاستقلال والوحدة .
في عدن بدأت مسيرتي الصحفية والأدبية والسياسية ..وعلى ثرى مدينة عدن يوجد قبر أمي الغالية رحمها الله .. ولدي ثلاثة أولاد جميعهم من مواليد عدن .. ولذلك من واجبي أن أدافع عن حق عدن في الغناء والموسيقى والفرح الانساني والابتسامة لأنه حقي أيضا.. ولست عدنيا أكثر من العدنيين بحسب سؤالكم حين أدافع عن هذه الحقوق .. ويؤسفني ان الأخ الصراري لم يناقش ولا يناقش القضايا التي أطرحها في سجالاتي وخلافاتي معه .. وبدلا عن النقاش يتجه الى الشتم والقذف والاساءة والتجريح والتسطيح الانشائي ما يجعل موقفه ضعيفا ويثير ضده انتقادات واسعة من داخل الحزب وخارجه . ولذلك سأكتفي بمناقشة قضايا الخلاف معه في مقالاتي ، على نحو ما أفعله وسأفعله دائما معه أو مع غيره من الذين أختلف معهم في الرأي .
● على كثرة المنتديات الثقافية والادبية والاجتماعية في عدن لماذا لم نسمع عن منتدى 14 اكتوبر الثقافي او الاجتماعي رغم تاريخ الصحيفة على هذه المدنية ؟؟
المشكلة في المنتديات الثقافية أنها تأخذ شكل مجالس قات غزت المؤسسات الحكومية .. ونحن في المؤسسة نمنع منعا باتا تخصيص مجلس للقات لأن ذلك يتعارض مع اسلوب عمل منظومة التحرير الأليكتروني وتراسل النصوص والصور والمعطيات عبر الشبكات ويعيق خططنا لتحديث تقنيات وأساليب التحرير الصحفي والاخراج الفني .
● في الرابط التالي تحدثت عن الإرهاب وأثره وتناولت كلمة مفصلة لابن لادن ...على اثر ذكر اكتواء اليمن بنار الإرهاب ..إلى أي مدى تقرأ مستقبل العلاقات اليمنية الأمريكية ؟؟ http://www.middleeasttransparent.com...god_s_will.htm
أتمسك بكل كلمة قلتها حول هذا الموضوع في المقال الذي كتبته في العام الماضي و نشرته في موقع ( شفاف الشرق الأوسط ) الذي يصدر من باريس باللغات العربية والفرنسية والانكليزية .وبامكان القارئ الكريم قراءة هذا المقال عبر الرابط الذي تفضلت مشكورا في تضمينه سؤالك .
●ألا ترى أن أسلوب الحوار الهتاري لم يعد مجديا في ظل تأكيدات القاعدة الأخيرة بضرب المصالح اليمنية ؟
اسمح لي أن اقول لك أن الاسلام السياسي شهد تحولا خطيرا بعد التزاوج الذي تم بين الاخوان المسلمين والمؤسسة الدينية غير الرسمية في المملكة العربية السعودية على تربة الصدام بين جمال عبدالناصر وثورة 23 يوليو من جهة، وبين التنظيم الدولي للاخوان المسلمين بعد فرار الاخوان الى السعودية عقب فشل محاولة اغتيال جمال عبدالناصر التي خطط لها الجهاز السري الخاص للاخوان ونفذها في ميدان المنشية بالاسكندرية عام 1954م ، ما أدى الى صدور قرار من مجلس قيادة ثورة 23 يوليو بحل تنظيم الاخوان وهجرة قياداته وكوادره الى السعودية ، الأمر الذي أسفر عن إعادة بناء الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي على تربة تكفير المجتمع العربي والاسلامي والنظام الدولي وتقسيم العالم الواقعي الى فسطاط للامان وآخر للكفار وغيره ذلك من الأفكار المتطرفة التي تبلورت في كتاب معالم على الطريق للمفكر الاخواني سيد قطب ، ثم تبلورت في ما تُسمى الصحوة الاسلامية والفكر الصحوي ، خصوصا بعد اختلاط الايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي بمخرجات فقه عصر الانحطاط في بيئة الجهاد الأفغاني التي لا يجب إنكار وتبرئة الإخوان ودور التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في صناعة تلك البيئة الجهادية التي ألحقت كوارث خطيرة بالعالم العربي والإسلامي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي جعل الأخوان المسلمون من أراضيها ومؤسساتها الخيرية منشأ ً للايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي. ولعل ذلك يفسر المعاني العميقة للتصريح الشهير الذي أصدره الأمير نائف بن عبدالعزيز عام 2004 وتداولته على نطاق واسع الاعلام السعودية والعربية والعالمية ، والذي أتهم فيه الإخوان المسلمين بأنهم أصل المصائب في العالم العربي والإسلامي .
لا أعتقد يا أخي العزيز أنك ستختلف معي إذا قلت لك أن المملكة العربية السعودية دفعت ثمنا كبيرا من جراء انتشار الفكر الضال والثقافة المتطرفة في المجتمع السعودي من خلال المناهج الدراسية والمدارس الدينية وتكايا المساجد والجمعيات الخيرية والتجمعات والمخيمات الصيفية ومدارس تحفيظ القرآن ، بالإضافة إلى نمط الحياة المتشددة الذي يحاول المتطرفون تسويقه وفرضه بالقوة تحت واجهة حماية الفضيلة وردع المنكرات، عبر تحريم الغناء والموسيقى والألعاب الرياضية والسينما ومختلف الفنون، وصولاً إلى تكفير المجتمع والدولة وممارسة الإرهاب والعنف ضد مؤسسات الدولة والتجمعات السكنية والمواطنين الأبرياء.
من يتابع المشهد السياسي والثقافي والإعلامي في السعودية سيلاحظ بكل وضوح أن الأفكار المتطرفة تتراجع في بلد المنشأ، وأن ما أسميته الحوار الهتاري ليس جديداً أو إختراعا يمنيا ً.. فقد سبقتنا إليه السعودية من خلال ما تسمى بلجان المناصحة التي كانت ولا زالت تتحاور مع أعضاء وأتباع القاعدة من المتورطين في جرائم إرهابية في السجون السعودية على غرار ما كان يفعله الهتار مع الموقوفين في سجون الأمن السياسي .
لا أريد أن أعلق على نتائج حوارات الهتار التي يرى كثيرون أنها لم تمنع استمرار الجرائم الإرهابية ، ناهيك عن الأسرار الخطيرة التي كشفها أحد المقربين من أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في حوار مهم جدا نشره موقع ( نيوز يمن ) وصحيفة ( الوسط ) عام 2006م حول كيفية تعاطي أعضاء وأتباع تنظيم ((القاعدة)) مع حوارات الهتار!!، لكنني سأتحدث حول نتائج عمل لجان المناصحة في السعودية والتي لم يكن لها أي تأثير على وقف انتشار الجرائم الإرهابية في السعودية . مع الأخذ بعين الاعتبار أن ثمة مواجهة جادة للإرهاب في السعودية تتمحور بدرجة رئيسية حول تجفيف وسد منابع الثقافة المتشددة والأفكار المتطرفة بأشكال ووسائل مختلفة .. ولعل من يقرأ الصحف السعودية اليومية ملاحظة أنها أكثر جرأة وجدية في مواجهة هذه الثقافة في بلد المنشأ قياسا إلينا في اليمن.
تسألني عن رأيي في ما أسماه سؤالكم الحوار الهتاري ؟ ..
أحيلك الى الصحف السعودية التي نشرت على مدى الشهرين الماضيين أراء كوكبة من الأكاديميين والمثقفين والمفكرين بشأن حال الفكر المتطرف في السعودية وحال لجان المناصحة التي أعاد الهتار إنتاجها في اليمن !!
بوسعي القول استنادا الى معطيات نشرتها الصحف السعودية ، أن حملة ( المناصحة ) ظلت مقصورة على الموقوفين في السجون بتهمة اعتناق الفكر المتشدد. وهدفها تغيير قناعاتهم الناشئة عن بعض التأويلات لبعض النصوص الدينية التي يسوغون بها الأفكار التي يعتقدون بها والجرائم الارهابية التي ينفذونها. وقد لفت هذا التزايد في أعداد معتنقي هذا الفكر أنظار المسؤولين السعوديين في وزارة الداخلية مما جعلهم يدركون حقيقة أن وقف انتشار هذا الفكر الضال لا يتطلب " مناصحة " مَن وقع في الشَّرَك فقط أو الحوار معه على الطريقة ( الهتارية اليمنية ) ، بل لابد من تجفيف المنابع الحاضنة التي تغذيه وتنميه وتنشره بين صغار السن خاصة.
