في حفل مهيب اقامته المنظمة الاممية يوم 9سبتمبر الماضي تم تكريم امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح كقائد للعمل الانساني ، وتسمية دولة الكويت مركزا إنسانيا عالميا ، فيكفي هنا الاشارة الى ما قاله الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون وهو يمنح شهادة المنظمة لأمير الكويت إذ قال " ان جهود امير دولة الكويت مكنت الاممالمتحدة من مواجهة ما شهده العالم من معاناة وحروب وكوارث في الاعوام الماضية ، وانه مقابل حالات الموت والفوضى التي شهدها العالم ، شاهدنا مظاهر كرم وإنسانية من قبل جيران سورية قادتها الكويت اميرا وشعبا ". لم أكتب غير ما اعتبرته حقاً وواجباً تجاه دولة الكويت وشعبها الشقيف العزيز الجميل الكريم . تعليق بسيط دونته على صفحة مكتبة " الخالدية " الالكترونية المعنية بنشر المعرفة وفي مختلف صنوفها الفكرية والادبية والتاريخية والدينية والسياسية والتراثية وسواها من المجالات . فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله ، وحسبي انني أثنيت على من يستحقه ، كيف لا وهذه الدولة الصغيرة في جغرافيتها اعدها أكبر واعظم من امبراطوريات انكلترا وفرنسا وتركيا وحتى امريكا المتبخترة المتغطرسة الآن بقوتها وجبروتها . نعم .. ففي الزمن الذي وصلت فيه كتائب الامبراطورية البريطانية الى قريتي النائية القفرة إلَّا من هياكل آدمية تفتك بها الامراض السارية والجهل والفقر كان لهذه الدولة التي لا تكاد ترى مساحتها في خريطة العالم شأن أخر يغنيها عن الكلام والوجود وبذات المنطق العسكري المتعجرف ؛فأول شيء فعلته الكويت تجسد بمدرسة ومستشفى ريفي مازال الى يومنا المنشأة الصحية الحكومية الرئيسة والحيوية وفي محافظة تجاوز سكانها اليوم سكان دولة الكويت المشيدة لهذا الصرح الانساني مطلع ستينات القرن المنصرم . إما صاحبكم كاتب هذه السطور فمن حسن حظه ان مجيئة للحياة تزامن مع افتتاح المستشفى في هزيع الستينات كما وقدر له اتمام تعليمه الثانوي في مدرسة اقامتها أيضا دولة الكويت بداية الثمانينات . قبل ذلك بالطبع كانت الكويت قد شيدت مدرسة أساسية نهاية الاربعينيات ، ثلاث منشآت حيوية وفي ذات المدينة وفي مساحة لا تتعدى ثلاثة كيلو متر . ربما بعضكم يجهل حجم الدعم والمساندة الكويتية ، فهذه ثورة اكتوبر المجيدة 14 أكتوبر 1963م ورجالها وحتى فكرتها التي كان مستهلها وذخرها دولة الكويت الحاضنة لشتات الاحرار العرب المنفيين قسرا ، الباحثين فاقة للحرية والكرامة والحلم . فمثلما مثَّلت الكويت ملاذا للكثير من الثائرين في حقبة الخمسينات والستينات بقت كدأبها موطن للخير والسلام والمحبة والمعرفة والثقافة والتنوير . فهذه جمهورية جنوباليمن الحاملة على عاتقها مسألة تحرير الجزيرة والخليج ؛ بل والعالم عامة ، تجد ذاتها الغضة الفتية الثائرة في شبه عزلة تامة وفي قطيعة مع جوارها ومحيطها ، فبأستثناء الكويت الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تقطع حبل الود يوما مع هذه الدولة الشقيقة المارقة بنظامها الثوري المتطرف جدا بخطابه وادبياته وادواته حيال اشقائه الذين لا يرى فيهم غير التبعية والموالاة لامريكا واوروبا الرأسمالية . في عهد الدولتين احتربا اليمنيون مرتين ، المرة الاخيرة كان انحياز الاشقاء في معظمه موجه لدعم طرف بعينه وبذريعة مواجهة الزحف الشيوعي المتوغل في مناطق صنفت وقتها كموطئ ذائد عن حياض الاسلام ، ومع تلكم الاوقات العصيبة وتلكم القطيعة المفروضة على النظام الثوري المغالي بشعاراته وعلاقاته احتفظت الكويت لنفسها بعلاقة طيبة مع النظام في الجنوب ، فلم تذهب الكويت مذهب معظم دول الخليج والعراق ولطرف وحرب وقودها في المحصلة أخوة ويمنيين ، هذه الصلة مكنتها من وقف نزيف الدم واخماد نيران الحرب الدائرة . لفتى غض مثلي احفظ للكويت رعايتها لذاك الاتفاق التاريخي الموقف للحرب اللعينة الحاصدة لكل شيء ، صورة الكويت ماثلة في ذهني كلقاء رعاه الامير الراحل جابر الصباح الذي لم يكتف بتوقيع الطرفين على وقف المعركة وإنما تعدى مسعاه الى الاتفاق على مسائل هامة تتعلق بمستقبل اليمنيين . نعم مستشفى ومدرستان ووقف حرب ورابعهما مجلة " العربي " فهذه المجلة القيمة بمادتها وقضاياها ، المتنوعة والشاملة برسالتها وتوزيعها وحتى كلفتها اليسيرة باتت ومازالت مجلة العرب الاولى ودونما منازع وبعيد عقود نيفت الستة . صحيح ان دوام الحال من المحال ، ومع صحة القول يبدو اننا إزاء حالة استثناء لا تتورع عن التجدد والتكيف والتغيير وبما يمكنها من الاستمرار في اداء رسالتها التنويرية ذات التأثير الكبير والهائل والنافذ ايضا الى اعماق المجتمعات العربية المتخلفة قرونا عن ركب النهضة والتنمية والتطور . شكرا لدولة الكويت ، شكرا لشعبها ، هنيئا للامير هذا التكريم الرفيع وهنيئا للاشقاء هذه المكانة المتربعة قلوبنا وعقولنا كاناس أثرت وأثرت فيهم هذه الدولة الهامشية بمساحتها وكثافتها ، العظيمة بدورها وفعلها الانساني الحضاري . شكرا لمجلة العرب الاولى " العربي " ، وشكرا لمكتبة " الخالدية " والقائمين عليها الذين بكل تأكيد لهم فضل كبير في هذه التناولة المتواضعة تجاه الكويت شعبا ودولة وقادة . لمن اراد التواصل مع مكتبة الخالدية المعنية بنشر سلسلة من الكتب القيمة والمفيدة فهذا رابطها الالكتروني : http://www.khaldia-library.com/ .