ذات يوم وقف معلم الفصل بأسى وعلى وجهة نظرات امتعاض مما سيلقيه اليوم للطلابه . اشار اليهم ان يفتحو صفحة الدرس الذي لم يود ان يتفوه بكلمة منه امام طلابه لانه كان يراه درساً مسموماً لم يكن بيده حيله من القاء الدرس .. وهو يكرر النظر الى اعين طلابه الاولاد وسريعاً ما بدء بقراءة الدرس وسريعاً ما انهاه ولم يوفر على نفسه عناء الشرح والتفصيل .. كنت احد الاولاد الذين تلقو الدرس ولكني حاولت التمعن في مجرياته .. لقد كان الدرس يتحدث ببجاحة عن احتلال الجنوب وسقوط عدن بيد قوى الشرعية وهروب قيادات الحزب الانفصالية عدت الى المنزل وانا افكر مجددا في هذا الدرس وبحثت عمن يشرح لي ما الجنوب ؟ وما هو الشمال ؟وكيف تم احتلالة ؟ وجدت الكثير من الاجابات والتي رسخت صورا لم ارها من قبل في ذاكرتي .. صوراً تتحدث عن دمارا وخراب احدثته سلطات صنعاء الغازية بعدن وصور اخرى لولاءك الذين كانوا يحكمون الجنوب اثناء الحرب .. كيف استطاعو الهروب وترك عدن تواجه مصيرها المحتوم ؟ واي قوة امتلكتها الشماليون عندما استطاعو محو كل شيء يدل على قيام دولة وكيف استطاعو تجميد عقول الجنوبيين فلم يعودو يفكرون بالانفصال عنهم؟ . مرت الايام والشهور والسنين حتى ظهر الحراك الجنوبي والذي سبب امتعاضاً كبيراً لسلطات صنعاء فواجهته بقوة وبجبروت ومع هذا ازدادت شعبية الحراك . اعترف انني رغم تساؤلاتي الكثيرة ورغم الاجابات التي تلقيتها لم اعرف ما لون علم بلادي ولا نشيده ولا اين تنتهي حدوده الا بعد ان ظهر الحراك الجنوبي . في احدى الايام وفي الطابور الصباحي وقف مدير المدرسة ممسكاً المايك قائلاً : والان نبدء بترديد النشيد الوطني وقام بتشغيل المسجله لتعزف الحان النشيد ولكن الهدوء كان يسود كافة الطوابير ولم يردد احد النشيد .. غضب المدير واعاد ماقام به سابقاً ودون جدوى لم يردد احد النشيد ... وازداد غضب المدير وقام باخراج جميع الطلاب الى الشمس لكي يعاقبو على جريمتهم السياسية حسب قوله . مرت الايام والشهور وعادت تلك القيادات التي هربت وتركت عدن اثناء الحرب او قبلها لتنظم لثورة الحراك السلمي ومالبثت ان بثت الشقاق والنفاق والولاءات وجميع الموامرات داخل صفوفه سواء بقصد او بغير قصد . واصبح الحراك الجنوبي عدة مكونات ينقسم كل مكون الى مكونين في اليوم تتبع تيارات واحزاباً مختلفة احياناً ومخترقة احياناً ولم يعد يقدم للجنوب سوى شيئين : مكونات ومليونيات ومن حينها اضعنا الحراك وافقتدنا بساطة انصاره وبشاشة تبسهم لبعض .. متى يرحل عنه اولاءك الذين سلطو وتسلطو عليه ليعيدو لنا حراكاً نظيفاً لا مناطقية ولا احزاب ولا مكونات فيه . واذا لم يعد لنا ذلك الحراك الذي اطلقه البسطاء وعامة الشعب فلن تعود عدن لاهلها ولن ترتسم الابتسامه على وجوه الجميع وسيقف ذاك المعلم الذي شاخ ولم يعط تقاعداً ليكرر الدرس المسموم لطلاب جدد . وسيقف ايضاً المدير ممسكاً المايك ومعلناً بدأ النشيد .. ولكن هنا قد يردد الطلاب النشيد لانهم ملو من الوقوف في الشمس منتظرين قيام دولة لطالما تغنى بمجدها اباءهم. وسنضل للأبد نردد ماقاله الشاعر العراقي احمد مطر : وطن لله يا محسنين !