في هذا اسياق أشار كثير من الكتّاب والباحثين السعوديين منذ سنوات إلى بعض تلك المنابع وفي مقدمتها المدارسُ وبعض النشاطات التي تقام في المساجد وبعض النشاطات في "المخيمات الصيفية"، واستغلال حلقات تحفيظ القرآن الكريم والجمعيات الخيرية .
ومن نافل القول أن هؤلاء الكتاب والباحثين تعرضوا لكثير من اللوم والتشنيع والتهديد ممن يدافعون بحسن نية أو بسوئها عن الممارسات الخطرة التي كانت تنشط في البية الثقافية والاجتماعية السعودية.
المثير للدهشة أن بعض التقارير التي صدرت عن المؤسسة الدينية غير الرسمية في السعودية كانت توحي بنجاح حملة المناصحة التي لاتزال مستمرة هناك منذ أربع سنوات في إقناع بعض الموقوفين بخطأ تأويلاتهم وما يقومون به من أعمال العنف مما سمح بخروجهم من السجون لاستئناف حياتهم الطبيعية. . لكن ما يلفت النظر أن أعداد معتنقي الفكر المتشدد لا تزال تتزايد في السعودية بحسب ماكتبه في صحيفة ( الوطن ) السعودية الأكاديمي السعودي الدكتور حمزة الزيني الذي قال أنه على الرغم من الجهود الواضحة التي تُبذل في مكافحة الفكر المتشدد، فإن بعض معتنقي هذا الفكر يصلون إلى الطرف الأقصى فيخرجون من المملكة للمشاركة في بعض الفتن الداخلية في بلدان متعددة بحجة (الجهاد) ونصرة المسلمين، فيما يُقتل أكثرهم في هجمات انتحارية ربما يكونون مرغمين عليها ، كما يقبع كثير منهم في سجون البلدان المختلفة مهددين بفترات سجن طويلة أو بما هو أسوأ. ويرى حمزة المزيني أن بعض المتأثرين بالفكر المتطرف يظلون على مستوى أقل من العنف فلم يخرجوا الى الجهاد خارج السعودية ، لكن كثيرا من هؤلاء يُفرِغون طاقاتهم الملتهبة في بعض أعمال تصب في مسار العنف، وليس أقلها التشغيب على المناسبات الثقافية والاجتماعية واستخدام أيديهم في تغيير ما يرونه منكرا.
لعل ما تفعله وزارة الداخلية السعودية ممثلة في "لجان المناصحة" الآن يشهد بصحة موقف أولئك الكتاب والباحثين الذين لم يكونوا يتحدثون من فراغ، بل من معرفة حقيقية بخطر ما كان يمارس من تلك النشاطات التي يحاول المدافعون عنها تبرئتها.
ومما يشهد بتحقق وزارة الداخلية من خطر تلك المنابع ما نشرتْه بعض الصحف السعودية عن قيام " لجان المناصحة " بنشاطات اجتماعية ذات طابع ديني متشدد خارج جلسات المناصحة التي تتم في السجون. لكن كثافة تلك النشاطات تبرهن على أن المجتمع السعودي كما هو حال المجتمع اليمني يعاني من مشكلة التشدد الذي يمكن أن يفضي إلى العنف، إلا أنها تشير كذلك إلى أن حكومة المملكة العربية السعودية بدأت نعترف بهذه المشكلة من غير تحفظ. .. بل وبصراحة وشجاعة تستحقان التقدير والاعجاب والاقتداء بها من قبل الحكومة اليمنية !!
وعلى النقيض من حوارات الهتار ، أشار بعض " المناصِحين " إلى القصور في أداء بعض المسؤولين في مكافحة هذا الفكر. ومن ذلك ما قاله الدكتور عزام الشويعر في محاضرة بعنوان (أمور قد تخفى على المربين والمعلمين)... أوضح من خلالها الدور الكبير والمهم للمعلم والمربي وذلك من خلال معايشته لحالات الموقوفين، حيث أكتشف أهمية هذا الدور للمعلم، مستشهداً بكثير من القصص والروايات ، ما دفعه في تلك المحاضرة الى التأكيد على أهمية التصدي لمثل هذه الأفكار الضالة ، والانحرافات الفكرية وإنكارها وعدم المجاملة أو التهاون مصائر البلاد والعباد بحسب استطلاع نشرته صحيفة ( عكاظ ) السعودية الشهر الماضي .
هذا الكلام الذي صدر على لسان بعض المناصحين يؤكد ما قرأته في استطلاع صحفي نشرته صحيفة( الشرق الاوسط ) بعد أحداث 11 سبتمبر ، أوضحت فيه خطورة تحوُّل بعض المعلمين والمعلمات عن واجباتهم التعليمية ليصيروا وعاظا لا همَّ لهم إلا الحديث عن "الجهاد"، والموت، وهو ما يدخل في مفهوم "المنهج الخفي " الذي يعني أن بعض المعلمين والمعلمات ينفِّذون منهجا موازيا للمنهج الذي تقره وزارة التربية والتعليم ،و ينشرون من خلاله كثيرا من الأفكار المتطرفة، بل ربما يصل الأمر إلى دعوة الطلاب إلى الخروج "للجهاد"، ورفْع "الشباب " السعوديين المشاركين في الفتن الخارجية إلى مراتب "الرموز" التي تستولي على إعجاب الطلاب الصغار وتغريهم باتباع طريقهم.
ولذلك فان كثيرا من الباحثين السعوديين يرون بأن المناصحة الحقيقية بمعنى الحوار الهتاري الذي أشرت اليه في سؤالك يجب أن يخرج من مناصحة الموقوفين في السجون الى مناصحة المعلمين والمعلمات من أجل تحقيق هدفين: الأول أن يُقلعوا هم أنفسهم عن الفكر المتشدد، والثاني أن يتوقفوا عن النشاطات الموازية التي كانوا يمارسونها لغرس الأفكار المتشددة في لا وعي تلاميذهم . ويمكن لهذا أن يقضي على مصدر مهم من مصادر نشر الأفكار المتشددة.
أكثر المناصِحين في السعودية أكدوا على الأسباب الداخلية الثقافية والدينية التي تنتج عنها هذه الأفكار ، وهو ما لم يحدث في الحوارات الهتارية التي لا يعرف المجتمع المدني في اليمن شيئا عنها . وقد أوضح أحد أساتذة جامعة الملك عبدالعزيز بن سعود وهو الدكتور سعيد الوادعي بعض هذه الأسباب في مقال نشره في صحيفة الرياض بتاريخ 4/مايو 2008 الجاري ، والذي أشار فيه الى أن هناك أخطاء واضحة وقع بها شباب السعودية بسبب قلة العلم الشرعي وصغر السن وأخذ المعلومة من مصادر مجهولة وغير دقيقة ، مؤكدا ً على أن العديد من أسباب انحراف الشباب مصدرها الشاب نفسه أو الأسرة أو المدرسة أو الخطيب أو الواعظ ، وإن بعض المناصِحين لا يزالون يكررون الحجج القديمة التي تتمثل في إلقاء اللوم على المؤامرات الخارجية التي استغلت ( الشباب المسلم ) وغررت بهم، واستغلتهم في مخططاتها. ومن ذلك ما قاله الدكتور محمد بازمول الذي تحدث عن مسؤولية "... الصهيونية العالمية (التي) تتربص بالإسلام"، وما نتج عن ذلك من حرب إعلامية شرسة ضد المسلمين في صحيفة ( الرياض ) أيضا .. وأتذكر أنني قرأت كلاما كهذا على لسان القاضي حمود الهتار .
في اليوم التالي لنشر هذا الكلام في صحيفة " الرياض " السعودية قال الدكتور علي نفيسه مدير التوجيه والتوعية بوزارة الداخلية وعضو لجنة المناصحة في تصريح نشرته (الحياة) السعودية التي صدرت في لندن بتاريخ 5/5/2008م) ما مفاده أن إلقاء اللوم على الآخرين سهل جدا، لكنه لا يحل مشكلاتنا، بل يمكن أن يعمي أبصارنا عن الطرق الصحيحة لعلاجها. أما الطريق الصحيح والأقرب لحل مشكلاتنا بحسب الدكتور علي نفيسه فهو الاعتراف بشجاعة بأن بعض جوانب ثقافتنا تدفع شبابنا للوقوع في هذه المشكلات، ومن أهمها: "... الشبهات التي يعاني منها الشباب مثل " التكفير" و" الولاء والبراء " وضوابط الجهاد والبيعة والطاعة لولي الأمر، والموالاة، وإخراج المشركين من جزيرة العرب... وهذه مشكلات ثقافية ودينية داخلية بامتياز، ولا علاقة للعوامل الخارجية بها ، وسأكون سعيدا جدا لو قرأت في الصحافة رأي الهتار في هذه المشكلاتّ!!
