انتعشت خلال السنوات القليلة الماضية ظاهرة انتشار شركات الحراسة الأمنية التي من المفترض أن يكون لها دور مكمّل لمهام الشرطة وأجهزة وزارة الداخلية وعين وعون لها وأن تعمل في إطار الشراكة المجتمعية التي تستهدف إرساء دعائم مجتمع آمن ومستقر من خلال تنفيذها اللوائح المنظمة لمزاولة المهنة والالتزام بتنفيذ حقوق وواجبات منتسبيها بصورة عادلة.. وفي عدن انتشرت هذه الظاهرة وأنشئت العديد من شركات الحراسة مثل (جروب 4، العلي، الوطنية، ستاليون، النجوم وغيرها) لكنها مازالت تعمل منذ سنوات بصورة عشوائية ومجحفة سواء بحق المجتمع أو بحق العاملين الشباب الذين يتم استغلالهم أبشع استغلال دون رقيب أو حسيب وتمارس ضدهم مخالفات بالجملة.
ويبدو واضحاً أن هدف تلك الشركات الكسب المادي الفاحش فقط دون مراعاة لحقوق الحارس العامل لديها وكذا حقوق المجتمع، وأثبتت التجربة أنها تتعامل مع منتسبيها بشكل يتنافى مع أبسط القيم ومبادئ العدل والضمير الأخلاقي والإنساني وكأننا في عهد العبودية وأصبحت تتربع على كراسي الثراء على حساب جهد وعرق الشباب المحتاج للعمل من خلال تشغيلهم برواتب شهرية زهيدة وساعات عمل طويلة وحرمانهم من حقوقهم التأمينية والصحية وأبسط المكتسبات الأخرى بينما تتقاضى إيراداً من الجهات المتعاقدة معها يتراوح بين 300-200 دولار أمريكي شهرياً عن كل شخص.
«عدن الغد» فتحت هذا الملف والتقت بالعديد من العاملين الحاليين والسابقين في هذه الشركات ومع قائد الشرطة حراسة المنشآت وحماية الشخصيات في محافظة عدن العقيد محمد علي السمنتر، وكذلك مع مدير عام مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل أيوب أبوبكر، وحاولنا الالتقاء مع بعض إدارات شركات الحراسة لكننا لم نتمكن من التواصل معها بسبب تهرب البعض والاعتذار من البعض الآخر بحجة الانشغال أو السفر والبعض وعد ولم يفي بالوعد.
شباب محبط العامل هاني (26 عاماً) قال: أشتغل حالياً مع إحدى هذه الشركات براتب شهري لا يتجاوز 18 ألف ريال وكنت قد اشتغلت لدى شركتين في نفس المجال وما أريد قوله هو أن كل الشركات تقريباً في «الهوى سوى»، بعضها لا يمنح الحارس أو العامل حتى عقود عمل وبعضها يجبرك على التوقيع على عقد عمل مجحف ولا يعطيك نسخة منه. أحمد (27 عاماً) يقول: عملت مع الشركة حراسة 12 يوماً فقط, فقد حددت لي مكان العمل منتجع خليج الفيل بالتواهي وفترة عشر ساعات عمل، سلموني بدلة مستخدمة و(صميل) دون تدريب ولا توجيهات مفيدة ولا مواصلات، وأصبت بوعكة صحية في اليومين الأخيرين وحينما أبلغت القائمين عليها بمرضي رفضوا إعطائي إجازة مرضية حتى بدون راتب فاضطررت إلى التوقف فحرموني من مستحقاتي أيام عملي وطالبوا كفيلي لديهم بتسليم البدلة مع الصميل فأعدتها لهم احتراماً للكفيل.
ماهر (30 عاماً): اضطررت نتيجة البطالة المتفشية إلى العمل منذ عامين وبراتب وصل الآن إلى عشرين ألف ريال وهو الحد الأعلى للأجور لدى الشركة بينما الشركة تقبض من الجهة الطالبة للخدمة كأجر للفرد الواحد مبلغاً يصل إلى 300 دولار أمريكي شهرياً.
خالد (23 عاماً): الراتب ضعيف ولا حقوق أخرى مطلقاً ولاحظت أن شركات الحراسة لا تؤهل منتسبيها ولا تهتم بظروفهم الصحية أو الطارئة، تأخذ منهم الكثير ولا تعطيهم سوى القليل وأقل من القليل، البطالة هي السبب وغياب قانون الدولة الذي يفرض العدل للطرفين هو السبب الآخر والأهم.
محمد (25 عاماً) أنا خريج ثانوية وأعمل لدى شركة أمنية، أعيش محبطاً نتيجة الظلم الواقع علي لكن ما بيدي حيلة, فمن سيحمينا ويرفع الظلم عنا، فالدولة غائبة والجهات الرسمية المعنية نائمة.. المنتسبون لهذه الشركات يشكون الظلم الواقع عليهم وقد حاورنا الكثير منهم ووجدنا همومهم ومعاناتهم متطابقة، ولهذا اكتفينا بعرض بعض النماذج المذكورة آنفاً دون ذكر أسمائهم كاملة وأسماء الشركات التي يعملون فيها لاعتبارات تخصهم، علماً أنهم كذلك طلبوا عدم التقاط صور لهم.
