على ضفاف ساحل أبين كانت تقف مستندة صامدة أمام أمواج بحره العاتية على قوائمها الأربع .. تلك عشة الصياد البسيط محفوظ .. حيث كان جالساً فيها يراقب القمر المنير وهو يغازل معشوقته , مياه البحر الرقراقة .. وكأنه يسمع رنة ضحكات القمر .. أو كلمات أشعاره تصف جمال حبيبته .. وفجأة قفز القمر بشوق ولهفة ليعانق حبيبته ويغوص في عناق طويل معها ذلك حينما تراء لمحفوظ , وجه القمر ملتصقاً على سطح مياه البحر الفرحانة ... هذا الحب والعناق والمساء الجميل .. جعل محفوظ الصياد يتذكر هو الآخر محبوبته قمر وهي تنتظره بكل الشوق حتى يعود إليها في الصباح محملاً بما تحصل عليه من رزق البحر في يده وبما يحمله من شوق كبير لها في قلبه .. ليأخذها هو الآخر في عناق طويل كعناق القمر لمياه البحر الرقراقة .. وعلى شفتيها كل يوم ترسم له سحر الابتسامة وفي عينيها توسل شوق ألا يتركها ثانية فيقول لها : يا قمري أنا رجل محظوظ فقد رزقني الله قمران في حياتي قمر يأتيني في المساء وقمر ينتظرني في الصباح .. فعبس وجهها الجميل وأظلم وانطفأت أنواره ودبت فيها مشاعر الغيرة وأخذت تسأله اجبني من تقصد بقمر يأتيك في المساء ؟ هل تعرف امرأة غيري ؟ وضحك محفوظ من تفكير حبيبته وقال : تظلين إمرأة ولا يخطر ببالك إلا الغيرة من امرأة غيرك .. ردت عليه بحدة تعيد عليه سؤالها مرة ثانية وتريد هذه المرة إجابة صريحة , من هي تلك المرأة ؟ اخذ يدها في يده وربت عليها بلطف وأجلسها بجانبه وهمس لها بحب وحنان ذابت معه ونست غضبها كله .. يا قمر حياتي كلها ونورها وضيائها ..طارت مع كلماته كريشة فوق السحاب أما هو فبدا يشرح لها ما كان من حركات القمر مساء الأمس مع مياه البحر الرقراقة وكان دقيقا في وصفه وكأنه يقول أبيات قصيدة شعرية شدتها كلماتها مرة أخرى ولكنها هدأت من غيرتها بعد أن اطمئن قلبها على الرجل الذي لم تعرف الحب إلا معه ولم تلمس السعادة إلا من خلال لمساته ولم تدرك المعاني الجميلة في حركات الطبيعة إلا من خلال توصيفه وكلماته وهمساته العذبة .. وازدادت حبا وهياما به .. كانا عاشقين كل يوم يزداد عشقهما لبعض مع مغادرته المنزل وعودته إليه .. ومع ساعات الانتظار الطويلة التي تقضيها لوحدها .. وعلى رغم الحياة البسيطة لكن الرضى بما قسم لهما كان سر السعادة التي يعيشانها .. وكان قلبه الكبير الذي تسكن كل حجراته ملجأها من كل الخوف والظلام الذي في الدنيا .. بل كان هو أيضا منبع النور والضياء تشرق الدنيا به حين يفتح الباب عليها كل صباح عائدا من رحلة الصيد في البحر ليغرقها في بحر من الحب والغرام ويذيقها حلاوة طعم السعادة .. كانت هي القمر الأول في حياته , والملاذ والسكن الذي يعود إليه ليرتمي بين أحضانه ... لقد كانت زوجته (قمر).. وكان قمر سماء البحر وعاشق مياه البحر الرقراقة .. صديقه الوفي وقمر حياته الثاني لذا قال قمران في حياتي .. سعاد علوي