تناولنا عبر الخمسة المقالات السابقة ؛ أهمية العمل الجماعي وأربعة من عوامل الخلل ؛ انعدام الثقة ؛ الانسجام الزائف ؛ عدم الالتزام بالتنفيذ ؛ انعدام المحاسبة . . . وفي هذا المقال نتناول العنصر الأخير [عدم الاكتراث بالنتائج] وقد عرَّف باتريك لينسيوني عدم الاكتراث بالنتائج ؛ بأنَّه ميل أعضاء الفريق [أو المكون أو حتى الثورة] إلى الاهتمام بأي شيء ماعدا النتائج الجماعية للفريق . . . والنتائج التي يعنيها لينسيوني ليس الهدف النهائي فقط [الحرية والاستقلال على سبيل المثال] ، بل يعني الأهداف الفرعية أو المرحلية وكذلك الأداء نفسه ؛ فهو يرى أن الهدف النهائي لايمكن الوصول إليه بدون أداء مخطط له والتزام كل فرد بواجبه لتحقيق الأهداف المرحلية .
وقد حدد لينسيوني أهم اهتمامات العضو الغير مكترث لنتائج عمل الفريق ، وهي ؛ (1). التواجد داخل الفريق ؛ فهناك أعضاء يعتبرون وجودهم داخل الفريق يكفيهم . . . ويعتقدون أن نبل الهدف الذي يرفعه الفريق انجاز كبير بحد ذاته بغض النظر عن تحقيقه . . . ولو ركزنا على هذه النقطة من كلام لينسيوني سنجدها حقيقة قائمة في الحراك الجنوبي ؛ فالكثير يرفعون شعار الاستقلال والتحرير [هدف نبيل] ولايعملون على تحقيقه . (2). الوضع الفردي (المصالح) ؛ التركيز على الترقيات والوصول إلى المناصب على حساب الهدف والقضية التي أُسس من أجلها هذا المكون أو الفريق .
وخلص لينسيوني إلى أن هذا النوع من الخلل [عدم الاكتراث بالنتائج] يتواجد دائماً في الاحزاب السياسية والإدارات الأكاديمية ، وهذا العامل شريك في كل حالة فشل تقع فيه مثل هذه المنظمات . . . لأنَّ الكثير من هذه المنظمات تحيا وتتنفس وتعيش ليس من أجل الأهداف التي ترفعها . . . بل تعيش وتصارع لتتواجد وتبقى على الساحة فقط . . . ولو عدنا إلى الحراك الجنوبي سنجد خلاصة لينسيوني حقيقة واقعة ؛ ففي الحراك قيادات اهتمت بتحصيل الأموال ، وبناء البيوت ، وشراء السيارات ، والحصول على لجوء سياسي أو لجوء انساني ، وتدريس وتزويج أولادهم من أموال دعم الحراك الجنوبي . . . تجد عدد السفرات الخارجية للبعض أكثر من سفرات وزير الخارجية الامريكي . . . وتواجد البعض في الخارج أطول من تواجد السفراء ...! وفي المقابل نجد العوام -المواطنون العاديون- شرفاء ؛ منهم أبطال ضحوا بحياتهم . . . وآخرون حرموا أولادهم قوت يومهم من أجل المشاركة في مليونية . . . وآخرون كانوا تجار فأفلسوا لأنهم دعموا الحراك بلاحساب ، فأهملوا اعمالهم لصالح الاهتمام بالحراك . . . وعلى سبيل المثال هناك قيادي معروف وكان رجل اعمال ناجح ؛ تآمر عليه قيادات الحراك ، وكشفوه وأصبح هدفاً للابتزاز من داخل الحراك ومن خارجه ، حتى أصيب بحالة نفسية قام على إثرها بتصفية 80٪ من أعماله التجارية واعتزل الساحة السياسية واعتزل الناس اجمعين .