مكتب العمل.. ماذا يقول؟!! توجهنا بجملة من الاستفسارات حول القضية ووضعناها على طاولة المدير العام لمكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن أيوب أبوبكر فقال: شركات الحراسة الأمنية وكافة المنشآت العاملة تحت مظلة قانون العمل رقم (5) لعام 1995م تخضع لهذا القانون سواء كانت صغيرة أو كبيرة ويتم تنظيم العمالة فيها من خلال عقود العمل الذي يحدد العلاقة بين صاحب العمل والعمال والتأمين عليهم في المؤسسة العامة للتأمينات، وأهم عنصر في هذه العلاقة هو الحد الأدنى من الأجور الذي حددته الدولة بما لا يقل عن الحد الأدنى للموظف في القطاع العام وأن تكون عقود العمل لهذه المنشآت معمّدة من قبل مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بالمحافظة (الحد الأدنى 25 ألف ريال) .
ورداً على سؤال حول مدى التزام شركات الحراسة الأمنية في عدن بهذه الأجور أكد على ضرورة وجوب التزامها بنصوص القانون وأفاد بأن فريق تفتيش من المكتب يقوم بالنزول إلى هذه المنشآت لمعرفة مدى تطبيق نصوص القانون وإذا كان هناك تجاوزات يمكن للمعنيين إشعارنا بذلك مباشرة.
وفيما يتعلّق بأي خلاف ينشأ بين الشركة الأمنية والعامل أو الحارس أوضح أن لدى المكتب إدارة متخصصة للنظر في منازعات العمل ومحكمة عمالية تنظر في مثل هذه القضايا، معرباً عن أمله في أن تتولى الأجهزة الإعلامية المختلفة التوعية بقانون العمل لضمان عدم تعرض العامل لبعض الممارسات الجائزة أو حرمانه من مستحقاته القانونية.
شرطة حراسة المنشآت من جانب آخر تحدث العقيد محمد علي السمنتر قائد شرطة حراسة المنشآت وحماية الشخصيات فرع عدن بهذا الشأن فقال: لا يوجد حتى الآن قانون أو لائحة تنظم عمل هذه الشركات من الناحية الأمنية, وبعضها يحمل تراخيص مزاولة المهنة من مكتب الأشغال، وبعضها الآخر لديه تراخيص من وزارة التجارة والصناعة، وبعضها أيضاً لا توجد لديها تراخيص بتاتاً بسبب غياب القانون الذي ينظم تبعية هذه الشركات.
وبالرد على السؤال لماذا لم يصدر قانون بهذا الشأن حتى الآن, أجاب: مع بداية نشوء شركات الحراسة الأمنية جاءت الحاجة إلى سن تشريع نافذ وحسب ما أفادني زميلي العقيد محمد بدر عبدالله الذي كان يشغل منصب نائب مدير عام الشؤون القانونية في وزارة الداخلية في أوائل التسعينات أنه أوفد إلى القاهرة حينذاك للاطلاع على التجربة المصرية بهذا الخصوص وقدم تقريراً عن المهمة مرفقاً بمشروع قانون لتنظيم أعمال شركات الأمن والحماية الخاصة وحتى الآن وبعد مرور 20 عاماً تقريباً لا يعرف شيئاً عن مصير هذا المشروع الهام والذي كان من المفترض أن يأخذ طريقه إلى مجلس النواب لإقراره وتنفيذه منذ ذلك الوقت.
وبالنسبة للشروط والمعايير اللازمة لممارسة هذه الشركات لعملها قال: لا أستطيع وضع معايير وشروط ما لم استند على قانون أو لائحة منظمة تكفل مراقبة أعمال تلك الشركات، ولكن هناك اجتماعات ولقاءات دورية تتم بين إداراتنا ومسؤولي الشركات فقط للتوجيه والمساعدة في كيفية اختيار عناصرها أبرزها في أن يكون ذو سمعة حميدة وحسن السيرة والسلوك ويمتاز بالأمانة واليقظة والحس الأمني وغيرها من الصفات لكن الحارس الأمني المدني دوره مكملاً لأجهزة الشرطة وعليه استدعائها عند اللزوم.
أما بالنسبة لحمل السلاح بعض الشركات لديها أسلحة تقوم بتوزيعها لحراسها الأمنيين في عدد من المواقع التي تتطلب ذلك.. وفيما يتعلق بتأهيل وتدريب كوادر الشركات أفاد العقيد السمنتر أن هذا الجانب يعاني من القصور ونحن أبدينا استعدادنا لتنظيم دورات تدريبية لكوادر الشركات وتوعيتهم بمهامهم لكننا لم نجد تجاوباً,, ولهذا نوجه مجدداً وعبركم الدعوة لهذه الشركات بالاستفادة من الخبرات لدى إدارتنا والتنسيق والتعاون لعقد الدورات التدريبية التخصصية.
الخُلاصة خلاصة القول أن الشركات المعنية قد انتعشت في أسواق عدن وتم توظيف كثير من الشباب الذين أصبح رؤيتهم ببدلاتهم المميزة منظراً مألوفاً في المرافق التجارية والبنوك والمنشآت المختلفة, هذه الشركات تمارس نشاطها دون الخضوع لقانون ملزم يحكم علاقتها بمنتسبيها العاملين المدنيين ويضمن حقوقهم، ويحكم أيضاً علاقتها بالجهات الرسمية المختصة خاصة أن مجال عملها يحتاج إلى متابعة جادة كونها تمارس مسؤولية أمنية مهمة وخطيرة.
إن من الضروري إيجاد تشريع ينظم نشاط هذه الشركات الخاصة ويقوم على أسس وقواعد قوية بعد أن أصبح عصر حماية الشرطة للمرافق والمجتمع كما يقول البعض قد أنتهى وساد عهد الانفلات الأمني الذي خلعت فيه الحكومة نفسها عن واجبها الأساسي في فرض الأمن وتوفيره للناس وتركت الميدان خالياً للشركات الأمنية الخاصة لتلعب فيه كما تشاء وكيفما تشاء.