لم تكن صرخة أحمد يحيى الثلايا المدوية في عام 1955، تكاد تنسى بل تذكر في كل أركان اليمن، تلك الصرخة الشهيرة التي أطلقها الثلايا حين قال: (( لعن الله شعباً أردت له الحياة فأراد ليّ الموت )) قالها الثلايا وهو على حبل المشنقة وكانت آخر كلماته، هذا هو الثلايا الثائر اليمني الذي حاول أن ينتشل الشعب شمال اليمن من المهانة والجبروت والذل الذي كانوا يعيشه أثناء حكم الإمامة.. إن أثناء عودتنا لسرد تاريخ نضال في شمال الوطن لم يكن من فراغ ولم يقول الثلايا مقولته الشهيرة من فراغ أيضاً، فقد كانت رسالة عظيمة تعطى فيها دروس في النضال .. فقد شنق الثلايا وفارق الحياة وانتهى ذلك الانقلاب على حكم الإمامة المستبد لتأتي مراراً وتكراراً الانقلابات المتتالية التي انتصرت لاحقاً، إن صرخة الثلايا تذكرني بصرخة شباب الثورة في عام 2011 منذ حوالي ثلاث سنين، فقد كتبت صرخة الثلايا ولكن خانوه وشنق، واليوم كتبت الثورة الشبابية ولكن خان الكل دماء شبابها .. صرخةً أحمد يحيى الثلايا في عام 1955 تكاد تتشابه مع صرخة الشباب في عام 2011 بعد مرور 56 عاماً بين الصرختين، فقد كانت الأولى تريد للشعب حياة كريمة ولكن خذلوه من كانوا مع الثلايا، رغم أن ثورة سبتمبر قضت على الإمامة ولكن سلمت الوطن للقبيلة بعيداً عن نضال الثلايا الذي تجسد في استبعاد حكم العائلة والإمامة والقبيلة، فكذلك الموقف اليوم يتكرر ولكن في عام 2011 فقد كان مطلب الشباب دولة مدنية يسودها العدل والمساواة والكفاءة وإنهاء حكم العائلة والقبيلة، لكن هنا التساؤل، أين كل هذا رغم مرور ثلاثة أعوام تقريبا ؟؟
وبالعودة إلى التاريخ أيضاً فإن ثورة سبتمبر فيها الأحداث الكثيرة والمثيرة والتي تكاد تتشابه مع الوضع الراهن للوطن، وبالعودة إلى حصار السبعين حينما حاول الملكيين حصار الجمهوريين في صنعاء معتقدين أنهم سوف ينتصرون وتسقط الجمهورية وتعود الإمامة، فتلك الأيام تعود مجددا،ً فأحفاد الإمامة يحاصرون صنعاء وتدور معارك واشتباكات وقصف كل ذلك يجعلنا نعود للوراء قليلاً نوعاً ما لكي نربط الأحداث ونفهم ما يحدث لنا حالياً . فلا ننسى فقد ذكر لنا التاريخ في 19 سبتمبر 1962 وفاة الإمام أحمد بعد محاولات عديدة من الاغتيالات، واليوم يعود لنا هذا التاريخ لكن بشكل جديد، فذكرى وفاة الإمام تحل علينا اليوم الجمعة في حين صنعاء تحت الحصار وفي حين الاشتباكات مستمرة وفي حين القتل مستمر وفي حين الحوثيين يتوعدون المزيد من تفجيراً للوضع .. فهذه البداية في مقالي لم تكن من فراغ، ولكن كل ذلك لكي اسرد لكم أحداث تاريخية تكاد تتشابه مع واقعنا الحالي، فبعد مرور نصف قرن من تاريخ ثورة 26 سبتمبر 1962 اليوم تدخل اليمن الذكرى الثاني والخمسون من عيد ثورة سبتمبر وهي محتقنة، وبدأت فيها اشتباكات عنيفة، فمن هنا إلى هناك ومن الجوف إلى صنعاء وفي الليلة الظلماء العاصمة تفتقد البدر، فهذه الليلة الظلماء قادتنا إلى هذه الأوضاع الراهنة التي تمر فيها البلاد في منزلق خطير وخندقاً عميق لا يجرؤ أحد الخروج منه، لان حروب الطائفية ليس لها نهاية وعواقبها أشد وأمر !! نعم يا لها من ليلةً ظلماء تعيشها العاصمة، افتقدت على أثرها بدرً أنار سمائها وجعل شعبها وسكانها يشعرون بالأمان، ذلك الأمان الذي يبحث عليه الشعب في العاصمة وفي اليمن كلها، فهناك في الجوف قتال دامي ليس له نهاية فمن ذاك المستفيد ومنه ذاك الخاسر، فكلهما يمنيون، فكذلك هنا في العاصمة الموقف يتكرر واشتباكات عنيفة وسقوط قتلى وجرحى وقصف وحصار كل ذلك يعد الخاسر والمستفيد هم يمنيون، لكن الخاسر الأكبر هو الوطن !! إن عجلة المشاورات تمُر بشكل بطيء وسلبي يحتاج من القيادة السياسية لحسم الموقف قبل انفجار الوضع وتسريع المفاوضات وحسم الصراع الراهن والأزمة الراهنة، فهذه المفاوضات من صعدة إلى صنعاء ومن اجتماع إلى اجتماع، كل ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا طلت بلح الشام ولا عنب اليمن، وأكاد أجزم لم يقرأ الكل المشهد الراهن، فإن بين تلك الجوف وتلك صنعاء ومشاورات ولقاءات صعدة ليس لها حلول لان الطرف المفتعل للازمات منتهجاً شعار تنفيذ مخرجات الحوار وفي نفس الصياغ معطلاً لمخرجات الحوار ولا يعمل بها ما هو إلا تأخير للوقت وكسب وقت ممكن لتفجير الوضع .. فاليمنيون اليوم أمام خيارين لا ثالث لهم، إما أن تستعيد صنعاء بريقها وفرحتها ويعود البدر محلقاً في سماءها وذلك عن طريق تحكيم العقل والعمل بالحل السلمي، أو أن ينفجر الوضع وتسقط اليمن في خندقاً عميق، فلا جدال في ذلك إما أن نتبع الخيار الأول أو أن نسقط في فخ الخيار الثاني والذي يعد مكسب لدى قوى إقليمية وخارجية تريد العبث بأرض اليمن التي قال عنها الله عز وجل في القرآن الكريم: (( بلدةٌ طيبةٌ وربٌ غفور )) وهذا ما أِشرت إلية في مقالي السابق حينما قلت وسيأتي يوماً ما .. وتنتصر الحكمة اليمانية !! فمن هنا ذلك السرد الطويل لإحداث قد مضت عليها عشرات السنين وبين أحداث نتعايش معها حالياً تكاد تتشابه حتى ولو اختلفت الأسماء لكن الوسيلة والهدف جمع بينهم وعلى قولة المثل: { كل الطرق تؤدي إلى روما }، فاليوم سنراقب الوضع بشكل مستمر إما الخيار الأول يقودنا إلى بر الأمان أو الخيار الآخر يقودنا إلى تفجير الوضع، فإنني أكاد أجزم وأشعر أن لديّ يقين أن الخيار الأول سيكون هو المنتصر ولكن متى ؟؟ هذا ما كنت أتسأله دائماً منذ أن بدأت الأحداث تقودنا إلى الوضع الراهن، !! ولكن أشعر بان فرج الله قادم لليمن، والحكمة اليمانية سوف تنتصر حتماً، ولا أدري رغم إيماني المطلق بان 26 من سبتمبر سيكون العيد عيدين، حينما يحيي اليمنيون الذكرى ال 52 لثورة سبمتبر وكذلك عندما يعلن اليمنيون انتصار الحكمة اليمانية وذلك حينما تحل الأزمة والوضع الراهن وتغلق صفحة الصراع وتفتح صفحة بناء اليمن الاتحادي بعيداً عن المطامع الذاتية والجهوية والمناطقية والحزبية، وسيكون العيد عيدين وتتشابه الأحداث حتى بالأعياد والانتصار للوطن، وستغادر على أثرها الليلة الظلماء من العاصمة وضواحيها وسيعود البدر محلقاً فوق سماء صنعاء يضيء دربها ومناراتها وأزقتها ويحل السلام وتنعم الأمم بحلتها، ولا يسعني في الآخر إلا أن أقول حماك الله يا وطني من كل سوء !!