لم أسمع في العالم أو عبر التاريخ من يرفض حوار عدوه اللدود أو صديقه المختلف معه في بعض الأمور . فالفلسطينيون يحاورون اليهود , والاحتلال والحرب قائمة ، وفتح تحاور حماس برغم حدة الصراع بينهما , والذي وصل إلى القتال وسفك الدماء . البديل للحوار كما يعرف الجميع هو القتال , لا يوجد بديل آخر . حتى الله خالق كل شيء حاور الشيطان وهو من خلقه بدون شروط مسبقة ، ووردت الحوارات في كثير من سور القرآن .
فلماذا ترفض بعض القيادات الجنوبية الحوار الجنوبي - الجنوبي على قاعدة التحرير والاستقلال في المؤتمر الجنوبي الجامع؟ هذا السؤال بحثت له عن إجابة عندهم ؛ فلم أجد إجابة مقنعة ، كلها كانت إجابات واهية لا تستحق كتابتها . فمنهم من يقول المؤتمر الجامع خيانة وارتهان للخارج لتنفيذ أجندة دولية . وعندما تسألهم كيف عرفتم ؟ أو ماهي المعطيات التي جعلتهم يقولون ذلك؟ لا تجد إجابة .
وفي الأمس ابلغني صديق أن قيادي كبير يقول أن سبب معارضته للمؤتمر الجامع (أن الوقت غير مناسب لعقد المؤتمر ، فالخلاف الجنوبي شديد ، وأن المؤتمر الجامع سيفشل لهذا السبب ، ولذلك مش وقته ونستمر تحت قيادة الرئيس البيض والزعيم باعوم حتى يرأب الصدع بين الجنوبيين) !!! وهذا كلام فارغ ؛ فالحوار يكون في حالة الخلاف ، أما إذا كانوا متفقين فلا توجد حاجة للحوار فيما بينهم . "المتفقون ينفذون ما هم متفقين عليه وانتهى الأمر والمختلفون يعقدون مؤتمرات لحل الخلافات والاتفاق بينهم" . وإذا كانت قيادة البيض وباعوم تقوم بالحد الأدنى من مهامها ويمكن الاعتماد عليها ، كان وضع الحراك الجنوبي ممتاز وليس بهذا التمزق والتهالك ، بل لو كانوا قادة حقيقيين ما كانت الجنوب وقعت تحت الاحتلال من أصله .
هؤلاء عجزوا عن قيادة المرحلة كما عجزوا في السابق ، وقد حاول المجتمع الدولي فتح جسور تواصل معهم واكتشف أنهم أكثر فشلاً من السابق ، ولذلك كان سفراء الدول الأوروبية يطالبون كل من قابلوه من القيادات بوجوب تشكيل قيادة ، وكان آخرها قبل أيام في ندوة الاردن ، وطالبوا كذلك بوضع خطة استراتيجية جنوبية ، ورؤية جنوبية للمستقبل . وهذا هو الهدف من المؤتمر الجامع (قيادة) نضالنا كان ومازال من أجل الوطن ، وإقناع العالم بقضيتنا ، وليس اقناع العالم بقيادات فاشلة .
إن محنة المؤتمر الجامع كانت اختبار حقيقي للقيادات ، كشفت لنا ايهم يحمل عقل مليان ، وأيهم يحمل عقل فارغ . والعقول الفارغة تقود الشعوب إلى الفراغ الغير محسوب . وتعمق الانقسام والتخبط ، وقد يدفعون بالشعب الجنوبي إلى اصطفاف مناطقي كارثي على الجنوب . وهذا مالا يمكن القبول به ، وسوف نمنع حدوثه بكل الوسائل ، وسنعري كل من يتلاعب بتضحياتنا ودماء شهدائنا ، ومهما كانت منزلة هذا المتلاعب فهي لا تساوي قطرة دم شهيد أو جريح .
من كان مع الجنوب ومع التحرير والاستقلال فعليه اعلان موقف واضح مؤيد ومبارك للمؤتمر الجامع ، بدون شروط تعجيزية ، ولا أعذار واهية . ومن كان مع شيء آخر فليقول ما يشاء ، وليفعل ما يشاء . وسيفعل الآخرون ما يشاءون .