لم أشعر بالقبضة الأمنية لجماعة الحوثي على مفاصل الدولة والحياة العامة، مثلما شعرت بها يوم ذكرى مولد النبي، صلوات الله وسلامه عليه، حيث استعرض فيه الحوثيون قوتهم وقدرتهم على قطع الشوارع وتعطيل الحياة والمصالح العامة. ظهر شارع الستين، أكبر شوارع العاصمة صنعاء، خالياً من أية حركة، وتحمل ناس كثيرون مشقة التنقل داخل العاصمة على أقدامهم، لقضاء حوائجهم. احتجب آخرون، وبالأصح حوصروا في منازلهم، مجبرين على متابعة قناة المسيرة وبرامج الاحتفال وكلمة عبد الملك بدر الدين الحوثي. ما حدث جعلني أتذكر أحاديث المهتمين بالشأن العراقي، في فترة حكم الرئيس صدام حسين وسلطته الدكتاتورية، حين كان يُجبر الناس على سماع "كلمة الرئيس"، بإيقاف حركة الشوارع وغيرها من الممارسات، التي مارسها الحوثي السبت الماضي. أعتقد أن الديمقراطية التي عشناها منذ ولادتها في اليمن ليست واردة في قاموس أصحاب القرار في جماعة الحوثي، الذي سيدخل معركته المقبلة، بعد أن انتصر على كل خصومه في معاركه مع الديمقراطية، وسيحكمنا بقانون أشبه بقوانين الطوارئ، ولا سيما أن الدستور الجديد لا يزال يطبخ في أبوظبي، مع رئيس لجنة صياغة الدستور، المعروف بدعمه جماعة الحوثي، في ظل غياب الكفاءات من أساتذة القانون في هذه اللجنة. حتى وإن خرج الدستور الجديد بنصوص واضحة، تؤسس للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فإن لدى جماعة الحوثي القوة والقدرة على أن ترمي هذا الدستور خلف الأسوار، كما فعلت بمخرجات الحوار الوطني التي ستعود إليها بعد ترسيخ قبضتها الأمنية، وتحديد وتخويف خصومها السياسيين، أو الحقوقيين، وحتى الكتاب والصحافيين. ما يعزز القبضة الأمنية لجماعة الحوثي، وبروز ذلك بقوة، السبت الماضي، هو استخدامها إمكانات الدولة، بما في ذلك استخدام الطائرات المروحية التي حلقت، وبشكل مكثف، في سماء العاصمة صنعاء. الانتصارات التي حققتها جماعة الحوثي صنعت لها هيبة مخيفة لدى المواطن اليمني، لكن الأعمال العدائية، والتي يمكن وصفها بالهمجية التي مارسها حوثيون ضد مواطنين، أخافت يمنيين كثيرين، في ظل غياب الرادع وهيمنة الجماعة على الأرض. وأصبح المساس بالحوثي لدى بعضهم هو نفسه مع شخص الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، في فترة حكمه.