كان الشاعر الجاهلي يشبه بنان حبيبته بالدود لشدة نعومتها، متأثراً بالبيئة من حوله. ولو أن الشاعر المعاصر استخدم ذلك التشبيه لواجه نقداً لاذعاً .. ما أردت قوله أن الأجداد تأثروا بالبيئة أيضاً فاستخدموا مفرداتها في شعرهم وأهازيجهم في شتى مجالات الشعر مثل : ساجي العيون يا اتريك بشملي ممسوح محبتك شل الكبد مع الروح كما أن وصف الأجداد لم يقتصر على صفة محددة في الحبيبة مثل العيون أو الشعر بل شمل كل محاسن المرأة، فتغنى بوصف شعرها وجبينها وحواجبها وأنفها ومبسمها وريقها وخديها وعنقها وصدرها وقوامها .. إلخ .. ونرد هنا بعض الأبيات التي تصف شعر المحبوبة كما تغنى بها الأجداد مثل : وأنا أسألك بالله تزيد تخبوه اللحد واحد والكفن حله خليتني لا أهنأ المنام ولا أجلس لا تنقدوش يا ناس لو مت بعده وكما تغزل الشاعر الجاهلي بعيون محبوبته مشبهاً إياها بالسيف أو الرمح القاتل الذي يخترق القلب بقوله : إن العيون التي في طرفها حورٌ قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا نجد أن الأجداد قد تناولوا هذه الفكرة في أهازيجهم بغزارة وقوة لا تقل عن قوة الشعر الجاهلي، ولعل الأبيات الآتية تترجم ما نقصده بوضوح : ساجي العيون المشرغات بالدمع قتلتني والقاتلات عيونك بيني وبينك الشكا لربي شغزي عليك لو زربوا سكاكين كيف أعملك والناس عليك حلقة عرفك يفوح ما بين ورد وريحان وأحياناً يتعرض لوصف العيون مع الأنف (المرعف) والحواجب والجبين أو أي شيء بارز في وجه الحبيبة كقوله : ملون المرعف من بين الأعرام هيا معي شنسكن الكواكب يا اللي جبينك شمس بعد ماطر سبائب النقطة اللي بين الأعرام ومبسمه بارق عشي لغلس يا سعد من شلك يا ويل من باع كما تعرض الأجداد في أهازيجهم أيضاً إلى وصف خدود المحبوبة وفمها بما يحويه. والأبيات كثيرة نرد منها البعض للاستشهاد كقولهم : ريقك عسل يا سعد من يشمك ريقك عسل يا سعد من تداواه ريقك عسل يا سعد من سقاني كلما أذكرك يجف علوك ريقي يا ريتنا وردة مغروس بخدك يا ريتنا حبة زبيب بلقفه يا ليتك النائم وأنا المخدة أمحنت قلبي بالليالي السود (يتبع في العدد القادم)