على مر العصور تميزت العلاقة بين شعر الغزل والحب وبين خدود العذارى ونهودهن، بالارتباط الوثيق، والتواصل الرومانسي المستمر.. فلا يمكن أن نجد قصة حب رافقها الشعر دون التغني بوردية الخدين وحمرتهما، وتميز النهدين وعذوبتهما في سياقات شعرية مختلفة وصفاً وخيالاً وحنيناً وانسجام.. محمد سلطان ونستعرض من خلال هذه السطور القليلة جانباً من محطات هذه الرحلة التاريخية،بكل ما تحتويه من تناقضات ومفارقات، تتخذ طابعاً رومانسياً غنائياً متأصلاً حيث تغزل الشعراء كثيراً بجمال الخد وشبهوه بالورد وفلقة القمر وشطر من الشمس وما ذلك إلاّ لأن لجمال الخد سلطاناً ينسي المشاهد نفسه وهو مرآة المرأة وعنوان جمال جسدها وحلاوة روحها.. وقد فضل الشعراء اللون الأحمر والأزهر للخد وفضلوا في أن يتصف الخد بالرقة والصفاء والنقاء والنعومة وهذا شاعر يصف الخد عند النظر إليه فيقول: يزداد توريد خديها إذا لحظت كما يزيد نبات الأرض بالمطر فالورد وجنتها والخمر ريقتها وضوء بهجتها أضوى من القمر وهذا شاعراً آخر يرى حمرة الخد جوهرة فيقول: قد صنف الحسن في خديك جوهرة وفيها أودع التفاح أحمره فكل سحر من عينيك أوله منذ خطّ هاروت في عينيك عسكره ويصور أحد شعراء التراث الشعبي الأصيل حيرته أمام دعوة عاطفية تلقاها بطريقة عابرة، خشية أن يقع أسيراً لخد الفاتنة التي دعته إليها بالإشارة فيقول: أسيل الخد صيَّح لي.. وأشر لي أجي عنده وانا خايف إذا جيته.. أذوب حسرة على خده وخايف لو تجاهلته.. اتوه واضيع من يده أنا محتاج مشورتكم.. يا عالم كيف أعيش بعده ويبدي أخر انزعاجه من بخل حبيبته عليه بالوقت الكافي قريباً من خديها في حالة وصال وألفة قائلاً: ألف بوسة وبوسة للخدود عاده قليلة.. ما تكفي في وصلك يا جميل ألف ليلة ما يكفي العمر باحضانك حبيبتي.. وانا والله على فراقك مالي حيلة ويصل الحال إلى درجة أن احد الرعاة الشباب في غمرة انشغاله بحديث عاطفي مع زميلته الراعية وبالنظر إلى خدها الجميل، نسي الوقت فلم ينتبها إلا بعد حلول الظلام فخاطب الراعية بقوله: وا راعية شلُّوا عقلِك.. قد روَّحوا وما درينا احنا غفلنا بهدرة.. والليل غدَّر علينا مشغول بخمرة خدودك.. أقل شيء ذكرينا وتتضح الدهشة الكبيرة على أحدهم وهو يرى ما لا يستطيع تحمله من جمال إحدى الفاتنات، معبراً عن هذه الدهشة بقوله: لما شفت الخدود.. ذاب قلبي خجل أيش تفاح أيش ورود,,سحرهن زيَّ العسل من رآهن هام وفكر.. كيف با يشبع قُبل أما أحد الأحباء المخلصين فإنه يلوم حبيبته، التي أصبحت تحاول الابتعاد عنه، وتبخل عليه بلحظات لطالما قضيا سوياً مثلها من قبل قائلاً: من علمك يا سما حياتي.. تخفي عني ورود الخدود وأنا الذي أدمنت يا غالية..عبيرها والبوس من غير حدود وإلا غيابي علمك تجحدي.. ما قد مضى من وصلنا والوعود ويعبر شاعر استبد به الشوق والحنين عن لهفته ولوعته لخدود حبيبه ومعانقته ولو من وراء اللثام، في موالٍ غنائي حزين: فقدان أنا لنظرة اللثام .. واحن على شم الخدود وورده يا غارة الله نحلُّوا عظامي .. بُعدَ الحبيب كالماس جرحني حده بينما يشكو شاعر آخر ويتأوه من قسوة عذراء فاتنة، اعترضت طريقه، وكشفت عن خدودها، فاستعرت في صدره نار الغرام وجمر الهوى قائلاً: صغير بالسن لا يخشى ولا يرحم .. رفع قناعه وهو اسمر من اعيانه وقف لي بالخط لا اتقدم ولا اتأخر .. أعمى