كثر الكلام والنقاش السجالي حول توحيد مكونات الحراك سواءً على مستوى المادة المكتوبة ، أو على مستوى النقاشات الشفاهية بين الناس . وقد زادت حدة هذه النقاشات بعد 30 من نوفمبر المنصرم . كل ذلك يجري اليوم كما كان بالأمس تحت تصور بأنه الشرط الضروري لكي يتعاطى المجتمع الإقليمي والدولي بإيجابية تجاه خيارات شعب الجنوب في التحرير والاستقلال واستعادة الدولة . وهو تصور واهم بامتياز ، وقد سوق ذلك الطرح في البدء جمال بنعمر وفريقه الدولي كي يبرروا تحييدهم للقوى الفاعلة على الأرض ، لتعارض طرحها مع التخريجة المكلف بإخراجها ، مع عدم إنكاري بالطبع حلم كثير من الناس في الجنوب في تحقيق مثل ذلك الأمر كونه سيعزز من دور الحراك في تحقيق أهدافه . لكن أن يتحول إلى هوس حتى عند كثير من النخب السياسية ، بعد أن شحنوا به عقول العامة ، فهذا أمر يحتاج إلى مراجعة . أقول ذلك حتى لا نبقى حبيسين ذلك الرهان الافتراضي . لأن القاعدة العامة في نضال حركات التحرر الوطني هو تعدد مكوناتها ، لا وحدتها . ولكن حتى مع كثرة عددها في الحالة الجنوبية التي تتجاوز المعقول . فان المقياس الحقيقي للمكون هو حضوره على الأرض ، ويعرف المجتمع الإقليمي و الدولي من هم الفاعلين على الأرض والممثلين لقطاع واسع من شعب الجنوب على الأقل كما يبدو في الظاهر ، ولكنهم يغضون الطرف عنهم ، وعوضاً عنه يلهون الناس بسراب التوحد . ومع ذلك فلا باس أن من إعادة اصطفاف المكونات من خلال اندماج كل مجموعة فيما بينها بحيث يتحول هذا الكم إلى عدد محدود . وهي حالة صحية نتمنى أن تحدث . ومن هذا المنطلق فأن على ناشطي الحراك أن يغادروا ذلك الطموح الواهم . وان يتجهوا نحو طرح أسئلة الحاضر والمستقبل . فالحراك من حيث هو حركة نضالية ثورية فشهره ثلاثين (ثلاثون) كما يقول المثل ، وسيسجل التاريخ بأحرف من نور ذلك المشهد النضالي الذي سطره بدماء شهدائه . ولكننا أصبحنا اليوم إزاء تحديات جديدة ولعل أهمها التجاهل الإقليمي والعربي والدولي لتطلعات أبناء الجنوب ، مع كل ما يعتمل في الساحة الجنوبية من زخم نضالي سمعه القاصي والداني . لأن ما يحكم عالم اليوم هي قيم الرأسمالية ، والمؤسسة على المصلحة والقوة لا على الأخلاق . وقد عبر الكاتب عيدروس النقيب على هذا المبدأ في مقال له بعنوان رسالة للأخ البيض ، جاء فيه ليس كافياً أن تكون صاحب حقاً حتى يستمع لك العالم ، بل ينبغي أن يرافق الحق القوة حتى يستمعوا إليك . وعليه فنحن أمام لحظة تاريخية مفصلية فالرهان على الانحياز الإقليمي والدولي الرسمي لمساندتنا يبدو ضعيفاً ، والخوف أن يُستغل ضغط الحراك من قبل طرف إقليمي للابتزاز السياسي .. هو خوف مشروع ، وقد نبه إلية محلل جنوبي . كما وأن هناك مسار آخر يطبخ على نار هادئة وهو فيدرالية من إقليمين ، ودستور شبه مُنجز في نسخته الأولى ، وهشاشة مروعة للوضع السياسي والاقتصادي والأمني ، وهي هشاشة وصفها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الزياني بالكارثي . كل ذلك يجري أمامنا بدون ضبابية ، ويتطلب أن نعد أنفسنا لمواجهة القادم . أما من يقول بأن ذلك لا يعنينا ، فهو قول لا ينم عن حصافة لا ثورية ولا سياسية . ثم إن زخم الميادين ليس مخزون لا نهائي ، فهو يحتاج إلى تجديد كي يستمر ، ولن يجدده غير نور في نهاية النفق وإن كان بصيصاً ، وأقصد بذلك النور أشكالاً جديدة من النضال السلمي ، أو تطوير للأشكال القديمة بحيث تٌحسسهم على الأقل بنجاعتها النسبية . أما التحرك وفق النهج الدائري في المسار النضالي ، فهو تحرك غير منتج حتى من منظور الحفاظ على وهج ذلك الزخم . لأن الزخم في الأخير هو تعبير سيكو-اجتماعي ، وتبعاً لذلك فهو حالة متحركة ، وليست ثابتة كما قد يظن البعض . صحيح إن التحديات ليست بالهينة ، ولكن التهيئة لمواجهة التحدي القادم . هو ما ينبغي أن يتوجه إليه الجهد . لا الاستغراق في نقاشات غير مجدية . وهو استغراق تحول إلى هم أستبد بأذهان الكثيرين .