وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    إلا الزنداني!!    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حبيب سروري وجُرح الذات اليمنية
نشر في عدن الغد يوم 14 - 09 - 2014


حبيب عبد الرب سروري

حبيب عبد الرب سروري (Habib Abdulrab) بروفيسور في علوم الكمبيوتر وروائي يمني يعيش ويعمل حالياً في فرنسا.
مولده ونشأته

وُلد البروفيسور حبيب عبد الرب سروري في 15 أغسطس 1956 في حي الشيخ عثمان بمدينة عدن لأسرة متدينة لها اهتمامات أدبية. تأثر كثيراً بحب والده - الذي كان تلميذاً للعلامة قاسم السروري- للعلم، وبتفانيه في قراءة كتب التصوف والتوحيد والفقه والتفسير، وبقراءته لكتب الأدب، وكتابته للشعر.
درس على يد والده مبكراً قواعد اللغة وبلاغتها، وبعض كتب التفسير والحديث.
بدأ مبكراً في كتابة الشعر، ونشرت له مجلة الحكمة أولى قصائده في عام 1970. وتركت نشأته في مدينة عدن بصماتها على أعماله الأدبية.
دراسته

درس الابتدائية في المدرسة الشرقية ب الشيخ عثمان عدن، والإعدادية - متجاوزاً إحدى سنيها الثلاث - في المدرسة الإعدادية بالشيخ عثمان، والثانوية في ثانوية عبود (ثانوية دار سعد).
ثم أدى الخدمة الوطنية مدرساً للرياضيات في إعدادية الشيخ عثمان. بعد ذلك غادر إلى فرنسا في 1976 ليكمل دراساته الجامعية، فدرس السنوات الجامعية الأولى في جامعة روان - المجاورة ل باريس - في الرياضيات التطبيقية، ثم تخصص في علوم الكمبيوتر. حصل على البكالوريوس من كلية العلوم التطبيقية بجامعة روان في يونيو 1982 في الرياضيات التطبيقية (قسم الكمبيوتر)، ثم الماجستير في يونيو 1983 من جامعة باريس السادسة كلية العلوم التطبيقية، وكلاهما بامتياز.
و بعد أن حصل على درجة الماجستير، حصل على شهادتين أخرىين في الدراسات العليا وهما:
شهادة الدكتوراه PhD في مارس 1987 من جامعة روان. وكان أثناء ذلك عضواً في مختبر المعلوماتية النظرية والبرمجية التابع لجامعتي باريس السادسة والسابعة، وجامعة روان. وتركزت أطروحته حول نتائج جديدة لحل المعادلات الكلماتية، وتصميم وبرمجة واستخدام خوارزمية ماكانين لحل المعادلات الكلماتية التي ظلت عشرات السنين معضلة علمية مفتوحة دون حل. ولها تطبيقات كثيرة في علوم المنطق والذكاء الاصطناعي.
شهادة دكتوراة التأهيل لقيادة الأبحاث Habilitation to Supervise Researches في يناير 1992 التي تسمح بالتحول إلى بروفيسور جامعي أمام لجنة دولية من سبعة مشرفين تضمنت بعضاً من كبار علماء الرياضيات التطبيقية والكمبيوتر كالبروفيسور الروسي ماكانين، والبروفيسور الفرنسي كولميروير - صاحب لغة برولوج- والبروفيسور الأمريكي جاك كوهين، والبروفيسور جان فرانسوا بيرو، والبروفيسور كيرشنير، والبروفيسور بيكوشيه والبروفيسور جوراليتش، وكانت الأطروحة حول مجموعة أبحاثه الجديدة في:
1/ المعادلات الكلماتية.
2/ نظام ديناميكي جديد لبرمجة جدول أعمال المصانع.
3/ لغة بحوث كمبيوترية جديدة.

