تداول المغردون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع يوتيوب لمغنية إسرائيلية تدعى سريت حداد، ومعها مغن إسرائيلي، وهما يغنيان أغنية فريد الأطرش الشهيرة (يا عواذل فلفلوا) بالعبرية، كل التعليقات تمحورت حول أن إسرائيل سرقت أرضاً بحالها فكيف بأغنية عربية، والواقع أن إسرائيل: هذه «الغرغرينا» في جسم الوطن العربي، والمحيط العربي، منذ أن وطئت أقدامها أرض فلسطين، وهي تعيث سرقة في العرب، بدءاً من سرقة الأرض والمأكولات الشعبية الفلسطينية ونسبها إليها، وليس نهاية بسرقة موروثها الشعبي والفلكلوري، ومن ثم التوسع بعد ذلك نحو الموروث العربي في منطقة البحر المتوسط، ولا بأس أيضاً من الانطلاق إلى سرقة الموروث العربي في الجزيرة العربية. ليست هذه الأغنية المصرية الشعبية الوحيدة التي سرقتها إسرائيل، فقد قام مغنون إسرائيليون بسرقة أغاني السيدة أم كلثوم وترجمتها إلى العبرية، مثل المغني زيف يحزقيل الذي اشتهر بأغنية «أمل حياتي»، ثم قامت فرقة إسرائيلية تدعى «توركيز» بسرقة أغاني فيروز وترجمتها للعبرية، وأشهرها على الإطلاق أغنية «سألوني الناس». ولذا يحرص المغنون الإسرائيليون على الغناء في المحيط العربي بين «عرب 48» القاطنين داخل إسرائيل، والدفع بهذه الأغاني ونشرها في المدن الفلسطينية التي ما زالت تحت السيطرة الفلسطينية، بحجة أنهم يحيون الموسيقى الشرقية، وللتطبيع الثقافي معها، حتى يبدو الأمر أنه جاء طبيعياً مع الثقافة نفسها. لم نفكر لماذا تفعل إسرائيل هذا العبث؟ ولماذا تحاول سرقة التراث العربي؟ وما الأسباب التي تجعلها تحارب من أجل ذلك، وتدفع الأموال الطائلة وتسخرها من أجل الحصول على قصة أو أقصوصة، أو حتى جملة مأثورة من التراث الفلسطيني خصوصاً، أو التراث العربي عموماً؟ تسعى إسرائيل جاهدة، وعلى مدى تغلغلها في الأرض الفلسطينية، أن تجد لها جذوراً شرعية لاحتلالها فلسطين، فاليهود جاؤوا إلى فلسطين بلا تراث، وبلا ثقافة، وبلا هوية، فلأجل ذلك استغلوا توافد المهاجرين العرب اليهود إلى إسرائيل، وحاولوا أن يختلسوا من تراثهم العربي، وصبغه بالهوية الإسرائيلية، ليبرروا لأنفسهم أمام العالم الغربي أن على هذه الأرض ثقافتهم، وهويتهم منذ القدم، كما فعلوا مع إحدى الفرق اليمنية اليهودية، التي هاجرت إلى إسرائيل وكونت فرقة من التراث اليمني، سرعان ما رحبت بها إسرائيل لإدراجها ضمن التراث اليهودي العبري، كذلك أيضاً فعلوا مع التراث الفني العراقي، عن طريق اليهود العراقيين الذين هاجروا إليها.
يعرف الإسرائيليون جيدا أهمية الثقافة، وما لها من دور، فقد حاولوا إدراج أشعار محمود درويش وسميح القاسم ضمن المناهج الإسرائيلية، لولا اعتراض الكنيست الإسرائيلي، ومع ذلك فهم يقرأون هذه القصائد للشعراء الفلسطينيين، في ملتقياتهم الثقافية، وبرامجهم الثقافية، ومحاولة صبغها بالشعر العبري بعد ترجمتها، وحاولوا كثيراً تطبيع العلاقة مع هؤلاء الشعراء الذين ربما أحسوا بخطرهم الثقافي، فهم، وإن تعايش البعض معهم، إلا أنهم ظلوا مخلصين لقضيتهم الفلسطينية، فلم يستجيبوا لمشروعهم التطبيعي.
سجَّلت إسرائيل الكثير من الآثار والفولكلور الفلسطيني في منظمة «يونيسكو» باسمها، ولم تكتف بذلك، بل تجاوزته إلى سرقة الكثير من الآثار العراقية والسورية عبر منطقة الجولان المحتلة، لتقدم للعالم الغربي أدلة تؤكد وجودها التاريخي وامتداده إلى العراق، وهي في كل محاولاتها هذه تتخبط؛ بحثاً عن هوية تاريخية تشرعن وجودها في فلسطين وفي المنطقة العربية، وقد ظهرت الكثير من البحوث والدراسات المصرية التي تحذِّر من سرقات إسرائيل للتراث العربي، والمصري خصوصاً، وهو ما يحتم على العرب جميعاً ضرورة المحافظة على تراثهم والتشبث به وعدم الالتفات لصيحات المتشددين من المسلمين بإهماله، فهم يقدمون خدمة مجانية لإسرائيل.