وقد أعجبني كثيرا قول هذا المسؤول السعودي الذي يدير ادارة التوجيه المعنوي في وزارة الداخلية السعودية أنه لا يمكن أن نأمل خيرا من الصهيونية، فهي في حالة حرب مع المسلمين منذ أكثر من مئة سنة، وهي حريصة على أن تعمل أي شيء يمكن أن يضر بالمسلمين، إلا أن السؤال الصعب الذي يجب أن نواجه به أنفسنا هو: لماذا يسهل وقوع " الشباب " السعوديين واليمنين والعرب في شباك هذا الأخطبوط؟
صحيفة ( شمس ) السعودية نقلت على لسان الدكتور ماجد المرسال إشارته في محاضرة بعنوان (أمور قد تخفى على الخطباء والوعاظ) أ إلى أهمية أن يعي من يتصدر للخطابة أو الدعوة حال المتلقين، خصوصا وإن نسبة كبيرة من المتلقين تتأثر بالخطاب المدعم بالآيات والنصوص بدون التفكير أحياناً بمضمونها أو أسباب نزولها أو مغزى الخطيب من الاستشهاد بها . و لايبرئ الكتور ماجد المرسال بعض الخطباء من المسؤولية عن عن نشر الأفكار المتشددة، أو عدم قيامهم بواجباتهم في مكافحتها ، وهو ما نعاني منه في اليمن أبضا .
الدكتور إبراهيم الميمن وهو مفكر اسلامي سعودي معروف أوضح في محاضرة تناولتها بعض الصحف السعودية بعنوان (رسالة إلى كل مسؤول) ، خطورة هذه الأفكار المتطرفة والملتبسة بالدين على المجتمع ، محذرا ً من خطورة التقليل أو التبرير أو التساهل في هذه الانحرافات وأثرها على الوطن والدين .. كما شدد على أثر التفاعل والتكامل بين أفراد المجتمع في معالجة ومحاربة الأفكار الهدامة، فالمسؤولية كبيرة ليس على رجل الأمن أو لجان المناصحة فحسب بل الأسرة والمدرسة والمسجد ورجال الدعوة وكل مسؤول».
ياعزيزي محمد البذيجي لاحظ وتأمل تقييم تجربة المناصحة في السعودية وهي أصل النسخة اليمنية التي تتمثل في الحوار الهتاري بحسب سؤالك الاستفزازي والصريح في آن واحد .. لا حظ أيضا ً أن هذا التقييم يتضمن اعترافا من قبل المسؤولين والمفكرين والمثقفين السعوديين ، بالمصادر الحقيقية التي تغذي هذا الفكر وترعاه. وهو ما نحتاجه هنا في اليمن ، خصوصا في ظل تزايد النشاط المحموم لنشر الأفكار التكفيرية التي تعتبر الغناء والموسيقى حراما وكفرا بواحا ، وتصف الذين يطالبون بتعديل القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة ، وتمنع مساواة دية المرأة القتيلة بدية الرجل القتيل وتجيز زواج القاصرات ، بأنهم ينفذون مخططا يهوديا وعلمانيا معاديا للاسلام ، حيث بدأ المتشددون يطالبون قيادة الدولة جهارا نهارا بتمكينهم من التحول الى رجال اكليروس في الدولة والمجتمع ، وانشاء محاكم تفتيش دفاعا عن الفضيلة وتكوين شرطة دينية لملاحقة وإيذاء الناس والعائلات في المصانع والجامعات وأماكن العمل و المنازل والشوارع والشواطئ تحت غطاء حماية الفضيلة النهي عن المنكرات .
● هذا رابط لمقالك بعنوان أحداث صعدة في اليمن.. محاولة للقراءة ..
http://www.middleeasttransparent.com...da_clashes.htm
بعد الهجوم الذي شنيته على الفئة الضالة التي أسميتها في المقال ألا ترى أن اتفاق قطر لحل هذا المشكل فيه الكثير من التنازلات من هيبة الدولة التي لا تليق بسمعة الجيش اليمني.. لصالح الطرف الآخر؟؟ على اثر ذكرك لدور اللقاء المشترك في إشعال فتنة صعدة .. ما دور السلطة في تأجيج الصراع في صعدة؟؟
مرة أخرى أجدد تمسكي بكل ما جاء في هذا المقال .. ولعله يجيب على تساؤلاتك المشروعة .. وإنني إذ أشكرك على متابعتك الملحوظة لمقالاتي التي أنشرها في موقع middleeasttransparent الذي يصدر من العاصمة الفرنسية باريس باللغات العربية والفرنسية والانكليزية ، أود أن أجدد التأكيد على آرائي ومواقفي إزاء حرب صعدة ، والتي قلت فيها بكل شجاعة وصراحة ووضوح أنني اعتبر ما يجري في صعدة منذ عام 2004م تمرداً مسلحاً تقوده جماعة خارجة عن القانون بصرف النظر عن الأبعاد المذهبية والطائفية الملتبسة بخطابها السياسي في مواجهة الدولة ممثلة بالقوات المسلحة التي تقع عليها واجبات دستورية تقتضي تدخلها لفرض سيادة الدولة على أراضيها ، وإعادة الأمن والاستقرار وإعلاء سلطة القانون وإنهاء التمرد ، بأقل قدرٍ ممكن من الخسائر المادية والبشرية والسياسية.
وانطلاقاً من هذه الرؤية التي لا زلت متمسكاً بها ، حذرت في المقال الذي يدل عليه الرابط الذي أوردته في سؤالك آنفا ً ، من أوهام المراهنة على استخدام نمط من الخطاب الطائفي السلفي المقيم بشكل دائم في الماضي البعيد ، لمواجهة نمط آخر من هذا الخطاب.. فالمشاريع السياسية الدينية الطائفية لا يمكن مواجهتها بمشاريع سياسية دينية طائفية مضادة ، بل بمشروع وطني ديمقراطي مدني. وعندما تتم المراهنة على إحياء الصراعات الطائفية القديمة، واستدعائها من أزمنة الأسلاف الغابرة ، تتحول المواجهات الحالية في صعدة إلى إقامة دائمة ودامية في الماضي، الأمر الذي ينذر بطمس الصورة الحقيقية لهذه المواجهات، وتحويلها من مواجهات بين الدولة الوطنية ممثلة بمؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية ، وبين جماعات مسلحة متمردة وخارجة عن القانون، إلى مشهد مفترض تبدو فيه هذه المواجهات في صورة استدعاء للحروب التي تمت في القرن الأول الهجري قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام بمدينتي الكوفة وكربلاء ، بين جيش يزيد بن معاوية من جهة ، وبين الذين أسماهم فقهاء يزيد بالروافض من جهة أخرى، وهم أتباع الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب الذين رفضوا مبدأ توريث الحكم من الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان إلى نجله يزيد، ثم امتنعوا عن أداء البيعة له.. وهو ما لا ينطبق على أحداث صعدة مطلقاً . ناهيك عن أنه ينذر بإضفاء الطابع المذهبي السلفي على طرفي المواجهات الدائرة بين الدولة والمتمردين في صعدة، وما يترتب على ذلك من مخاطر توسيع قاعدة المناصرين للتمرد سواء في الداخل ، أو على مستوى العالم العربي والإسلامي.
وسبق لي أن قلت رأيي بصراحة إن أبطال القوات المسلحة الذين يقاتلون ويستشهدون في صعدة ليسوا جنودا في جيش يزيد بن معاوية، كما أن المتمردين المسلحين الذين خرجوا على سلطة الدولة في صعدة ليسوا روافض من أتباع الحسين، ولا يقاتلون جيش يزيد بسبب رفضهم مبدأ توريث الحكم له ، وامتناعهم عن مبايعته حاكما عليهم ، بحسب رؤية الخطاب الديني الطائفي السلفي الذي حاول الدخول على خط الحرب في صعدة !!
ولعلكم تتذكرون أن صحيفة ( الناس ) التي يمولها حزب (الإصلاح) لم يعجبها موقفي هذا ، حيث قامت في أحد أعدادها الصادرة عام 2004 م ، بنشر صورة كاريكاتيرية أظهرتني فيها مع المتمرد حسين الحوثي قبل مصرعه ونحن متعانقان أثناء المرحلة الأولى من حرب صعدة ، ، مع تعليق استهدف تحريض السلطة ضد صحيفة (22 مايو) التي تصدر عن الحزب الحاكم عندما كنت رئيسا لتحريرها ، بدعوى أن ما كنت أكتبه في الصحيفة حول حرب صعدة يتعارض مع الخطاب الإعلامي الرسمي !!