نعود إلى باتريك لينسيوني فقد وضع سمات للتعرف على الفريق الذي لايركز على النتائج والفريق الذي يركز عليها ؛ أولاً ؛ الفريق الذي يركز على النتائج ؛ ( 1) لايبرح مكانه ويعجز عن التقدم . . (2) نادراً مايهزم خصمه . . (3) يخسر الكوادر الذين يسعون وراء الانجازات . . (4) يشجع أعضائه على الاهتمام بحياتهم الخاصة وتحقيق أهدافهم الشخصية . . (5) يسهل حرفه وإلهائه عن مهامه . . . [ مع الأسف كل هذه الصفات موجودة في الحراك الجنوبي ] ثانياً ؛ الفريق الذي يركز على الأهداف الجماعية ؛ (1) يحافظ على الكوادر الذين يسعون وراء الانجازات . . (2) يقلص السلوكيات الفردية والأنانية . . (3) يستمتع أعضاءه بالنجاح ويتألمون بشدة من الفشل . . (4) يستفيد من تضحيات الأعضاء الذين يضحون بأهدافهم الشخصية من أجل مصلحة الفريق بمعنى لايُهدِر تضحيات الآخرين . . . (5) يتجنب جميع عوامل التشتت . . . [ ولاتوجد صفة واحدة منها في الحراك الجنوبي مع الأسف ]
وآخر ما ننقله من كلام الخبير الدولي باتريك لينسيوني قوله ؛ إن العوامل الخمسة ليست عناصر منفصلة ، فيمكن معالجة كلاً منها بمعزل عن الاخرى . . . هي ليست كذلك . . . فهي تشكل في الواقع نموذجاً مترابطاً - لدرجة ان كل عامل يمكن أن يقضي على نجاح الفريق . شكراً سيد لينسيوني .
وختاماً أقول العمل الجماعي الذي نعنيه هو العمل المُحْكم ؛ الذي ينجح في تحقيق أهدافه حتى لو كانت قضيته مصطنعة ؛ خذوا قضية الحوثي مثال على ذلك ؛ يقول المبعوث الدولي جمال بن عمر : عندما زرت صعدة وجدت قيادة حقيقية تعرف ماذا تريد وقادرة على تحقيقه ولم أجد قضية . . . وعندما زرت عدن وجدت قضية عادلة كاملة الاركان ولم أجد قيادة . انتهى كلامه . . . وقد نجحت القضية المصطنعة -الحوثي- وفشلت القضية الحقيقية العادلة....! وقد كتبت مقالاً في 2010 بعنوان "عدالة القضية لايعني انتصارها" وفيه تفصيل أكثر . هذا هو العمل الجماعي الذي نحتاجه وبدونه لن ننجح أبداً . . . فالخيار الآخر ديكتاتورية الفرد وهي فاشلة ولن تنجح في الجنوب ؛ لأن كل فرد جنوبي يعتقد أنَّه القائد الخفي ، والمخلِّص ، سواءً كانوا رؤساء سابقين أو ساسة من بقايا الحزب أو سلاطين وشيوخ يعيشون في الخيال ، وهناك الآلاف من عامة الشعب واهمون مثلهم . . . والذي يدفعهم إلى هذا الخيال -القائد الخفي والمخلِّص- ثقافة المجتمع الجنوبي التي اسقطت كل موازين الكفاءة . . . وموازين الشجاعة . . . وموازين القدرة . . . وموازين الإدراك . . . وأصبح ميزان المزايدة ورفع الصوت هو دليلهم الوحيد على أن كلاً منهم هو القائد الخفي والمخلص . . . كما حدث في ثورة 14 اكتوبر 1963 وما تلاها من دولة الاشتراكيين . . . وهذا هو الوهم يكل معانيه . . . وهؤلاء هم الغباء المطلق والفشل الذريع . وعليه ؛ فليس لنا إلَّا العمل الجماعي المُحْكم سبيلاً للخلاص لمن أراد الحرية . استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ،،،،،،،،،،