لم يكد بلاتر يغلق ملف جبل طارق، رافضاً انضمامه كمنتخب جديد إلى «فيفا»، حتى خرجت عليه حكاية شبه جزيرة القرم التي التحقت بعد استفتاء شعبي بروسيا، وهي التابعة سياسياً لأوكرانيا.. فشيخ «فيفا» رفض التحاق جبل طارق بالاتحاد الدولي على رغم قبول الاتحاد الأوروبي بضمه إلى جوقة بلاتيني، والشأن نفسه بالنسبة لمنتخب كوسوفا المحروم من اللعب أوروبياً ودولياً، لاعتبارات سياسية. إن حال التفتت التي بدت عليها خريطة الكرة الأوروبية، بوجود منتخبات هي في الأصل أندية تتبع بطولات بلدان كبرى وخصوصاً إسبانيا، من ذلك منتخبات أندورا وسان مارينو وجبل طارق، وليشتنشتاين الجرمانية، تمنح الشعور بوجود ديموقراطية كروية أوروبية، مع بعض الإقصاء، ولكن هذا لا يعني أن مثل هذا الفتح الواسع لمنتخبات الجزر والأقاليم سيرفع أكثر من مستوى المنافسة القارية، بل هو واجهة لا أكثر. فإذا نظرنا إلى أن أوروبا قبل 20 عاماً لم تكن تضم منتخبات سلوفينيا وليتونيا وليتوانيا وكرواتيا وصربيا والبوسنة وسلوفاكيا وتشيخيا.. إذ إن انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك يوغوسلافيا أنجب كماً هائلاً من المنتخبات الجديدة، فصار اتحاد بلاتيني يجمع الكبار بالصغار على قاعدة «كلكم سواسية». والغريب أن العولمة كلما ضغطت أكثر، تفتت العالم جغرافياً وسياسياً، ولا غرابة أن يضم «فيفا» 204 أعضاء، فيما تضم الأممالمتحدة 174 عضواً، أي أن الكرة أكثر استيعاباً للحس القومي، واستقطاباً لرغبات الشعوب، وهذا من شأنه أحياناً أن يوقع بلاتر في شباك بان كيمون، أو بعض ساسة العالم، مثلما حدث له هذا الأسبوع، حين تفلسف خبراؤه في شأن مونديال روسيا، فعرضوا خريطة روسيا لمناسبة مونديال 2018، معدلة وألحقوا شبه جزيرة القرم بروسيا، بينما ألحقوا الضرر بأوكرانيا التي غضبت من انحياز «فيفا» لموسكو، وكأن بلاتر زكى استفتاء شبه الجزيرة قبل أقل من عام.. فلم يجد السويسري المسكين سوى الاعتذار، وذاك طبعه، عن الخطأ غير المقصود الذي وقعت فيه هيئته، ربما التبس عليه الأمر بين القرم والقدم، فكانت تبعاته سياسية بامتياز، أسعدت بوتين وأغضبت بوروشينكو. إن مونديال روسيا الذي يثير حفيظة الغرب بسبب أوكرانيا، وتهديد عدد من الزعماء بمقاطعة المونديال، وعدم حضور حفلة الافتتاح، والإبقاء على الحرب الباردة قائمة على رغم سقوط جدار برلين، لم يؤثر في خيوط اللعبة الدائرة بين الدب ومطارديه في الغرب، لأنه يعلم أن سلطة «فيفا» اليوم أصبحت أقوى على رغم الفساد والفضائح، ولم تعد السياسة قادرة على تغيير شكل المرمى ولا تغيير عدد لاعبي المباراة، أي أن التهديد بسبب ضم روسيا شبه جزيرة القرم، أو لدعمها بشار الأسد، أو لأشياء أخرى، فإن مونديال روسيا سيتم في موعده، كما تم أولمبياد سوتشي في الشتاء الماضي، مثلما كان الأمر بالنسبة لأولمبياد بكين 2008 حين هدد الغرب بإحراج الصين وإغضاب التنين، إلا أن كلام الليل يمحوه النهار. صورة العلاقة بين السياسة والرياضة اليوم، تختلف عما كانت عليه قبل 40 عاماً، حين قاطع الشرق أولمبياد مونريال 1976 بسبب التمييز العنصري، ورد الغرب بمقاطعة أولمبياد موسكو 1980 بسبب غزو أفغانستان، ثم وضعت الحرب باستعمال الرياضة أوزارها، وأصبح استخدام المواعيد الرياضية الكبرى مجرد ورقة للتخويف، وأسلوباً للتعنيف.. وبينهما يلعب بوتين باستخدام ألاعيب راسبوتين.