أخوكم وربما أبوكم الذي سوف يبدأ بهذا الموجز الفيسبوكي بوضعكم في صورة ما حدث في بلادنا, هو من مواليد 62م أو 63م ,لم أستطع حتى الآن تحديد ذلك لأسباب هجرة أسرتنا للحجاز تهريباً وهرباً من ضنك العيش ومن الشواظ الناري المتطاير من لهيب الأحداث الدامية في بلادنا اليمن في تلك الفترة,وعادت أسرتنا لليمن في بدايات العام 76م ,أي قبل اغتيال الشهيد ابراهيم الحمدي بعام تقريباً, ثم أن شهادتي القادمة تأتي بعد القراءة المتأنية لما حدث ويحدث, وربط الأحداث المقروأة بالمشاهدات العيانية والتحليلات عبر الشواهد على أرض الواقع, ولكم الحكم بعد ذلك في اتخاذ القرارات التي سوف تكون مبنية على خبرات سابقة توفر عليكم المرور بتجارب مشابهة لما حدث, وتسهل عليكم معرفة ما يحدث, أسست الإمامة في اليمن عرشها على أنقاض الدولة العثمانية التي كنا في عهدها نصنع بعض الذخيرة والأسلحة الثقيلة والخفيفة هنا في اليمن, هذا موثق بالصور التي رأيناها ومعالم لا تزال آثارها قائمة حتى الآن في مناطق مختلفة من بلادنا,فجاءت حركة الأئمة وفي ذلك الحين لم نكن - نحن اليمنيين- نسميها حركة بل ثورة, ولأن الثورات في بلادنا مسلسل أسطوري للتدمير فقد دمرنا كل شيء بناه العثمانيون,عموماً امتدت الإمامة وأخضعتنا بتمجيد الآل, والتمييز الجائر بين الهاشميين والقبايل,والناس البسطاء,ولكن الإمامة أيضاً بنت معالم منجزات لتذكر بها ولا تزال - للإنصاف- توجد في بلادنا معالم من تلك المنجزات, وجاءت ثورة جديدة بدعم عسكري ولوجستي من الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر مصر الاشتراكية في ذلك الأوان, هذه التي عرفتم الاحتفال بذكراها في 26سبتمبر من كل عام,بكل حسرة وندم أستطيع القول أن هذه الثورة ماتت في بداياتها, أتحسر عليها بالرغم من أنها أيضاً ثورة سارت في طريق التدمير هي أيضاً, تدمر ما أنجز الأئمة, وكأن ذلك ليس ملكاً للمواطن اليمني المسكين,لماذا لأنه -فقط- قد يذكر الناس بالأئمة,قلت الثورة ماتت 1962م في شمال اليمن,ودفنت لاحقا في 67م, كيف صار ذلك؟ لأنه في تلك الفترة كانت المصالح النفطية الأمريكية في السعودية ترى أنها في ستكون في خطر التماس مع دولة سوف تنشأ ولا توجد أية ضمانات لشكل ولائها الذي سوف ينشأ-شرقي اشتراكي سوفييتي أو غربي رأسمالي أمريكي- خصوصا وأن المرجح هو أن تكون تابعة سياسياً لمصر الاشتراكية حينها, مصر المواجهة المجابهة لإسرائيل ومشالح إمريكا في المنطقة,فإمريكا يجب أن تتحرك حفاظاً على مصالحها,من أين تبدأ؟ فاليمن وما يحدث فيه سهل أمره بالنسبة لهم, فلا بد إذاً من هدم القوة العسكرية لدى جمال عبد الناصر,وإجباره على الانسحاب بجنوده من اليمن, وبمؤامرة مع خونة العرب والمسلمين, حدثت نكسة 67م والتي قدم جمال إثرها استقالته التي لم يقبلها الشعب العربي بأكمله وليس المصري فحسب,ووئدت الثورة والجمهورية حينما كانت الأموال ترسل إلى اليمن لشراء ذمم وعمالات يقودها مشايخ من اليمن بعضهم على هوى إمامي والبعض على حسبة دقيقة للمصلحة, ومن كان من الثوريين في اليمن لا يرضى ثمناً للانعتاق ولا يزال يركب رأسه بشيء اسمه ثورة أو جمهورية كانت تتم تصفيته, والشعب في أشد المحن, وهناك نافذة أمل من الشعارات المغرية للشعب المسكين, فتم حصار صنعاء هذا ما تسمعون أنه يسمى حصار السبعين يوماً بعد انسحاب القوات المصرية, حوصرت صنعاء لأنها كانت عاصمة الجمهورية الوليدة, وقد صيغت قصص وهمية كثيرة لتخدير هذا الشعب وإقناعه بأن الثورة انتصرت والجمهورية التي أرادها لا تزال قائمة, وفي الحقيقة تم الصلح بين المشايخ المتنفذين باسم السعودية -نائبة امريكا في عمل اللازم في المنطقة حفاظاً على مصالح الأخيرة- وبين القيادة الثورية, لتعلن جمهورية تسير بإشراف سعودي لا يتعارض مع المصالح الإمريكية ولا يتحد مع الجنوب الذي كان حينها قد نجحت ثورته ووصلت قبل النكسة للارتباط بالمصالح الشرقية الروسية السوفييتية,وأن تعلن أن الثورة ناجحة ولكن المشائخ الذين يديرون اليمن على الهوى السعودي الأمريكي الصهيوني,هم المتحكمون في كل القرارات السياسية في اليمن,بل وأن مناهج التعليم خصوصاً التربية الاسلامية تصاغ بنظرهم عن طريق الاخوان المسلمين, الذين صفوا الزبيري ختاماً. واستمرت إذاً سياسة