خلفت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة العديد من التجارب الفنية التي يحاول أصحابها نقل رؤية إبداعية خاصة بهم لما وقع من قصص إنسانية كما تقدم رصدا دقيقا للآثار النفسية والمادية التي خلفتها العمليات العسكرية التي أستمرت 51 يوما على القطاع. كعادته كل صباح يستيقظ جهاد الغول من نومه مبكرا ويذهب إلى مرسمه الخاص الذي أقامه على سطح منزله بمخيم البريج ليبدأ رحلة مع الريشة و الألوان يقدم خلالها خلاصة تجربته الحياتية التي صقلتها الإصابة التي تعرض لها خلال القصف الإسرائيلي على المخيم عام 2008، تلك الإصابة التي تسببت في بتر قدمه وتركت جرحا غائرا في نفسه يبدو ظاهرا على غالبية لوحاته . في العديد من اللوحات التي رسمها بريشته، يرسم جهاد نفسه بقدمه المبتورة في مواضع كثيرة، يجسد خلالها حلمه بالدولة الفلسطينية المستقلة والعودة إلى القدس والتخلص من معاناة الحصار والاحتلال . جهاد الغول في مرسمه فن رغم الإمكانيات المتواضعة توفر بلدية مخيم البريج في غزة فرصة للموهوبين في المجالات الفنية المتعددة من عرض مواهبهم تلك من خلال معارض فنية وعروض مسرحية يغلب عليها بالأساس الطابع السياسي لتكريس فكرة الصمود على الأرض ومقاومة الإحتلال . ومع هذه الإمكانيات المتواضعة التي توفرها الجمعيات الخيرية والسلطات المحلية في البريج، يعاني شباب الفنانين هناك من صعوبة توفير المواد الأساسية لممارسة هواياتهم في الرسم والنحت والتصوير الضوئي وغيرها من الفنون التشكيلية . تقول آية مغاري، وهي طالبة في المرحلة الثانوية وعضو رابطة فناني مخيم البريج، إنها لا تجد الأموال اللازمة لشراء الألوان الزيتية أو لوحات القماش والاطارات الخشبية وحتى الحامل الذي ترسم عليه تلك اللوحات. ورغم ذلك تحاول آية واصدقاؤها من الفنانين الشباب في البريج التغلب على هذه المشاكل من خلال توفير قروش بسيطة من مصروفهم اليومي لشراء القدر اليسير من تلك الأدوات والمواد التي تمكنهم من رسم اللوحات والمشاركة بها في معارض محلية ودولية . الأولوية ليست للفن ظروف الحصار والمعاناة السياسية و الاقتصادية التي يعيشها القطاع تضع الفن والقضايا الثقافية في ذيل أولويات المواطن الغزاوي وفي منطقة الرمال في قلب مدينة غزة يقع المرسم والمعرض الخاص برشا أبو زايد، تلك الفنانة التشكيلية التي تحاول توفير أجواء هادئة لبعض زملائها من الرسامين والفنانين التشكيليين لممارسة إبداعهم . على صوت فيروز وأنغام الموسيقى الهادئة يعكف العديد من الفنانين داخل مرسم أبو زايد لساعات طويلة لرسم اللوحات وتقديم الأعمال الفنية والإبداعية ولكن دائما ما تكون هناك مشكلة في المتلقين الذين يزورون المكان بأعداد محدودة جدا لشراء اللوحات أو التحف الفنية . تقول رشا أبو زايد إن ظروف الحصار والمعاناة السياسية و الاقتصادية التي يعيشها القطاع تضع الفن والقضايا الثقافية في ذيل أولويات المواطن الغزاوي. وتحلم رشا أن يتحرر القطاع من حصاره وتنتهي سنوات الحرب والدمار حتى يتمكن الفنانون في غزة من إقامة معارضهم الفنية بحرية و السماح لهم بالتنقل بين عواصم الفن العالمية مثل باريس وروما لعرض أعمالهم وإصال رسالة الفن الفلسطيني إلى الخارج . من جانبه يقول أدهم شعلان إنه حاول أكثر من مرة التنسيق مع بعض أصدقائه عبر شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي للسفر إلى الخارج وإقامة معرض خاص بلوحاته وصوره الضوئية التي تجسد مأساة الحرب، غير أن غالبية السلطات التي حاول التواصل معها تخشى من أن يقوم بتمزيق وثيقة سفره وطلب اللجوء السياسي وعدم العودة مجددا إلى القطاع . رؤية إبداعية لسحب الدخان تشير تقارير عسكرية إسرائيلية إلى أن الطيران الحربي الإسرائيلي نفذ نحو 4900 غارة جوية على قطاع غزة خلال الحرب، تلك الغارات التي كانت تخلف سحبا من الغبار وأعمدة الدخان وأكوام الرماد والركام . استغل ميسرة بارود، وهو المدرس بكلية الفنون الجميلة بجامعة الأزهر في قطاع غزة، تلك المشاهد وحولها للقطات فنية معبرة. استخدم بارود تلك اللقطات ونظر إليها نظرة فنان مبدع استطاع من خلالهاتشكيل سحب وأعمدة الدخان لعمل لوحات تجسد وجوها وأشباحا ووحوشا كالتي تروي في الأساطير والحكايات الخيالية . لعبة حرب شريف إختار لمشروعه اسم "لعبة حرب" ومن خلال مشروعه الطموح الذي يجري بتمويل من منظمة المؤتمر الإسلامي ووكالة الأنروا لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطيين، يحاول المصور الصحفي شريف سرحان استغلال لعب الأطفال البلاستيكية، التي تمثل أسلحة ومعدات عسكرية، في تجسيد مأساة الحرب على القطاع في رؤية فنية خاصة به تعكس حالة الحزن والدمار من جانب، صمود المقاومة والرغبة في إعادة البناء من جانب آخر . شريف إختار لمشروعه هذا إسما بالغ الدلالة وأيضا مغرقا في الرمزية إنه " لعبة حرب". جهاد الغول من نومه مبكرا ويذهب إلى مرسمه