كان احمد وبعد كل الصلاة يرفع بصره ويديه الى السماء ويدعو بصوت مسموع. كان يدعو " اللهم ارحم الجبرتي واغفر له وادخله الجنة" سأل عبدالله الذي بلغ من السن الثانية عشر عاما حينها اباه احمد "من هو هذا الجبرتي ولماذا تدعو له بالمغفرة ظهر كل صلاة؟" "للجبرتي هذا قصة معي لن انساها" رد احمد على ابنه عبدالله "اذكر انني عندما كنت في سنك – يا عبدالله- كنت اتجول ذات يوم في شوارع عدن مع عمك محمد الذي كان يكبرني بعامين نبحث عن عمل نقتات من مردود راتبه ونعين به امنا واخوينا الاصغر منا في زمن بلغ به القحط مبلغه" ثم صمت احمد لوهلة متأملا ثم اضاف " لم نكن قد اكلنا شيئا لا كثر من يوم كامل حين مر بنا "جبروتيا" على حماره يجر ورائه حمولته المعتادة ونظر الينا وقال "تبانوا جواعى يا جهال" وبدون ان ينتظر جوابنا رمى في اتجاهنا قطعه خبز جافة فهرعنا نحوها والتقطناها من على الارض حيث سقطت واكلناها بنهم شديد" ثم ابتسم احمد – ابتسامة حالمة وهو يعود بالذاكرة الى ذلك اليوم واضاف" لم اطعم في حياتي –قبل او بعد ذلك- الذ واشهى من قطعة الخبز الجافة تلك . ومن شدة فرحنا المباغت لا اذكر اننا شكرنا الجبرتي" قال عبدالله " والن فهمت لماذا تدعو له بعد كل صلاه يا ابتي" والجبرتي كلمة كان يستعملها المعدنيون لوصف فئة في المجتمع العدني كانت تقوم بخدمة جليلة للمجتمع في انهم كانوا ينقلون الفضلات الأدمية من المدن الى امكنه حيث يتم دفنها. كان ذلك قبل وجود الصرف الصحي. قبل حدوث هذا النقاش بسنتين اخذ احمد ابنه عبدالله الى ملعب الكره الرئيسي في كريتر لمشاهدة مباراة لفريقين شهيرين في زمن كانت كرة القدم فيه في اوج نشاطها وحيويتها في عدن. وكان الملعب مزدحما فلم يتمكن الطفل عبدالله على الحصول على مقعد يجلس عليه فبقي واقفا على الحاجز الذي كان قد وضع حول ارض الملعب بينما جلس احمد على مقعد ليس ببعيد من حيث وقف ابنه. ومع بدايات المباراة راي احمد ان صبيا اكبر سنا وحجما من ابنه يتضارب مع ابنه فهب الاب ليعين ابنه. وفي الطريق الى البيت – بعد ان انتهت المباراة- لاحظ الاب ان الابن يتحسس اسنانه فسأله" ما بك؟" "يبدو ان الذي ضاربني كسر احد اسناني" اجاب عبدالله فابتسم احمد وانفرجت اساريره "وقال احمد الله ان ذلك حصل" "ما الذي يسرك في كسر اسناني هذا يا ابتي ؟" اجاب الاب" لقد لكمت الصبي لكمه قويه لا اشك انها سبت الماً شديدا له فأحسست بذنب حيال ذلك غير ان تسببه في كسر سنك وايلامك-هو الاخر - بدد شيئا من عتاب الضمير والشعور بالذنب الذي انتابني من فعلتي تلك" احمد هو "احمد الخضر السياري" الذي صار بعد سنين من حادثه "الجبرتي" اول قائد عربي لجيش الجنوب العربي وعبدالله هو "عبدالله احمد الخضر السياري" الذي صار بعد سنين من حادثه ملعب الكره في عدن استاذا جامعيا في الطب البشري. اللهم ارحم الجبرتي واغفر له وادخله الجنة للهم ارحم احمد الخضر السياري واغفر له وادخله الجنة