في هذا السياق أود أن أجدد التأكيد أيضاً على موقفي الذي عبرت عنه في ذلك المقال ضد المراهنة على قرع طبول (داعي القبيلة) والذي ينذر بخطورة تحويل المواجهات المسلحة بين الدولة والمتمردين في صعدة إلى مشهد تراجيدي ماضوي يستدعي حروب القبائل في جاهلية ما قبل الدولة ، وينزع عن أحداث صعدة صفة التمرد على سلطة الدولة والقانون من قبل أقلية مسلحة وخارجة عن الشرعية الدستورية ، بهدف تحويلها إلى حروب قبلية تشبه تلك التي كانت تتم بين عبس وذبيان وكنده وربيعة ، على إيقاع طبول (داعي القبيلة) في عصور ما قبل الدولة.
ولا زلت حتى الآن عند موقفي الذي عبرت عنه منذ أواخر عام 2004م ، حين استضافتني قناة ((دبي)) الفضائية مع الزميل جمال عامر رئيس تحرير صحيفة " الوسط " في برنامج (قلم رصاص) الذي يقدمه الإعلامي العربي الكبير (حمدي قنديل) .. فقد أكدت في تلك المقابلة التليفزيونية انحيازي المطلق إلى الدولة الوطنية ومؤسساتها العسكرية والأمنية في مواجهة التمرد المسلح على سلطة الدولة في صعدة، وشددت على ضرورة إنهاء هذا التمرد أما بالقوة أو بالوسائل السياسية والسلمية ، بحسب مقتضيات وظروف وتحديات هذه المواجهة التي ينبغي أن تحسم في نهاية المطاف لصالح إعلاء سلطة الدولة بقوة الدستور والقانون ، وبما يضمن حماية وحدة أراضي الدولة، وضمان حقوق المواطنة واحترام المعتقدات المذهبية للمواطنين وعدم تكفيرها ، والدفاع عن النظام السياسي الديمقراطي التعددي، والحيلولة دون تمكين دُعاة الدولة الدينية الطائفية من اقتطاع جزء من التراب الوطني لصالح مشروع سياسي طائفي و مذهبي.
إنّ موقفي الرافض للدولة الدينية بصرف النظر عن مذهبها الفقهي الرسمي ينطلق من قناعتي بأنّ الدولة الدينية لن تكون إلا دولة مذهبية طائفية.. ودليلي على ذلك أنّ تعاقب نماذج الدول الدينية الإمبراطورية التي شهدها التاريخ الإسلامي والمسيحي قبل قيام الثورة الصناعية الأولى ، وظهور الدول الوطنية الحديثة ، كان يشير إلى تعاقب الهيمنة الأحادية الاستبدادية لهذا المذهب الفقهي أو ذاك، وما رافق ذلك من اضطهاد ومذابح وكوارث مأساوية لحقت بفقهاء وأتباع المذهب الذي كان يتم إقصاؤه من الحكم على أيدي فقهاء وأتباع المذهب المنتصر والمهيمن ، سواء كان سنيا َ أو شيعيا أو صوفيا أو كاثوليكياً أو أرثودكسياً، بما في ذلك الحكام الذين كانوا يلوذون بهذا المذهب الفقهي أو ذاك بقصد الحصول على شرعية دينية تبرر استبدادهم واحتكارهم للسلطة والثروة والقوة.
● من خلال قراءتي لك كثيراً لماذا يظهر الأستاذ الحبيشي فاقداً للحيادية وتميل كثيراً لأحد الأطراف خاصة في قراءة الوضع السياسي أو الأحداث الجارية ؟؟
أنا صاحب مواقف وتجارب بعضها مرير .. وقد دفعت وكثيرون غيري أثمانا باهظة لأخطاء وتشوهات الحياة السياسية وان كنت لا أبرئ نفسي من المسؤولية عن المشاركة في المجتمع السياسي بكل ايجابياته وسلبياته.. والحال أن من يكتب أو يتحدث بأسلوب نقدي يبدو دائما من وجهة نظر من يخالفونه في الآراء والاستنتاجات التي توصل إليها عبر منهجه النقدي منحازا ضدهم .. بل يبدو أحيانا منحازاً ضد نفسه، خصوصاً حين يكون شجاعاً في ممارسة النقد الذاتي الذي يسميه الشموليون جلد الذات.
● الأستاذ أحمد الحبيشي.. لم أكن يوماً مغرماً كثيراً بزيارة مثل هذه المنتديات بصورة مستمرة، رغم نعمة بعضها ومنها (رابطة جدل) الرائعة التي باتت تقدم أعمالا جليلة في شتى مجالات الحياة العامة، إذ لا يمكن للصحفي والمثقف والقارئ وغيره الاستغناء عنها، وكوني ممن يشتغلون في بلاط صاحبة الجلالة،من السُخف على أن أطري شخصية مثلكم، ف(النكرة) أن يعُرف المعرف، تأكيداً للحكمة: العلم لا يعرف، لهذا أجد نفسي ولزاماً على أن أطرح عليك سؤالين:
● س1 : بعد هذه الرحلة الطويلة من الإبداع والإخلاص للكتابة والأدب والصحافة، ماذا أعطتك الحياة ،وهل أحمد الحبيشي، يزعم أنه أستطاع تحقيق طموحاته وآماله الشخصية والعامة ، أم أن أنه غير راضِ عن ما كان يؤمله ويناضل من أجله خلال رحلته ككاتب وصحفي وسياسي أيضاً؟
أشكرك كثيراً على هذا الإطراء الذي لا أستحقه لأنني حتى الآن أشعر بأنني لم أصل بعد إلى نقطة البداية التي أتطلع إلى بلوغها .. بمعنى أنني غير راض عن ما وصلت إليه رحلتي بما هي جزء من رحلة عامة لا زالت تتعثر وتواجه الكثير من العقبات والمصاعب والكوابح.
س 2 : برز أحمد الحبيشي، مدافعاً عن قضايا عديدة وخصوصاً خلال الثلاث السنوات الأخيرة، أبرزها قضية حرية الفكر والانفتاح على الآخر، إلى جانب قضايا حساسة كان أن خضتم معاركها مع بعض الكتاب المحسوبين على التيار الإسلامي (الإخوان المسلمين) أبرزهم مع العضو الإصلاحي البارز، الكاتب ناصر يحيى - رئيس تحرير صحيفة "الصحوة" السابق،..هل نستطيع القول أنك كنت على صواب في منازلة أفكاره وآراءه، أم أنكم تقرون بالهزيمة بعد تلك المعارك ؟؟
نعم خضت ولا زلت وسأظل أخوض معارك فكرية في القضايا الخلافية مع جماعات الإسلام السياسي.. ولا مجال للحديث عن هزيمة طالما إنني لا زلت حتى اللحظة أكتب وأنشر العديد من المقالات والكتابات في العديد من الصحف والمواقع الاليكترونية اليمنية والعربية، كما أنني لازلت أخوض مزيداً من السجالات على هذا الطريق وآخرها ما كتبته وأكتبه في نقد أطروحات شيوخ وملالي حزب ( الإصلاح ) بشأن تحريم الغناء والموسيقى وتحريم مساواة دية القتيلة بالقتيل وإباحة تزويج القاصرات والسماح لولي الطفلة الصغيرة أبا كان أو أخا أو أما أو خالا والسماح لزوجه الطفلة بمفاخذتها وعندما يراها صالحة للوطء يحق له نكاحها، وهي تعديلات خطيرة أصر حزب الإصلاح على إدخالها إلى بعض القوانين التي تم تعديلها بضغط من حزب ( الإصلاح ) أثناء مشاركته في السلطة بعد حرب صيف 1994م.