سيرته العملية

عمل عقب حصوله على الماجستير وحتى سبتمبر 1988 مهندس أبحاث في مركز نقل الأبحاث النظرية للمجالات الصناعية في جامعة روان. و أصبح في أكتوبر 1988 بعد حصوله على شهادة الدكتوراه الأولى أستاذاً مساعداً في علوم الكمبيوتر في المعهد القومي للعلوم التطبيقية في روان - جزء من شبكة تضم خمسة معاهد قومية في عموم فرنسا يدخلها المتفوقون عبر نظام مسابقات على مستوى فرنسا، ويتخرج منها حوالي عشرة بالمائة من كبار المهندسين في فرنسا. -
تقدّم مباشرة بعد نيله شهادة الدكتوراة الثانية لنيل مقعد بروفيسور في بعض الجامعات الفرنسية. جاء مركزه الأول في جميع الجامعات التي تقّدم لها (كان، الهافر، روان...). اختار المعهد القومي للعلوم التطبيقية في روان كونه يساهم في قيادة بعض فرقه العلمية وبسبب الظروف العلمية المتميزة فيه. صار بعد ذلك بروفيسور منذ أكتوبر 1992 (بعد أربع سنوات فقط من تعيينه استاذا مساعدا). بدأ عمله برفيسورا جامعياً وعمره ست وثلاثون سنة.
يشرف حالياً على قيادة الأبحاث والفرق العلمية، وعدد من أطروحات الدكتوراه، كانت أوّلها أطروحة دكتوراه ماريان ماكسيمنكو التي بدأتها في 1991. (أنظر على سبيل المثال أطروحة مايكل كازاكوف في ابريل 2004 )
يشرف منذ 1992 على إدارة تدريس الكمبيوتر في قسم هندسة الرياضيات التطبيقية والكمبيوتر في المعهد القومي للعلوم التطبيقية.
لم يتوقف منذ 1988 عن إلقاء المحاضرات والدروس العلمية بدعوة من بعض الجامعات والمختبرات العلمية داخل وخارج فرنسا.

مساهماته العلمية

قدم أكثر من خمسين بحثاً علمياً متخصصاً في المؤتمرات الدولية والمجلات العلمية الدولية المحكمة [2] وعدد كبير من المحاضرات والبحوث في المجلات والمؤتمرات العلمية الداخلية.
ساهم في الأشراف على تنظيم وإدارة عدد كبير من المؤتمرات العلمية الدولية، وكذا في إعداد التقارير حول عدد كبير من الأبحاث العلمية المقدّمة للمؤتمرات والمجلات العلمية الدولية.

حبيب أديباً

أعطى حبيب عبد الرب اهتماماً أكبر للكتابة الأدبية منذ عام 1992، واليوم يُعد واحداً من أهم الروائيين اليمنيين إن لم يكن أهمهم. بدأ بنشر كتاباته الأدبية مُنذ العام 2000 برواية الملكة المغدورة التي كتبها بالفرنسية وصدر له إلى اليوم:
الملكة المغدورة، رواية، صدرت بالفرنسية عن دار الارماتان، ترجمها إلى العربية الدكتور علي محمد زيد (دار المهاجر، 2000)، وأعادت طبعها مجددا وزارة الثقافة اليمنية، مايو 2004.
همسات حرّى من مملكة الموتى، مجموعة قصصية صدرت عن مؤسسة العفيف الثقافية، يونيو 2000.
شيءٌ ما يشبهُ الحب، مجموعة شعرية صدرت عن مؤسسة العفيف الثقافية، مايو 2000.
دملان، ثلاثية روائية، صدرت عن مؤسسة العفيف الثقافية، ابريل 2004.
طائر الخراب، رواية، صدرت عن مؤسسة العفيف الثقافية، ديسمبر 2005.
كما أنه كتب مجموعة مقالات عن اليمن ضمنها كتابه عن اليمن، ما ظهر منها وما بَطَن الصادر عن مؤسسة العفيف الثقافية ابريل 2005.
تظهر مدينة عدن بكل تجلياتها في روايات حبيب، وتكون مدخلاً لليمن، فعلى الرغم من غربته الطويلة، إلا أنه لم يفقد ارتباطه ببلاده، فلا تزال اليمن تشكل عالم حبيب الروائي.
ثيمته الأساسية هي العشق، ومن هذه الثيمة يتفرع عالم حبيب الروائي ليرصد تحولات اليمن في ربع القرن الماضي. و في روايته الأخيرة طائر الخراب، يطرق حبيب المحرم والمسكوت عنه بقوة، فيتحدث عن زنا المحارم، والمفاهيم القبلية للشرف والبكارة.
أحدثت روايته الأخيرة دوياً فائقاً، فكانت حجراً حرك ركود الساحة الأدبية اليمنية بشكل خاص، والعربية عموماً بكم الجرأة في طرق المواضيع المسكوت عنها في الواقع.
في رواية الملكة المغدورة تحدث حبيب عن واقع اليمن الجنوبي إبان الفترة الشيوعية. أما في ثلاثيته دملان فيرصد حبيب اليمن كلها عبر مساحة العمل الروائي الشاسعة، وعبر اختلاق مملكة خيالية هي دملان الواقعة عند سفوح الهملايا. ورصد رحلة الراوي منذ بداياته في عدن مروراً بمكوثه في فرنسا وحتى عودته إلى اليمن الجديد، مستوحياً التراث الشعبي اليمني، والقصص الخرافية التي يحفل بها وعيه الجمعي كقصص الجان، ومستعيداً ممالك وعيه الجمعي مثل تنكا بلاد النامس الشهيرة.
يحلم حبيب بكتابة نص باللغتين العربية والفرنسية.

