«التحية والسلام للرجاجيل (الرجال) الكرام داخل الساحات، يُهدى لكل ابطالها». هذا واحد من الزوامل التي يشحن بها الحوثيون (حركة أنصار الله) مناصريهم داخل صنعاء وعلى مشارفها. ويطغى الزامل على الاعمال الفنية في مخيمات الاعتصام التي تنظمها بعض الحركات المسلحة التي تحشد مسلحيها وأنصارها على مشارف العاصمة اليمنية وداخلها للمطالبة بإسقاط قرار رفع اسعار الوقود وتغيير حكومة الوفاق الوطني. فيما تؤكد الحكومة اليمنية أن الحركة تسعى الى اسقاط صنعاء بقوة السلاح. وتستخدم الحركة في حربها الدعائية قوالب فنية تقليدية مثل الزامل اليمني، وهو فن غنائي جماعي تتوارثه الأجيال منذ قديم الزمان وتؤديه الجماعة بالتناوب، كما يقول الدكتور محمد بركات رئيس قسم الموسيقى في كلية الفنون الجميلة في جامعة الحديدة. ويتفق استخدام جماعة الحوثيين للزامل مع ذائقة الجمهور الذي تحشده الحركة وغالبيته من رجال القبائل. وينتمي الزامل في الاصل الى الثقافة الشفهية، وكلماته تقال وتحفظ في لحظة الحدث. ويلفت بركات الى خصائص يتسم بها البناء اللحني للزامل ومنها البساطة والتكرار. ويقول ل «الحياة» إن خاصية التكرار تهدف الى تأكيد موقف معين أو رسم صورة وتعميق الإحساس بها، موضحاً أن اللحن يعد العنصر الاكثر تكراراً في الغناء الشعبي اليمني ومنه الزامل «وربما يكون العنصر الرئيس». وتحاول حركة أنصار الله في خطابها الفني والإعلامي محاكاة النمط الذي شهدته ساحات الثورة في 2011، خصوصاً لجهة تقديم أناشيد تنتقد فساد الحكومة وتحض على إسقاطها وتحرض الجيش على التمرد... لكنها تقدم كل هذا في قوالب تقليدية وتحديداً الزامل.
وخلافاً لما شهدته الساحات في 2011 من تنوع غنائي موسيقي بما فيه حضور انواع وافدة مثل الراب، تخلو مخيمات حركة انصار الله من الموسيقى باستثناء اعمال قليلة يحضر فيها الدف (الطبل)، فغالبية الاعمال أتت على نمط الزامل وهو فن حرب بامتياز. وهناك زوامل تستخدم في مناسبات اجتماعية مثل طلب الهدنة والصلح والأعراس. وتفيد معلومات بأن قبيلة يمنية أسقطت حق الثأر لدم احد ابنائها بسبب زامل صدحت به قبيلة الجاني لدى وصولها الى اراضي منطقة المجني عليه طالبة منها الصفح.
وتؤدي الزامل، وهو نشيد حرب بامتياز، مجموعة من الذكور. وتعد رقصة البرع من اكثر الرقصات تجسيداً لفن الزامل وهي تعبر عن الحرب ولحظات احتدامها ويؤديها الذكور حاملين اسلحتهم البيضاء والنارية. ويقول المتخصصون إن كلمة زامل اشتقت من الزملة بمعنى الرفقة والجماعة، والأزمل في اللغة هو الصوت المختلط. ويذكر الشاعر اليمني الراحل عبدالله البردوني مصدراً اسطورياً للزامل يعود الى معركة نشبت بين قبائل الجن. ويروي نقلاً عن مسنّين حكاية مفادها أن بعض القبائل فرت إلى كهوف الجبال خوفاً من هجوم المعتدي، وفي هدأة الليل سمعت أصواتاً جهيرة كثيرة العدد بديعة الإيقاع لم تسمع اجمل منها إثارة وتحميساً وكانت تردد باللغة الشعبية زاملاً يهز النفوس حفظته تلك القبائل ونصه: «قبح الله وجهك يا ذليل عاد بعد الحرائق عافية/ عند شب الحرائق ما نميل باتجيك العلوم الشافية».