وكما هو معروف فقد أحالت الحكومة إلى مجلس النواب عددا من مشاريع القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة تنفيذا لتعهدات الرئيس علي عبدالله صالح في برنامجه الانتخابي الذي حاز على ثقة غالبية الناخبين .. وإذا كنت أفهم لماذا يقاوم حزب (الإصلاح) مشاريع التعديلات للقوانين المهينة لكرامة وحقوق المرأة في سياق معارضته للبرنامج الانتخابي للرئيس، لكني لا أفهم لماذا يقف بعض أعضاء الكتلة البرلمانية في مجلس النواب إلى جانب حزب (الإصلاح) لعرقلة تنفيذ تعهدات الرئيس في برنامجه الانتخابي بشأن تعديل القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة .. ولعل ذلك يفسر ما قصده الأخ والصديق يحي محمد عبدالله صالح رئيس ملتقى الرقي والتقدم في ندوة حول الحقوق السياسية للمرأة انعقدت في صنعاء مؤخرا عندما اتهم من أسماها بالقوى الرجعية في المؤتمر الشعبي العام والمعارضة بالوقوف ضد حقوق المرأة .. وبهذا الصدد أود التأكيد على أنني سأواصل ما حييت مواجهة الأفكار الظلامية والرجعية لهذا التيار الذي يستخدم الدين لأغراض سياسية.. ولن أتراجع.. فالذي ينهزم يا صديقي لا يستمر في السجال والنقاش والمنازلة بل يتراجع ثم ينسحب ويصمت
من يتابع صحيفة 14أكتوبر كان يقرأ في الصفحة الأولى خبرا يوميا عن هيفاء وهبي أو نانسي عجرم أو موضوعا عن فتوى مثيرة للجدل أو شيئا آخر يصب في استفزاز الإسلام السياسي عموما .. وإن شئت الدقة سيدي الكريم هو استفزاز للجماعات السلفية الأكثر حضورا في عدن وما جاورها من المناطق ...وقد قرأت شخصيا لك مجموعة من المقالات الفكرية التي تصب في نقاش فكري دائما وفي نقد الفكر أو المنهج السلفي خصوصاً وقدمت المادة الفكرية للأستاذ الحبيشي كمادة مرتبطة بالحداثة والتحديث...الخ.
سؤالي هو :
● هل يمكن لخبر مطربة أو فنانة أو مقالة أو فتوى مثيرة ...الخ أن تعمل على تحديث مجتمع ما؟
هل للأمر علاقة بتسويق الصحيفة مثلا وجذب الفئات الأكثر تشدداً إلى معارك تبدأ بالاستفزاز وتنتهي بفتوى يكفر فيها أحمد الحبيشي مثلا؟ وما الطائل من ذلك؟
دشنت صحيفة 14 أكتوبر بالإضافة إلى صحف الحزب الحاكم ومواقعه وصحف الحكومة الأخرى حملة على التيارات الإسلامية أو بعض الرموز الدينية وهاجمتها بقوة والسبب: أصالة وحفلتها التي أثارت جدلا واسعا...الخ. ونقل مثلا المؤتمر نت مقالات عن صحيفة 14 أكتوبر وارتفعت وتيرة الهجوم إلى مستويات عالية وغير مفهومة حقيقة. ...
من المبررات التي سيقت أن رافضي أصالة ظلاميين ومعيقي استثمار...الخ. شخصياً بدت لي تلك الهجمة افتعالاً وبحثاً عن معركة لا علاقة لها بالاستثمار ولا بالظلام والنور وإنما هروبا من فشل في تحقيق استثمار وبيئة اقتصادية ناجحة في عدن وخلال الفترة الماضية. ...
هل للحفلات الفنية علاقة بنجاح الاستثمارات أم أن هناك معايير أخرى جاذبة ونافرة للاستثمار؟
من الخطأ تسطيح ما حدث من صراع ثقافي على خلفية انعقاد مهرجان عدن الفني الأول بهذه الطريقة التي تسعى إلى إثارة قضية الاستثمار وهل يأتي عبر الفنانة أصالة بحسب ما يوحي به السؤال .. أو عبر التقليل مما حدث وتصويره بأنه لم يكن سوى مجرد ( لغط ) وحصر المسألة في قضايا الاستثمار وغلاء الأسعارو تصريحات النائب ( الإصلاحي ) فؤاد دحابة ومحاولة تبرئته منها واتهام مخالفيه في تحريم الغناء والموسيقى بأنهم حرفوا تصريحاته إلى معنى للتحريم والقتل بحسب ما جاء في مقال للصراري عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي نشرته صحيفة ( الثوري ).
الذين شحذوا سيوفهم ضد مهرجان عدن الفني الأول لم يقولوا مثل هذا الكلام ولم يتحدثوا عن الاستثمار ولم ينفوا ما قاله دحابة لأنه كان شجاعا وصريحا .. كما أنه لم يكن وحده في ميدان المواجهة ..فقد كانوا كثيرين ، وكانوا أيضا أشجع وأوضح وأكثر صراحة من الذين تهافتوا على البحث عن مخارج ومبررات ساذجة لموقف معارضي مهرجان عدن الفني الأول الذي يجسد مشروعا ثقافياً طالبانياً فشلوا في تأجيل الإفصاح عنه، ما أدى إلى أنهم تعرضوا لتوبيخ من الصديق العزيز والإسلامي (المعتدل) نبيل الصوفي الذي لم يقل أنهم كانوا مخطئين عندما هاجموا مهرجان عدن الفني الأول بذريعة تحريم الغناء والموسيقى ، بل قال أنهم استعجلوا ولم يلتزموا بفقه الأولويات وفقه التمكين اللذين يجيزان لهم ممارسة التقية والصبر وعدم كشف المستور حتى يتمكنوا من الوصول إلى السلطة.
تأسيساً على هذا الاستنتاج الخائب والمتهافت، علينا أن نلغي عقولنا لنصدق ما يقوله الصراري وغيره من المتهافتين على التحالف مع حزب ( الإصلاح ) بأنّ ثمة معركة مفتعلة دارت حول مهرجان عدن الفني الأول. علماً بأن القوى الرجعية استخدمت في تلك المعركة التي خاضتها بدعوى تحريم الغُناء والموسيقى وتفسيق الفنانين والفنانات أسلحة الفتاوى ومنابر الجمعة وتكايا المساجد والملصقات الدعوية والأشرطة الصوتية والرسائل الهاتفية وتهديدات ((القاعدة)) باللجوء إلى العنف والقتل، وغير ذلك من النفير الذي فشل في إيقاف المهرجان ومنع تنظيمه .. ثم ظهرت لنا بعد ذلك تبريرات ما أنزل الله بها من سلطان لتسطيح ما حدث، وتخفيف حجم الخسارة السياسية التي لحقت بالمشروع الثقافي للإسلام السياسي، والبحث عن ذرائع لتبرير الحملة الشرسة التي شنها الإسلاميون ضد الغناء والموسيقى على خلفية الدعوة لمنع تنظيم مهرجان عدن الفني الأول في فبراير الماضي .
الثابت إنّ النائب والخطيب (الإصلاحي) فؤاد دحابة لم يكن وحده في هذه المعركة وإن كان أول من أطلق شرارة بدء الحملة على المهرجان ، والتي شارك فيها عدد كبير من الكهنة والملالي وخطباء المساجد التابعين لأكبر أحزاب المعارضة ومن والاهم من جماعات التطرف والتكفير والإرهاب.. لكن دحابة لم يقل ما حاول الصراري تهوينه والتقليل منه بتهافت يثير التقزز والغثيان، بل إنّه ردد أيضاً ما قاله شيوخ التطرف والتشدد الذين برروا تحريم الغُناء والموسيقى بدرء مفاسد الفسوق والمجون وقذفوا الفنانة الكبيرة أصالة بأوسخ وأقذر الأوصاف ، ثم دعوا الحكومة إلى الالتزام بتعاليم الدين بعد ان نصبوا أنفسهم حراساً عليه في قلوب وعقول الناس، وناطقين باسم الله في الأرض على نحو ما كان يفعله رجال الكهنوت في الأكليروس المسيحي قبل الثورة الصناعية.
● هناك من يقول إن الحملة لم تكن ضد الغناء والموسيقى بل ضد المجون والعري ؟
أولاً أصالة ليست فنانة ماجنة بل فنانة محتشمة وترفض السير في مذهب بعض الفنانات اللائي يحرصن على الظهور بملابس غير محتشمة. ومن نافل القول إن ما حدث لمهرجان عدن الفني الأول في فبراير الماضي من العام الجاري 2008م ، حدث أيضاً قبل أربع سنوات للفعاليات الغنائية والموسيقية التي تمت في إطار برنامج ((صنعاء عاصمة للثقافة العربية عام 2004م))، حيث نشرت صحيفة ((الناس)) التي يصدرها حزب ((الإصلاح)) مقالاً في صدر صفحتها الأخيرة يوم الاثنين 8 مارس 2004م قالت فيه :
((إننا في بلادنا التي ندين بالإسلام وشريعة سيد المرسلين نجد من أبناء جلدتنا من يحارب ديننا في عقر دارنا بإقامة ما يسمى المسرح المفتوح وما يحدث من غناء ومعازف في قلب عاصمة الإيمان)) !!.