المزيد

منذ أصدر حبيب عبد الرب سروري ثلاثيته الروائية بعنوان «دمْلان» (2005)، واليمن، وطنُه، حاضر بقوة في نصوصه السردية التالية، من خلال شكل أقرب ما يكون إلى ما يسميه الناقد فانسان كولونا «التخييل الذاتي المرآتي». وفي هذا التخييل تغدو ذات الكاتب طيفاً ماثلاً في النص بأوضاع مختلفة، لتعبر عن هواجسه واستيهاماته وتأملاته عبْر مشاهد متخيلة يقذف فيها الكاتب بنفسه ليوسع دائرة التعبير...وحبيب سروري الذي تخصص في علوم الكمبيوتر وأصبح أستاذاً لها في فرنسا، يحمل في سويداء القلب صورة اليمن وذكرياته إبّانَ الطفولة والمراهقة، مُثقلة بمناخ القرون الوسطى وقيم الانطواء والفكر الماضوي. ومن ثم افتتانه بالحداثة ولغة المستقبل وهو يكتشف في فرنسا روعة الانفتاح وتحرير العقل والجسد ... استيحاءً لهذه التجربة الأساس، جاءت ثلاثية «دملان» مجسدة لمواجهة «وجدان» الشاب اليمني، لكابوس اليقظة في رحاب الجامعة الفرنسية، وما يرافق ذلك من أسئلة مُحيّرة، سياسية ووجودية. وأمام شعور وجدان بالمأزق، التجأ إلى الحلم وأمْثَلة المرأة بوصفها جوهر التغيير وعتبة الانتقال إلى أنْسنة السلوك وتحويل قيم المجتمع.

في روايات تالية ل «دملان»، يتكوّن لدينا انطباع، كأنما حبيب سروري يكتب الرواية نفسها من خلال مُكوناتٍ تتباين في التفاصيل، لكنها تحافظ على النسغ والرؤية. ويمكن أن نلخص جوهر هذه الرؤية من خلال ما ورد على لسان امرأة جميلة قابلها السارد (الكاتب المفترض) في رواية «أروى» (دار الساقي،2013)، تقول له ملخصة شخصيتَه: « ...بُعدُك الرابع، الخراب الذي يدمِّر اليمن! تحمل في أحشائك جُرحاً اسمه اليمن. أنت جرح متنقل اسمه اليمن! بُعدُك الخامس، تحلم بالحرية المطلقة، الضياع، السفر الدائم، بسفينةِ نوحٍ داروينية تكتشف بها العالم، كلّ العالم...» ص 263.

يمكن في هذا التحليل الخُطاطي، أن نقول إن رواية «أروى» استوحت أكثر، الجانبَ المتصل بالحرية واكتشاف الذات المطمورة تحت ثقل التقاليد، بينما «ابنة سوسلوف» (دار الساقي، 2014)، جعلت من الصراع السياسي المتصل بربيع اليمن واستقواء الأصوليين الإطار العام للمشاهد والمحكيات.