عيوني وطرمسني من أوجانه ويتساءل شاعر يكابد الاشواق واللهفة إلى صدر الحبيب والارتماء بين نهديه، ليذوب بالموصل لذةً وعناقاً حيث يقول: يا ليت شعري متى تسمح بطيب التلاقِ واصل عنها حلاها والشفاه الرقاقٍ واخلع خليها والبسها ثياب العناقِ واضم في صدرها الفضي تفاحتينٍ فيما يسجل الشاعر في موقف أخر مفارقة وصفية تجمع بين سواد شعرٍ ليلي وحمرة وجنتين جميلتين كمن يجمع بين صبح ومساء أو ماءٍ ونار فيقول: ناديت حين لاحت بداجي الشَعَر موردة أوجانها بالخضر من ألَّف الماء في الخدود والشرر ومن جمع بين المسا والصباح!! في حين يستنكر أحد العشاق تصرفات حبيبته التي تنكرت لأيام الوصل والعناق واتهمته بأنه جرح مشاعرها قائلاً: ضيعت عمري بين نهودك .. واليوم تقولي لي جرحتك ما ستقولي وا مليحة لو تركتك .. وسافرت للقرية ونسيتك وهكذا تتخذ العلاقة بين الشاعر وخدود محبوبته أبعاداً مختلفة لكنها تصب جميعاً في مجرى واحد لتشكل نهر الحب المتدفق والخالد على مر العصور والأجيال.. وعلى الشاطئ الآخر من نهر الحب الخالد تقف المرأة، بمشاعرها الرقيقة وخيالها الخصب.. وفي الريف رغم أن البيئة الريفية القاسية وتعرضها للشمس أثناء العمل في الزراعة أو جلب الماء والحطب كانت تسبب لها الكثير من المتاعب في المحافظة على جمالها وصفاء خديها إلا أنها كانت تبذل مجهوداً كبيراً في سبيل الحفاظ على جمال وجنتيها مستعينة بصبغات طبيعية من أوراق وأشجار بيئتها وتفردت المرأة الريفية بمشاعرها وأحاسيسها الخاصة، ومعاناتها العاطفية التابعة من سياقات المفاهيم الاجتماعية، والوضع التقليدي لها كالمرأة ومساحتها المحددة للمناورة العاطفية والغرامية محدودة جداً ومع ذلك استطاعت بذكائها أن تتحرك فيها كيف تشاء: في نبرة تحمل مزيجاً من التحدي والكبرياء، تذكر امرأة محبوبها الذي يحاول الابتعاد عنها وربما التفكير في غيرها أن نسيان وشم الخدود أشبه بالمستحيل وأن نهودها شاهدة على ذلك قائلة: تشتي تقول إنك نسيت حبك وإنك نسيت وشمك على خدودي وإنك لقيت غيري حبيب يحبك وإنك كرهت النوم في وجودي لكن محال تهنأ بغير قلبك وأني قليبك والنهود شهودي وتتصاعد النبرة لدى امرأة أخرى لتتخذ طابعاً ساخراً وهزلياً، حيث تشلك في قدرة حبيبها على الحصول أو حب امرأة مثلها حتى ولو كانت نسخة مزورة عنها لأن خدها أصبح كمخدة نومه: لو تطوي كل البلوِّد.. بالعرض والطول تدور على حبيبة كماني.. ما شتلقى لوهي مزور أني نصيبك وخدي.. مخدتك وأنت أخبر لكن تتكشف أمامنا تفاصيل امرأة أخذت القرية حبيبها، وتركتها وحيدة بعد أن ضاع منها شبابها وأحلى أيام عمرها، حيث نسى حبيبها لحظة زفافهما وحمرة خدها فتقول مخاطبة أبنها الكبير والوحيد: وصيتي يابني تكون شهادة .. بأن أبوك أحرمني السعادة أبوك نسي الحناء وحمرة الخد .. أبوك نسي الزفة واليد باليد وتذهب امرأة أخرى لوصف الخد والاستمتاع بمفاتن حبيبها فتقول: سنك ذهب ومبسمك حلاوة وبالاخضري يا بو خدود عقيقي كل ما أذكرك يجف علوك ريقي وتقول أخرى: صافي الخدود أفدى عيونك السود مثل العنب عنقود جنب عنقود وأنا أسألك بالله يا ذي السحابة قولي لمحبوبي قالشمس غابه نلاحظ من خلال المقتطفات السابقة أن الخدود ومعها النهود لها حضور طاغي في الشعر الشعبي اليمني وتراثه الأصيل مما يعتبر مثالاً على عاطفية اليمنيين ورومانسيتهم منذ زمنٍ بعيد..