التوازنات بين ما يريد ويحلم به الشعب وبين ما يحدث حقيقة -بدون شوشرات إعلامية- من تأكيد لأمريكا أن الأمور تسير على ما تحب, استمر هذا الوضع والشعب يفرح بأعياد سبتمبر واكتوبر ويحلم بالوحدة كل عام بل كل يوم,إلى أن حدث انقلاب عسكري متقن ظهر إثره الشهيد العيم ابراهيم محمد الحمدي,ونفى المشايخ المتنفذين من صنعاء إلى خارجها ونادى بثورة تصحيح لم يهدم فيها شيئاً من الحطام الموجود, ولكن بدأ بناءاً حقيقياً كاد أن يعيد فيه لثورة سبتمبر اعتبارها بعد أن أخرجها من تابوتها المطمور تحت التراب اليمني,وبدأ التقارب الشمالي الجنوبي, وكانت مواقف الحمدي رضي الله عنه شديدة الصرامة تجاه السعودية وأخواتها بما يحقق مصلحة الشعب اليمني,ولكن القوى المشيخية في اليمن يجب أن تفعل شيئاً مقابل ما تقبضه من أموال,فكانت فاجعة اغتيال الحمدي المؤامرة (السعودية- المشيخية) إحراقاً لجثة 26سبتمبر مع تابوتها للأبد. كان الغشمي بعده فقتل ثأراً,وهو يبحث عن أسماء من قاموا بالانقلاب على من يسمون انفسهم الورثة - الحمدي والأحرار من العسكريين, وعندما حكم علي عبد الله صالح,شدّد الحماية الخاصة, وكان يحاول مواكبة الرياح في المنطقة, فشروط امريكا والسعودية لا بد أن تراعى, ورفض المشايخ عندنا تولي السلطة, محبذين الحكم من وراء الكواليس,فلذلك هم يقولون نحن الذين وليناك, ولكن إياك ثم إياك أن تسلك مسلك يتصادم مع مصالح امريكا, وبدأ علي عبد الله صالح يعطي صلاحيات ومساحات تنفذية للإخوان الوهابيين المسلمين,خصوصاً عندما احتاجت امريكا إليهم في تجنيد شباب مسلمين لقتال الاتحاد السوفيتي في افغانستان,واستخدم علي عبد الله صالح سياسة المراوغة لتدوير عجلة بناء وتنمية ولكن المشايخ واللحى كانت لا تقتنع بالمال السعودي الامريكي, فاستخدمت سياسة الابتزاز على الرئيس ليمكنها من امتصاص ثروات البلاد الموروثة كما يزعمون,وعندما انهار الاتحاد السوفيتي, ولم يعد هناك قطبين في المنطقة العربية وأصبحت أمريكا هي القطب الأوحد في المنطقة,عرض الأخ الرئيس علي عبد الله صالح على الأخ علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي مشروع الوحدة ليتم تقديمه إلى امريكا للموافقة عليه إذ لم يعد هناك موانع أو احتمال تصادم للمصالح العظمى,اشتغل الرئيسين معاً على الديموقراطية والتعددية حتى أصبح هناك انتخابات وقد كانت تتطور للشكل المقبول شيئاً فشيئاً حتى العام 2006م حصل علي عبد الله صالح على ولاية مباشرة من الشعب عبر صندوق الاقتراح فظن أنه تخلّص من وصاية المشايخ والإخوان عليه,ومن ابتزازهم فبدأ بجد في محاولة إقصاء لمن تبقى منهم بحرفية المراوغ, وعندما فطنوا لذلك تعهدوا لأمريكا بالإطاحة بحكم صالح قائلين إن لم نستطع إزاحته بالطرق السلمية فلدينا وسائل أخرى,ولأنهم كانوا هم أصهاب التعبئة العامة باسم الدين فقد حاولوا اغتنام فرصة ما أسمي بالربيع العربي للظهور بمظهر ثوري لركوب ظهور غير الواعين بالتاريخ السياسي اليمني إلى كراسي الحكم, كنت آمل أن تكون ثورتنا هذه في الربيع العربي ثورة مختلفة فعلاً لا تدمر ولا تحقد ولا تشتم ولا تضطهد الرأي المخالف ولكنها كسابقاتها أتت لتدمر بسواعد الشباب المثورين وكأن البلد ملك علي عبد الله صالح فلندمره انتقاماً منه, الكهرباء الغاز النفط قطع المدارس نادينا بشعارات لا دراسة ولا تدريس , الجامعات سمحنا للجناح العسكري للإخوان بالتمترس فيها...., الشوارع قطعناها بدون مراعاة لحرمتها,..., وهنا يطل سؤال لماذا ترون الثورات في الغرب ثورات تعمير وثوراتنا كلها ثورات تدمير؟! وهل نستطيع أن نتبع هذه الثورة المسروقة منا ثورة تصحيح أو ثورة تنوير كما فعل الحمدي رحمه الله, مع مراعاة أننا يجب أن نستلهم دروساً من التاريخ, فلا نكون بالثقة العمياء بالتأييد الشعبي لدى الحمدي رحمه, ولا بالتساهل في حقوق ومقدرات الشعب لدى علي عبد الله صالح, ولتكن تقتنا بالله, حرصاً على الألفة والرقي في التعامل, وحرصنا وحزمنا غير متجاهل,وأن يقول رموز ثورتنا للماضي كن دروساً نتعلم منها بدون كراهية أو حقد. يقول الشاعر العربي : ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا أحبائي أشكركم وأرجو من الله أن يوفقنا جميعا إلى قول الصواب وفعله وتنوير الدروب المظلمة, آمين..