كتب/ رانيا مكرم شهد النشاط الجهادي، على المستويين الإقليمي والدولي، تطورًا في آليات تنفيذه، والترويج له منذ 11 سبتمبر 2001؛ حيث تم تصوير أكبر هجوم إرهابي ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومع تطور تقنيات وسائل الإعلام، وظهور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي؛ انتقل هذا النشاط من مرحلة العمل السري والتخفي خلف أسماء مستعارة إلى مرحلة العلن من خلال شبكة الإنترنت.
فقد باتت التيارات الجهادية ترى أن حربها ضد الأنظمة المعادية لها لم تعد عسكرية فقط كما كانت في تسعينيات القرن الماضي، وإنما إعلامية أيضًا، في ظل التضييق على نشاطات التعبئة والتجنيد في المساجد، وبالتالي عملت أغلب تلك التنظيمات على امتلاك أجهزة إعلامية، تهدف من خلالها إلى ترويج أفكارها واعتناق أيديولوجياتها وتصوير أنشطتها بتقنيات عالية، واستخدامها كجزء من حرب نفسية في مواجهة الأنظمة الحاكمة.
وفي هذا الإطار، أصبحت وسائل الإعلام الحديثة إحدى ساحات المواجهة بين التيارات الجهادية والأنظمة السياسية؛ إذ يلاحظ بث الأخيرة أيضًا فيديوهات وصورًا لمواجهات عسكرية يتم فيها القضاء على عناصر وقيادات جهادية، بغرض تطمين الرأى العام، ورفع الروح المعنوية لأفراد الشرطة والقوات المسلحة.
ولعل ساحة وسائل الاتصال في العراق تعد أقرب النماذج وأحدثها للمواجهة بين الدولة وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، الذي استطاع السيطرة على عددٍ من المدن العراقية، وعمل على توظيفها لبث مقاطع فيديو تظهر استهداف وقتل جنود عراقيين، الأمر الذي دفع السلطات العراقية إلى حجب بعض مواقع التواصل الاجتماعي بحجة استخدامها من قبل الجماعات الإرهابية لبث صور "مفبركة" بهدف إرباك الوضع الأمني، وتأليب الشارع لأهداف طائفية.
آليات حديثة:
اتجهت التيارات الجهادية المختلفة إلى استخدام الإنترنت كوسيلة أساسية للترويج والدعوة لأفكارها، في ظل التضييق الذي بات يُمارس عليها من قبل العديد من الأنظمة التي تتبنى استراتيجية الحرب على الإرهاب، اعتمادًا على سهولة التطبيقات التكنولوجية للشبكة، وانتشار استخدامها عالميًّا، وتوفيرها قاعدة واسعة من المتلقين، بعيدًا عن تعقيدات الحصول على تراخيص لقنوات تليفزيونية وصحف، أو حتى الوقوع تحت طائلة العمل دون ترخيص.
وفي هذا السياق، حددت دراسة نشرتها مؤسسة "أبحاث الدفاع النرويجية" عام 2006 تحت عنوان "Jihadism On The Web" ثلاث فئات تستهدفهم التيارات الجهادية من خلال مواقع الإنترنت الخاصة بها: أولها، ما يسمى، وفقًا للدراسة، ب"المجاهدين القاعدين" المؤيدين والمتعاطفين مع الفكر الجهادي، ويكون غالبيتهم من الشباب، وغالبًا ما يكون الهدف هو التواصل معهم واستمرار الحصول على دعمهم وولائهم. وثانيها، الرأى العام، ويكون الهدف مع هذه الفئة التأكيدُ على نفوذ التنظيمات الجهادية في المجتمع، إما بغرض حشد التأييد أو التخويف من مواجهتها. وثالثها، جمهور الخصوم، من أجهزة الدولة ومؤسساتها ومؤيديها، بهدف إضعاف موقفها والتأثير على هيبتها وإظهارها بمظهر العاجز في مقابل قوتها.
داعش نموذجًا:
لجأ تنظيم "داعش"، كغيره من التنظيمات الجهادية، إلى وسائل الإعلام الحديث لتثبيت وجوده والتأكيد عليه؛ حيث حرص على نشر مقاطع فيديو تقوم فيها عناصره بقتل جنود عراقيين، وأخرى تدعو سكان المدن التي استولى عليها للعودة إلى حياتهم الطبيعية، من خلال صفحات خاصة على مواقع "فيس بوك" و"تويتر" و"يوتيوب". وقد ساهم التداول السريع لهذه المقاطع في إرباك المشهد العام. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن تنظيم "داعش" يعتمد في نشاطه الإعلامي على مؤسسة "الفرقان" التي تمتلك إمكانيات عالية في مجال الإعلام الحديث.
ولا شك في أن ما يبثه "داعش" من فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي بصفه خاصة، وشبكة الإنترنت عمومًا، قد أثار الرأى العام العراقي بشكل كبير، ووضع حكومة نوري المالكي في مأزق، لا سيما مع إخفاق قوات الشرطة والجيش في الدفاع عن بعض المدن التي سيطر عليها التنظيم، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى تفسير ذلك بتبني الحكومة سياسات إقصائية فتحت الباب أمام تصاعد حدة العنف الطائفي داخل العراق مجددًا.
وفي مقابل ذلك، قامت الجهات العراقية المعنية بنقل المواجهة مع "داعش" إلى الساحة الافتراضية، بالتوازي مع الصراع العسكري الذي يدور على الأرض، وذلك من خلال حجب وزارة الاتصالات عددًا من المواقع الإلكترونية، ومن بينها مواقع "فيس بوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، بحجة منع ترويج الشائعات والأخبار المفبركة التي ينشرها التنظيم الجهادي، وتؤدي إلى تأليب الرأي العام. وقد أثار قرار الحجب حفيظة الرأى العام العراقي، الذي اعتبره بمثابة مصادرة للمعلومات، وفرض مصدر واحد لها يمثل وجهة النظر الرسمية، وبالتالي عزل المواطن عما يحدث من حوله، فضلا عن تجاهل مقتضيات الوضع الحالي الذي يشهده العراق من ضرورة تواصل المواطنين مع بعضهم بعضًا في ظل غياب الأمن وشيوع الفوضى في عدد من المدن.
وقد حاولت بعض الاتجاهات تفسير ذلك القرار، بأنه يهدف إلى منع التواصل بين قادة وعناصر تنظيم "داعش"، وعدم تضخيم ما يحدث على الأرض من تطورات، وتجنب انتشار الأخبار المفبركة والشائعات في مجتمع يغلب عليه الاضطراب، حيث لا يمكن التغاضي عن تأثير الإعلام ووسائله المختلفة، التقليدية والحديثة، في تضخيم حدثٍ ما، أو التقليل من آخر.
خلاصة القول، إن لجوء التيارات الجهادية إلى وسائل الإعلام الحديث، أسهم في زيادة قدرتها على بسط نفوذها وتوسيع قاعدتها في العديد من الدول، بعد التغلب على العامل الجغرافي عبر شبكة الإنترنت، غير أن ذلك النجاح يتوازى مع تصاعد حدة السخط الجماهيري بسبب سياسات تلك التيارات، بشكل ربما يفرض تحديات عديدة أمامها في المرحلة القادمة .