«أروى»: عندما تمارس المرأة حريتها:

يزعم السارد - الكاتب، في مطلع الرواية، أنه تلقى محكيات النص من الشخصيات الثلاث الأساسية، وأنه لم يقم بأكثر من تنسيقها وترتيبها وفق ما يجعلها مشوقة وكاشفة. لكننا نجد ستة فصول تحمل عنوان «السارد يتحدث»، إلى جانب الفصول التي يرويها باسل، وأوسان، وهما اثنان من أربعة أصدقاء يتنافسون في حب أروى الجميلة، المثقفة والموزعة بين عشرات العشاق. والواقع أن دور السارد لا يقتصر على تنسيق الرسائل والأحداث، بل يتعدى ذلك إلى ملء كثير من الفراغات وإصدار الأحكام، فضلاً عن كتابة الفصل الأخير الذي كتبه ليزج بنفسه في عشق أروى بوصفها حباً مستحيلاً يؤجج خياله ويستولي على حواسه...وعندئذ نلمس التخييل الذاتي المرآتي من خلال انقذاف الكاتب في مواقف وسيرورات تتيح له أن يخرج من جلده ليُعبر عن حالات قصوى: «...الغريب جداً: كلما توحّدتُ بأبطال هذه الرواية ودمجتُ نصوصهم، تخبّطتْ حياتي على أرض الواقع، وتشظتْ وادلهمّتْ واختلطت بحيواتهم لتقترب من الانفجار! صرتُ مثلهم على حافة الانهيار، إن لم يكونوا هم مثلي قبل ذلك!» ص 258. على هذا النحو، يتكشف لنا ذلك التعالق الوثيق بين محكيات الأصدقاء الثلاثة العاشقين لأروى الفاتنة، وانجذاب السارد «مراد» إلى بؤرة العشق المُعدي من خلال قذفه بنفسه في هذا الأتون المُستعِر؛ ما يضفي على النص غلالة من التخييل الذاتي تسترجع المحكيات لتوظفها في مجال أوسع، متصل بالرؤية التي يبلورها حبيب سروري في رواياته.

صحيح أن هناك حبكة توجه دفة السرد وتبرز السياق الصعب المحيط بوضعية المرأة في اليمن، لكنها تظل ثانوية بالقياس إلى ما يرمي إليه الكاتب. وتتلخص الحبكة في أن أربعة أصدقاء تعاهدوا وهم بعد في مرحلة التعليم الثانوي، على أن تكون لهم امرأة واحدة عندما يتزوجون، تعبيراً عن متانة صداقتهم في مرحلة المراهقة. لكن الأيام تسير عكس ما أملوا، إذ تزوج منيف أروى الجميلة من دون أن يحبها، ما جعلها تربط علاقات عشق مع شوقي وَأوسان. ثم يدخل باسل على الخط ليحرّض على القطيعة، مُؤملاً أن يصل إلى قلب أروى. ويأخذ السرد شكل التوازي والتقطيع والتنقل بين فضاءات عدَن وباريس ولندن، وتكتسي اللغة والأسلوب طابعاً رومانسياً وأبعاداً تتراوح بين الصوفية والإروسية. وعندما يدبر باسل جريمة للتخلص من منيف الزوج الكاتم لأنفاس أروى، لا تستطيع هذه الأخيرة أن تعود إلى حبيبها شوقي بعد ثلاثين سنة من الانتظار، ويلجأ أوسان إلى الانتحار لأن المعشوقة لم تختره هو، وتفشل أروى في مغامراتها العاطفية، فتنسحب من الحياة العامة بحثاً عن النسيان.

إن أروى في هذه الرواية تأخذ مكانة الصدارة بوصفها مجسدة للجمال والذكاء والأناقة، ورمزاً للحضور الأنثوي المشع وسط مجتمع تحاصره التقاليد البالية والوصائية الذكورية. وهي بذلك ترتدي أردية رومانسية تؤهلها لدور الحافز على التجديد والتحرر واستعادة المعنى في محيط سديمي. وهي الدلالة التي تتأكد من خلال خطاب - وعواطف - السارد الذي يتخذ من أروى وسيلة لميلاد جديد يرجوه.

