في ختام الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء الداخليّة في مجلس التعاون الخليجي في جدّة أخيراً، لمناقشة الأحداث المتسارعة في اليمن، أكّد الوزراء أنّ أمن اليمن وأمن دول المجلس يُعتبر كلاً لا يتجزّأ، مُحذّرين من أنّ دول مجلس التعاون "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التدخّلات الخارجيّة في اليمن". فهل من احتمال لتدخّل عسكري خليجي في اليمن، كما حصل في البحرين؟ التحذير الخليجي جاء بعد عدم قيام الحوثيّين بتطبيق بنود "المُلحق الأمني" الذي تلا توقيع "اتفاق السلام" في 21 أيلول الماضي، وفي طليعتها رفع المظاهر المُسلّحة من العاصمة اليمنيّة. ومن الضروري التذكير أنّ الحوثيين كانوا قد سيطروا بالقوّة على صنعاء في 20 أيلول الماضي، بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات في البلاد ومن المحاولات الفاشلة لاحتواء الأزمة بالطرق السلمية.
وسبب الانهيار السريع للسلطة في صنعاء يعود إلى تحوّل التظاهرات السلميّة التي قام بها الحوثيّون إلى عمليّات سيطرة مسلّحة على الإدارات الحكومية والرسمية وعلى الثكنات العسكرية، مُستفيدين من دعم مُسلّح تلقّوه من إيران، بحسب اتهامات أكثر من مسؤول يمني رسمي (1)، وكذلك من انهيار دفاعات الوية واسعة من الجيش اليمني. وسبب هذا الانهيار يعود في جانب منه إلى خلافات سنّية- سنيّة، قبل أن تكون سنّية-شيعيّة وإلى خلافات قبليّة- قبليّة أيضاً.
فإذا كان الحوثيّون الشيعة يطالبون بعدم تهميشهم من قبل السُنة وبحقوقهم في السلطة، فإنّ الصراعات الداخلية بين المسؤولين السُنّة بلغت حدّ العداوة المُطلقة. وهذه الصراعات تبدأ برغبة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بالانتقام لإزاحته عن الحُكم (2)، وتمرّ بالصراع بين أنصار ومؤيّدي صالح من جهة والميليشيات القبليّة الموالية لحزب "التجمّع اليمني للإصلاح" المُتشدّد إسلامياً من جهة أخرى، وتصل إلى خشية المملكة العربيّة السعودية من نموّ جماعات موالية لتنظيم "القاعدة" الإرهابي على حدودها.
وقد أدّت كل هذه الأسباب مجتمعة، وغيرها أيضاً، إلى سيطرة الحوثيّين أمنياً على العاصمة اليمنية وعلى مناطق واسعة من البلاد. وأسفر هذا الأمر عن انقلاب كبير في موازين القوى قرب الحدود السعوديّة، مع ما يُشكّله هذا التحوّل من تهديد لمختلف دول الخليج، إضافة إلى تنامي الاحتقان المذهبي، وكذلك الخلاف السياسي السلطوي الإقليمي بين إيران والسعودية.
وتصاعد الحديث أخيراً عن احتمال تكرار "انتفاضة" الحوثيّين في اليمن، والتي نقلت السيطرة على صنعاء من جماعات موالية للسعودية إلى جماعات موالية لإيران، مرّة أخرى في البحرين، بعد فشل المحاولة السابقة، بحيث يبدأ الأمر بتحريك تظاهرات سلمية من جديد، يليها اعتصامات مفتوحة، ثم حركة مُسلّحة.
وإذا كانت جماعة "أنصار الشريعة" الموالية لتنظيم "القاعدة" الإرهابي في اليمن، قد سارعت إلى تنفيذ هجمات دمويّة عدّة ضد الحوثيّين في محاولة للعب على الوتر المذهبي، علماً أن هذه الجماعة هي المسؤولة عن اغتيال بدر الدين الحوثي (3) في العام 2010، فإنّ الدول الخليجية وفي طليعتها السعودية تُخطّط لأبعد بكثير من مجرّد هجمات انتقامية بطابع إرهابي، وتدرس إمكان التدخّل العسكري المباشر في اليمن، على غرار التدخّل السابق في البحرين في العام 2011(4).
ويُمكن القول إنّ إيران تواصل العمل بهدوء ودقّة لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر دعم العديد من المنظّمات الحليفة على امتداد الخليج والمشرق العربي، في مقابل مُواصلة السعودية قيادة حركة مُضادة للحدّ من هذا النفوذ ولمنع انتشاره، علماً أنّ المُشكلة الكبرى التي تواجهها السعودية في هذه المواجهة تتمثّل في صعوبة توفير ما يتطلّبه صراع النفوذ الإقليمي من شدّ عصب مذهبي – عقائدي، من دون السماح بنموّ خطر الجماعات الإسلامية المتشددة والأصولية وحتى الإرهابيّة في كثير من الأحيان.
وهذه الخشية بالتحديد هي التي سمحت للحوثيين بالنفاذ إلى صنعاء من دون مقاومة تُذكر، ما جعل السعودية بين حدّي "نفوذ إيران" المُتنامي حالياً أو "نفوذ القاعدة" الذي ضُرب في الماضي القريب من الجيش اليمني ومن الطائرات الأميركية من دون طيّار، بغطاء سعودي. ولأنّ الخيارين سيئان بالنسبة إلى الرياض، ارتفع الحديث عن خيار ثالث يتمثّل بالتحرك العسكري المباشر في اليمن كما حصل في البحرين، مع فارق كبير أنّ البحرين عضو في مجلس التعاون الخليجي ومرتبطة معه باتفاقات دفاعية وأمنية، بينما لا وجود لهكذا اتفاقات بالنسبة إلى اليمن. فهل تعتمد السعودية الخيار الثالث رغم ذلك؟ وماذا سيكون ردّ الحوثيّين ومن خلفهم إيران، عندها؟
(1) أبرزها إتهام الرئيس اليمني الجديد عبدربه منصور هادي في 7 أيلول 2012، إيران بما أسماه "تغذية العنف" في بلاده، وبدعم جماعة الحوثي.
(2) اليمن كان تأثّر بالأحداث التي ضربت العديد من الدُول العربيّة في السنوات القليلة الماضية، وشهد اضطرابات عدّة اعتبارا من العام 2011، أفضت إلى قيام الرئيس السابق علي عبد الله صالح بتسليم السلطة إلى "المرشح التوافقي" عبدربه منصور هادي، في 25 شباط 2012 ، لكن الأمور لم تهدأ.
(3) بدر الدين بن حسين الحوثي كان أحد أبرز المراجع الفقهية للزيدية، وهو ساهم في تأسيس حزب "الحق اليمني"، وكان الزعيم الروحي لجماعة "أنصار الله" الزيدية المسلّحة المعروفة باسم الحوثيّين.
(4) لقد كان للتدخّل العسكري المباشر السعودي – الخليجي عبر قوات "درع الجزيرة" في البحرين، الأثر المباشر في قمع الانتفاضة الشعبية الشيعيّة التي كانت تتخذ من "دوّار اللؤلؤة" محطة أساسية لها.