وفي ذلك المقال هاجمت صحيفة ((الناس)) الأعمال الموسيقية الراقية التي عرضتها الفرقة السيمفونية الألمانية العالمية في المسرح الذي أُقيم في وادي السائلة بصنعاء القديمة ، حيث كان النظام الإمامي الكهنوتي يقوم بإعدام وصلب الأدوات الموسيقية العربية الأصيلة مثل العود والربابة تنفيذاً للفتاوى السوداء التي أصدرها فقهاؤه الكهنة ، وحرموا بموجبها الغناء والموسيقى باعتبارهما كفراً وفق منظورهم المتزمت. وقد أفرطت صحيفة ((الناس)) في تكفير تلك الأعمال السيمفونية الرفيعة التي عرضت في المسرح، فوصفت القائمين على وزارة الثقافة بأنّهم ((دُعاة ثقافة سعيد اليهودي)) !!
وبوسع كل من يعود إلى الأرشيف الصحفي لقراءة ذلك المقال ملاحظة أنّ هذه الصحيفة ( الإصلاحية الليبرالية ) تناولت بألفاظ همجية سيمفونية بيتهوفن التي قدمتها الفرقة السيمفونية الألمانية العالمية في مدينة صنعاء القديمة، واتهمت أعضاء الفرقة الذين قدموا إلى صنعاء لأداء ذلك العرض الموسيقي الراقي بأنّهم جاؤوا لإفساد أخلاقنا وقيمنا وتقاليدنا.. وهي نفس «الأكليشة» التي سادت الخطاب المسعور لملالي ونواب حزب ((الإصلاح)) الذين رفعوا عقيرتهم إلى جانب تنظيم ( القاعدة ) ضد مهرجان عدن الفني الأول في فبراير 2008م الذي أحيته الفنانة السورية الكبيرة أصالة، والفنان المصري عصام كاريكا بمعية فرقتيهما الموسيقيتين الكبيرتين.!!
ولا ريب في أنّ هذا الخطاب المعادي للفن والغناء والموسيقى داخل حزب ((الإصلاح)) الذي يقول خطابه السياسي إنّه حزب يعول عليه لبناء دولة حديثة بالتحالف مع أحزاب ( اللقاء المشترك ) ، هو ذات الخطاب الثقافي الذي تتبناه الجماعات المتطرفة، بما ينطوي عليه من أفكار ظلامية خرجت من جبة ((الإخوان المسلمين)) ، لمحاربة كل من يمارس هذه الفنون ويسهم في نشرها وتطويرها . وهو ما يفسر قيام هذه الجماعات الهمجية ذات المشروع الظلامي بإحراق المسارح ومحلات التسجيلات الصوتية ودور السينما في العديد من البلدان العربية وضمنها بلادنا ، والتهديد بقتل الفنانين والموسيقيين والمؤسسات الراعية للفنون والموسيقى الذين وصفتهم صحيفة ((الناس)) بأنَّهم دعاة ((ثقافة سعيد اليهودي)) أثناء الحملة المسعورة التي تعرضت لها فعاليات برنامج ( صنعاء عاصمة للثقافة العربية عام 2004 ) !!
● هل تحديث المجتمع ورفع مستواه الثقافي وذائقته الفنية يتم عبر مشروع ثقافي وفكري إستراتيجي ممنهج أم عبر استضافة فنانة من هنا أو هناك؟ وإن كان عبر مشروع أحب أن تطلعنا على رؤيتك له ولماذا إذا هذه الحملة الكبيرة التي دارت حول أصالة؟
نعم يتم عبر مشروع ثقافي وفكري ينطوي على تلبية الاحتياجات الروحية للناس ورعاية الفنون وتشجيع الإبداع الفني والنهوض بوسائل التعبير عن الرأي والفكر عبر السينما والمسرح والغناء والموسيقى والتصوير والكتابة.
ولا أبالغ حين أقول أن الحملة الكبيرة التي دارت حول إحياء الفنانة أصالة لمهرجان عدن الفني الأول تضمنت عناوين المشروع الفكري الظلامي لحزب ( الإصلاح ) .. فقد كانت نفيرا صدَّع به رؤوسنا شيوخ وملالي ونواب وخطباء حزب ((الإصلاح)) وإرهابيو تنظيم ((القاعدة)) وَمنْ وَالاهُمْ ، سواء أثناء التحضيرات لمهرجان عدن الفني الأول في فبراير الماضي، أو عند إحالة مشاريع تعديل القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة من قبل الحكومة إلى مجلس النواب في مارس الماضي أيضا.
من نافل القول إن الذين حرضوا ضد مهرجان عدن الفني الأول بذريعة تحريم الغناء والموسيقى ، استخدموا في تلك الحملة أسلحة هجومية خطيرة، بدءاً بإصدار الفتاوى المتزمتة ونشر الأفكار والبيانات والنداءات المتطرفة عبر الصحف وأشرطة الكاسيت والملصقات والهاتف الجوّال، مروراً بإطلاق العنان لخطاب التكفير والتحريم والتفسيق عبر منابر الجمعة بشكل منسَّق ومنظم، وانتهاء بتشغيل الماكنة الإرهابية الدموية للتطرف ممثلة بتنظيم ((القاعدة)) الذي ظهر في الصورة كشريك استراتيجي في هذا النفير عندما هدَّد الفنانة السورية ((أصالة)) بالقتل، وتوَّعدها بمصير يشبه المصرع التراجيدي للشهيدة بنازير بوتو إن هي أصرت على المجيء إلى عدن لإحياء مهرجانها الفني الأول، كما توعدت ((القاعدة)) كل من يحضر هذا الحفل من محبي الغُناء والموسيقى بمصير مماثل لمائة وثمانية عشر قتيلاً، وأكثر من سبعمائة جريح سقطوا أثناء حادثة اغتيال بوتو!!
لا أبالغ حين أقول إنّ المعركة التي دارت حول مهرجان عدن الفني الأول كانت ترمز إلى صراع بين مشروعين ثقافيين بمشاركة واسعة من مختلف الصحف ووسائل الإعلام اليمنية والعربية سواء بالتغطية الخبرية أو الرأي والموقف.
بوسع الذين تابعوا هذا النفير سواء من خلال الفتاوى أو خطب الجمعة أو الندوات أو المقالات التي نُشرت في صحف حزب ((الإصلاح)) وأخواتها، ملاحظة مدى هشاشة وسطحية خطاب التحريم الذي يجري تسويقه علينا بأسلوب أوامري يستوجب السمع والطاعة فقط ، ويرفض النقاش والنقد.
والمثير للدهشة أنّ الذين تبنوا حملة تسويق خطاب التحريم المناهض للغناء والموسيقى، استندوا إلى آراء فقهية تندرج ضمن أسوأ ما ورثناه في كتب التراث القديمة، ولا تجد لها أساساً في القرآن أو السنة النبوية الصحيحة.. ناهيك عن أن هذه الآراء المتخلفة تعرضت للنقد والخلاف من قبل مشاهير الفقهاء الأسلاف والمعاصرين بدءاً بأبي حامد الغزالي ومروراً بابن حزم والفارابي وابن رشيق والجاحظ وأبي إسحاق الموصلي وانتهاءً بشيخ الأزهر الدكتور محمد طنطاوي والدكتور يوسف القرضاوي، بما في ذلك الأحاديث التي نسبها الوضّاعون إلى رسول الله ، وجميعها كما وصفها أبو حامد الغزالي وابن حزم والقرضاوي مثخنة بالجراح، لم يسلم منها حديث من طعن فقهاء الحديث وعلمائه، مع الأخذ بعين الاعتبار، أنّ ما ينطبق على حملة تحريم الغُناء والموسيقى التي قادها شيوخ وملالي حزب ((الإصلاح)) وجامعة الإيمان في فبراير الماضي ، ينطبق أيضاً على الحملة المسعورة التي يشنها هؤلاء حاليا ً على مشاريع التعديلات التي تقدّمت بها الحكومة للقوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة وبضمنها مساواة دية القتيلة بالقتيل تنفيذاً للبرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية الذي حاز على ثقة الأغلبية الساحقة من الناخبين في الانتخابات الرئاسية لعام 2006م .
● لنفترض أن قوى سلفية متعاطفة مع تجربة ( طالبان ) داخل حزب الإصلاح أو خارجه وربما بالتحالف مع قوى محافظة ومتشددة داخل السلطة هي التي فجرت معركة أصالة وفتاوى تحريم الغناء والموسيقى .. لكن ما دخل الإخوان المسلمين في حزب الإصلاح بطالبان وهذه القوى .. حيث ينكر الإخوان المسلمون صلتهم بأفكار طالبان ؟
كل الشواهد تقول إن كافة الجماعات والأفكار المتطرفة خرجت من تحت عباءة الإخوان المسلمين .. وتاريخنا الحديث يقول ذلك ويؤكده.
بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 في مصر قابل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في منزله بمنشية البكري في ضاحية مصر الجديدة شمال مدينة القاهرة المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين حسن الهضيبي، على أساس أن يكون هناك تعاوناً وتنسيقاً بين "الثورة" و"الإخوان" بعيداً عن الوصاية الدينية أو السياسية، لكنه فوجئ بأن الهضيبي قدم ورقة عمل تتمثل في مطالبة مجلس قيادة الثورة بإصدار مراسيم بفرض الحجاب على النساء وإقفال دور السينما والمسارح ومنع وتحريم الأغاني و الموسيقى وتعميم الأناشيد الدينية وإصدار مرسوم يلزم القائمين على حفلات وقاعات الأفراح باستخدام أناشيد مصحوبة بإيقاعات الصاجات (الدفوف) فقط، ومنع النساء من العمل وإزالة كافة التماثيل القديمة والحديثة من القاهرة وكل أنحاء مصر.
كان رد عبد الناصر على هذه المطالب: "لن اسمح لهم بتحويلنا إلى شعب بدائي يعيش في أدغال أفريقيا مرة أخرى"، ورفض جميع هذه المطالب التي تقدم بها "الإخوان المسلمون" وتساءل أمام مرشدهم الإمام حسن الهضيبي بصراحة ووضوح: "لماذا بايعتم الملك فاروق خليفة على المسلمين؟ ولماذا لم تطالبوه بهذه المطالب عندما كانت هذه الأشياء مباحة بشكل مطلق؟ ولماذا كنتم تقولون قبل قيام الثورة: "إن الأمر لولي الأمر"؟!!
ثم كتب بخط يده تحت الورقة التي تضمنت تلك المطالب: "لن نسمح بتحويل الشعب المصري إلى شعب يعيش حياة بدائية في أدغال أفريقيا"!!
واللافت للنظر ان الاخوان المسلمين قبلوا على مضض او تظاهروا بقبول رفض جمال عبدالناصر لجميع المطالب التي عرضوها عليه في اللقاءات السابقة، لكنهم أصروا على مطلب واحد يتعلق بضرورة الشروع بإصدار مرسوم يقضي بفرض الحجاب على النساء، وقد حدث ذلك عندما اتصل به المرشد العام حسن الهضيبي واخبره بان مكتب الإرشاد قرر تأجيل المطالب التي عرضها عليه في اللقاء السابق ، و كلف كلا من حامد أبو النصر والشيخ فرغلي بمقابلته لأمر لا يعتقد الإخوان بأنه قابل للتأجيل.
وعندما قابل عبدالناصر موفدي الإخوان عرضا عليه رسوما قالوا إنها تقريبية لثلاثة نماذج من الحجاب يمكن تطبيقها على مراحل بصورة تدريجية .. وفور مشاهدة عبدالناصر لهذه الرسوم التقريبية انفجر ضاحكا ، ثم قال لهما : (انا مش عارف أي هو سبب اهتمامكم بالسِّتات!!).. ثم توجه إلى حامد أبو النصر الذي أصبح مرشداً للإخوان المسلمين في وقت لاحق من الثمانينيات متسائلاً: "طيب ليه بناتك سافرات يا أستاذ حامد و ليه متلزمهمش بواحد من الحجاب ده اللي عايزين من مجلس قيادة الثورة فرضه على الستات بمراسيم"!!؟؟
من المهم التذكير بأن القيادية الاخوانية زينب الغزالي قالت في كتابها "أيام من حياتي" الذي أصدرته في بداية الثمانينات من القرن الماضي إن تنظيم الإخوان المسلمين أعيد بناؤه بصورة سرية بعد قرار حله.. وكانت بداية إعادة البناء سنة 1965م بعلم المرشد العام الهضيبي ومباركته على أن يتولاه سيد قطب، فيما أشارت اعترافات المتهمين بمؤامرة 1965م أمام المحكمة إلى أن التنظيم بدأ بجمع الأسلحة واستغل طاقات الشباب بصنع المتفجرات وإعداد خطط الاغتيالات لعدد كبير من المسؤولين وفي مقدمتهم جمال عبد الناصر.. بل إن إحدى الخلايا اهتدت بالمنهاج الدعوي للإخوان المسلمين الذي يعتبر الراديو والتلفزيون والسينما والفنون والموسيقى والنحت والتصوير أعمالاً محرمة في الإسلام ومنافية للأخلاق، ولذلك تم وضع خطط لتدمير هذه المرافق واغتيال نجوم الفن ومن ضمنهم أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجاة وشادية وغيرهم.
كما اقترحت الخطط اغتيال عدد من مذيعات التلفزيون ومن بينهم ليلى رستم وأماني راشد، ثم أعدت خطط لاغتيال سفراء كل من الاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لخلق مشكلة بين مصر وهذه الدول. وكان تدريب الخلايا الجهادية يتم على ثلاث مراحل هي: مرحلة الإعداد الروحي، ثم الإعداد الجسدي بالمصارعة والمشي والطاعة، وأخيراً الإعداد العسكري بالتدريب على السلاح.
ومما له دلالة عميقة أن تنظيم "القاعدة" الذي يقوده "أسامة بن لادن" والدكتور "أيمن الظواهري" يتبع نفس نهج الإعداد الجهادي للإخوان المسلمين في عملياته الإرهابية، مما يدل على أن الإخوان المسلمين هم الآباء الشرعيون لكل الجماعات المتطرفة التي تفرخت وتناسخت عنهم.
لا حظ يا عزيزي أن ورقة العمل التي تقدم بها الإخوان المسلمون إلى جمال عبدالناصر هي نفس الأجندة التي نفذتها حركة (طالبان ) عندما وصلت إلى الحكم في أفغانستان.
لا حظ أيضا كيف يحاول المنشد فهد القرني الإيحاء بأنّ حزب ((الإصلاح)) لا يعارض نشاطه الفني.. ولكن من حقنا أن نسأل ما هو النشاط الفني الابداعي للقرني.. وما الذي أضافه هذا الفن الذي يحظى بدعم حزب ((الإصلاح)) إلى رصيدنا الغنائي والموسيقي ؟؟
إنّ أعمال المهرج فهد القرني تقدم أبشع صور العدوان على تراثنا الغنائي والموسيقي والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، حيث نتج عنها سرقة وتشويه الأعمال الفنية الرائعة للتراث الفني العظيم الذي خلفه لنا رواد الغناء والموسيقى في اليمن من الأحياء والأموات، بعد أن يتمّ تحريف كلماتها وتفريغها من إيقاعاتها وأنغامها الموسيقية، وتقديمها مشوَّهة بالصوت والدف ومشحونة بكلام سياسي تحريضي مبتذل .
نعم .. أنَّه موقف فكري متخلف، معادٍ للفن، ومعادٍ للحداثة وعاد للابداع .. ولا فرق هنا بين ( الفن ) الذي نسمعه في شرائط المهرج فهد القرني وأشباهه من أدعياء الفن الذين يرعاهم حزب ( الإصلاح )، وبين ما كان يحدث في إمارة ( طالبان) سيئة الصيت التي كانت تسمح للإنشاد بالدفوف فقط ، وتحارب في الوقت نفسه الغناء و الموسيقى وكل أشكال الإبداع.
المثير للدهشة أن صحافة حزب ( الإصلاح ) تحرص على وصف الأعمال التهريجية لفهد القرني وأمثاله بأنها ( فن إبداعي ) .. وحين تقوم وزارة الثقافة بمصادرة الأشرطة التي تسيء إلى تراثنا الغنائي والموسيقي، تنبري صحافة ( اللقاء المشترك ) إلى جانب صحافة حزب (الإصلاح) لاتهام وزارة الثقافة بالاعتداء على حرية التعبير وحرية الإبداع، متناسية حقيقة أن حرية التعبير لا تعني حرية الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، وان الأعمال الإبداعية الحقيقية لا تتحقق عندما يقوم المهرجون بسرقة الأعمال الإبداعية الحقيقية لغيرهم ، وتحريف كلماتها وتجريدها وإفراغها من الأنغام والإيقاعات الموسيقية ، وتحويلها بعد كل هذا العدوان إلى صراخ صوتي مصحوب بالدفوف فقط!!
ما من شكٍ في أنّ المواقف المتناقضة والملتبسة التي بدت موزعة بين أكثر من تيار داخل حزب ((الإصلاح)) إزاء مهرجان عدن الفني الأول، تخلق انطباعاً بأنّ ثمة توزيعاً منسقاً للأدوار في المواقف داخل الحزب لدعم فرص وصوله إلى السلطة. ثم يتم بعد ذلك الانتقال لتطبيق مرحلة أخرى من البرنامج الطالباني السري لحزب ( الإصلاح ) تجسيدا لفقه الأولويات وفقه التمكين اللذين أشار إليهما الزميل نبيل الصوفي!!