«ابنة سوسلوف»: الوعيُ المغلوط:

يطالعنا السرد في هذه الرواية على لسان عمران الذي تقترب مسيرته من مسيرة الكاتب الموزع بين اليمن وفرنسا، والذي يستعيد مراحل من طفولته ومُراهقته في عدن، حيث اكتشف الجنس ثم التقى مع فاتن الجميلة التي سيضفي عليها تسميات أخرى مثل: هاوية، وأمَة الرحمان...في تلك الفترة الأولى لم يتبادلا الكلام، لكن علاقتهما توطدت أثناء زيارات عمران لليمن في العطل الدراسية. وستكون فاتن هي من تسعى للقائه من طريق أخته. وعندئذ يكتشف عمران أن فاتن قد هربت من عدن إلى صنعاء، وأصبحت داعية أصولية لها نفوذ واسع بين النساء، بعد أن تزوجت ابن الإمام محمد الهمداني وربطت علاقة جنسية بوالده، وخصصت مواعيد غرامية مع عمران للبروفات العشقية. هبّ الربيع العربي على اليمن، واستمرت علائق الحب والجنس بين المرأة وعمران، واشتعل الصراع في حومة السياسة والثورة، واستقوى الأصوليون ولعبت فاتن دوراً في التأثير في النساء، وأحس عمران المؤمن بالعقلانية والتحرر بالهزيمة وانحراف الثورة، فقرر الرحيل نهائياً إلى أوروبا: «عدتُ إلى باريس أجرجر ذكريات هزيمة، أحمل على كتفي «ماتريوشكا» من الأكذوبات أثقل من كوعي(...) ثم لم أعد أسيرَ الحزن على حياتها ومصيرها: أمَة الرحمن سعيدة هكذا بالتأكيد، من يدري؟ لعلي لم أكن أكثر من تجربة عابرة، فريدة بالنسبة إليها؟ حاجة ماسة لتهدئة ضوضاء تناقضات حياتها؟ (...) من أنا، في الحقيقة، بالمقارنة بمشروع حياتها الكبير: «إعادة بناء دولة الخلافة التي تركها السلف الصالح أمانة في أعناقنا»؟ ص 205

يبدو اليمن في رواية «ابنة سوسلوف» بمثابة استعارة لوضعٍ عربي مقلوب ومختلط، حيث الأصولية تكنس الماركسية وتجاربها الطلائعية الفاقدة التربة الملائمة، وحيث التناقضات الصارخة تؤكد فشل التنوير أمام رسوخ القبلية والوعي الديني المغلوط. على هذا النحو، تنتهي الرواية بانسحاب الراوي العقلاني، العلماني من حومة الصراع لأن قوى الماضي الظلامي منغرسة عُمقياً في صلب المجتمع. وهو ما جعل السارد يعوّض عن فشله باللجوء إلى أسلوب السخرية والأوصاف الكاريكاتورية يصوّبُهما إلى أمَة الرحمن والفكر الأصولي المُتزمت.

وما يسترعي الانتباه عموماً، في روايات حبيب سروري، لجوؤه المتواتر إلى جدلية الحلم والكابوس، أي أن تدهور أوضاع المجتمع لا يجد حلولاً إلاّ في استحضار الحلم المغيّر، البديل من الظلامية والماضوية. وانطلاقاً من المراهنة على الحلم، يمكن أن نقرأ في ذلك أيضاً تعبيراً عن غياب القوى البشرية القادرة على مواجهة الاكتساح الأصولي لفئات المجتمع الواسعة. من هنا يلجأ الكاتب إلى معانقة الحلم والتبشير بالتنوير، في انتظار أن تتخلق قوى التغيير.

من: محمد برادة
تعليقات القراء
122431
[1] ******** وعامليلة قرمبع
الأحد 14 سبتمبر 2014
ديك الجن | بلاد ابليس
محجوب لخروجة عن اداب الكتابة
122431
[2] اختفاء مريب
الأحد 14 سبتمبر 2014
احمد علب | عدن
الا من مجيب لسر اختفاء الراوي. لايرد على التعليقات ويختفى دون توضيح بعد ظهور يومي اثناء رحلته الى هونج كونج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.