●ارتفعت موازنة صحيفة ومؤسسة 14 أكتوبر منذ تولي الأستاذ أحمد الحبيشي أرقاماً كبيرة لا اعرف دقتها من باب الشفافية ما هو الرقم السابق لمؤسسة 14 أكتوبر وما هو الحالي؟
نعم ارتفعت موازنة المؤسسة خلال العوام 2006 2008 لسببين: الأول يتمثل في الزيادات التي حدثت في إعتمادات بند الرواتب بعد تطبيق المرحلتين الأولى والثانية لإستراتيجية الأجور .. علما بأن الباب الأول في الموازنة وفي أساسه بند الرواتب والبدلات الوظيفية الملحقة به ، يبتلع ثلثي موارد المؤسسة نتيجة لحجم العمالة الكبير والموروث في المؤسسة لأسباب يعرفها الجميع .. أما السبب الثاني فيعود إلى الزيادة المحققة في إيرادات المؤسسة بعد تنفيذ الإصلاحات المالية والإدارية وتطبيق نظام الدورة المستندية في حسابات الإيرادات والذي كان الجهاز المركزي للمراجعة والمحاسبة يشدد في تقاريره السنوية خلال الفترة 2000 2004 على ضرورة تطبيقه حيث تم إيقاف العمل به منذ عام 2000م ، وقد أعدنا العمل به في صيف عام 2005 بعد شهرين من تعييني على رأس المؤسسة والصحيفة ، حيث تم قطع كافة القنوات التي تسببت في تسريب موارد المؤسسة إلى خارج حسابها في البنك .. كما تعود الزيادة في الموارد إلى أسباب أخرى إضافية أهمها تحديث وتطوير المطابع التجارية، وارتفاع مستوى توزيع الصحيفة عبر شبكة واسعة من المكاتب والموزعين والمراسلين في جميع محافظات الجمهورية ، ويكفي أن أقول لك أن صحيفة 14 أكتوبر هي الصحيفة اليومية الأولى التي تصل إلى محافظة ريمة قبل ظهر كل يوم بانتظام.
مما يثير فخر المؤسسة أنها أصبحت دائما تأتي في المرتبة الأولى بين المؤسسات الإعلامية الرسمية من حيث الالتزام بإغلاق حسابها الختامي في مارس من كل عام وتقديم هذا الحساب رسميا إلى وزارة المالية والجهاز المركزي للمراجعة والمحاسبة وقد تسلمت رسالة تحية وتقدير من الأستاذ حسن اللوزي وزير الإعلام بهذا الصدد.
في هذا السياق أوضح الحساب الختامي للمؤسسة في عام 2005 وعام 2006 زيادة كبيرة في الإيرادات قياسا بالفترة ما قبل 2005 حين كانت معظم إيرادات المؤسسة الشحيحة لا تورد إلى حسابها بالبنك المركزي. وبتأثير هذا التحسن والارتفاع في حجم إيرادات المؤسسة نتيجة للإصلاحات ومحاربة الفساد ألزمت وزارة المالية قيادة المؤسسة برفع سقف الربط المخطط للإيرادات في موازنات الأعوام 2006 و2007 و2008 بنسب عالية تزيد عن سقوف الربط المخطط للأعوام السابقة قبل عام 2005 وذلك نتيجة لما تضمنته كشوفات مراجعة الاستخدامات الفصلية والحساب الختامي لعام 2005 وعام 2006 من ارتفاع مؤشر الإيرادات بفضل الإصلاحات ومكافحة الفساد.
ومما يثير فخرنا واعتزازنا بهذه النجاحات المالية أنه على الرغم من قيام وزارة المالية برفع سقوف ربط الإيرادات المخططة في موازنات الأعوام 2006 2007 2008م، فقد تضاعفت إيرادات المؤسسة بالزيادة عن سقوف الربط الجديدة والمرتفعة لأول مرة في تاريخها قياسا بالسنوات السابقة لعام 2005 وذلك بفضل الإصلاحات التي تم تنفيذها منذ ذلك التاريخ، ولم ينحصر تأثيرها الايجابي على زيادة الإيرادات بل وفي تحسين ظروف عمل مئات الصحفيين والفنيين والعمال ، وتحقيق الاستقرار المالي في المؤسسة وانتظام صرف الرواتب والمستحقات في مواعيدها المحددة وبزيادات كبيرة ، ناهيك عن مساهمة المؤسسة بتوظيف جزء من مواردها الذاتية لدعم بعض المشاريع التطويرية للبنية التحتية لمرحلة ما قبل الطباعة من خلال شراء تجهيزات فنية متطورة وبناء شبكة اليكترونية لتراسل النصوص والصور بين المحررين والفنيين وتوفير جهز كمبيوتر لكل صحفي وتعميم استخدام شبكة الانترنت وشبكة استقبال الاخبار والصور العالمية عبر الستلايت وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ المؤسسة .
●هل حققت صحيفة 14 أكتوبر زيادة في امتداد نطاق توزيعها ونسبة أعلى في أعداد التوزيع؟ ما هو الدور الأبرز في زيادة توزيع الصحيفة( هناك أخبار قرأتها تقول أن الصحيفة زادت من توزيعها...الخ) هل هو للمادة التي تقدمها أم لأسباب أخرى فنية وإدارية ...الخ؟
نعم تحقق تحسن كبير في توزيع الصحيفة لأسباب كثيرة أهمها الجهود الرائعة التي يبذلها الصحافيون والصحافيات والمخرجون والمخرجات في تحسين شكل ومضمون الصحيفة، وإصدار الملاحق المتخصصة، بالإضافة إلى جهود إدارة التوزيع في تحسين شبكة التوزيع وتطوير أساليب وأشكال التسويق .. وبوسعي القول أن مبيعات الصحيفة ستزداد أكثر فأكثر عند تشغيل المطبعة الصحفية الجديدة والتي ستتيح إمكانيات كبيرة لزيادة عدد صفحات الصحيفة ومضاعفة الكميات المطبوعة وطباعتها بالألوان وبسرعة قياسية.
● وأخيراً ما هي ايجابيات الأحزاب التالية ؟
التجمع اليمني للإصلاح *
أنجب لنا ناشطة جسورة تدافع عن الحريات وحقوق النساء اسمها توكل كرمان
الحزب الاشتراكي اليمني
* قدم لنا رصيدا وطنيا في تحرير جنوب الوطن المحتل من الاستعمار وإسقاط مشروع الجنوب العربي وإعادة الهوية اليمنية للجنوب بعد تحريره من الاستعمار وإنهاء الكيانات السلاطينية وتوحيدها في دولة شطرية واحدة حملت اسم اليمن لأول مرة وحافظت على ثروات وسيادة واستقلال ثلثي الأراضي اليمنية، وصولا إلى الإسهام التاريخي الكبير في توحيد اليمن يوم 22 مايو 1990م.
● هل تعتقد أن المشترك ساهم في تعزيز السلم الاجتماعي في اليمن؟ وهل تجربة المشتركة للتقارب بين اليسار واليمين ألغت الكثير مما كان يسود الحياة السياسية اليمنية من ضغائن ومعارك غير مبررة قادت إلى عدم الثقة في عملنا السياسي ورافقها الكثير من العنف وفتاوى التكفير وارتفاع معدلات التطرف في البلد عند مختلف التيارات السياسية أم هي تحالفات مرحلية مصلحية وسرعان ما تعود حليمة لعادتها القديمة؟
هذا سؤال مدهش حقا ويحتوي على عدد من الأفكار المركبة التي تثير بعض الإشكاليات والمخاوف الجدية التي تجعلني أتحفظ عن الإجابة، وأشارك السائل في قلقه من عودة حليمة إلى عادتها القديمة خصوصا وان الذين يقودون حاليا كل من حزب الإصلاح والحزب الاشتراكي بوصفهما القوتين الرئيسيتين في ( اللقاء المشترك ) كانوا لاعبين أساسيين وشريكين في صناعة الأزمات التي عصفت بالحياة السياسية منذ الفترة الانتقالية بعد الوحدة مرورا بحرب صيف 1994 وتداعياتها وحتى الآن .. وهناك مخاوف جدية من أن تكون هذه التحالفات مصلحية هو أن اسم هذا التحالف هو اللقاء المشترك .. أما المشترك بينهما في تقديري فهو يتلخص في هدفهم المشترك والمتمثل في إسقاط السلطة بينما لا يوجد أي مشترك في رؤية كل من الحزبين لما بعد السلطة.
.......................................
المصدر رابطة جدل الثقافية
www.gadll.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.