كانت المبادرة الخليجية بشأن اليمن عملاً دبلوماسياً شاقاً ومشروعاً سياسياً استراتيجياً ناجحاً، لكنه لم يكن كذلك في واقع الأمر بالنسبة لبعض الأطراف اليمنية التي لم تكن ترى فيه سوى هدنة لالتقاط الأنفاس وهذا الطرف هو الدولة اليمنية الحقيقية أو بالأصح الدولة "الصالحية" نسبة لعلي عبدالله صالح الذي استطاع بدهاء أن ينال حصانة تمنع من ملاحقته إن هو تنازل عن السلطة في اليمن وكان له ما أراد وكان هذا هو الخطأ الاستراتيجي للمبادرة الخليجية. بالأمس كان وزراء مجلس التعاون الخليجيون يعقدون اجتماعهم الاستثنائي في قاعدة الرياض الجوية، وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يعقد اجتماعاً مع مندوبي الحوثي، وفي هذه اللحظة خلص الخليجيون إلى بيان يدين الانقلاب الحاصل في اليمن، وفي ذات الوقت خرج بيان يتحدث عن اتفاق بين جماعة "أنصار الله" الحوثية والرئاسة اليمنية ولجنة مأرب. هذا المشهد يمثل حالة الالتباس والارتباك التي يعيشها اليمن ومعه دول الخليج.
ماذا يمكن أن تفعل دول الخليج مع الوضع الحالي في اليمن؟
يبدو أن دول المجلس تعاني من قلة بدائل وأن خياراتها محدودة لمواجهة حالة التردي السياسي في اليمن، لأن اللاعب الرئيسي في هذا المشهد المعقد فصيلان لا تتواصل معهما دول الخليج، وهما الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي فقد ثقة مسؤولي الخليج بعد أن تبين لهم أنه يراوغ وغير جاد في التعامل بإيجابية مع الموقف السياسي اليمني الحرج، والفصيل الآخر هو "الحوثي" والذي وضعته دول الخليج على قوائمها الإرهابية، وبالتالي ستجد حرجاً بالغاً في التعاطي العلني على الأقل مع هذا المكون.
وما صدر عن دول الخليج مساء أول من أمس، واشتراطها انسحاب "الحوثي" من المواقع التي احتلها لكي تقوم دول الخليج باستكمال بنود مبادرتها هو لعب في الوقت الضائع، لأن المبادرة أسقطت من قبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي وقع عليها وفي نيته نقضها ومن قِبل "الحوثي" الذي لم يوقع عليها وشاركهم في ذلك عبد ربه منصور الرئيس الحالي الذي وقع اتفاق السلم والشراكة في سبتمبر الماضي وألغى بذلك المبادرة الخليجية.
وعلى الرغم من أن دول الخليج مدفوعة بإحساسها بالخطر المحدق بها جراء صعود جماعة الحوثي إلى الواجهة السياسية لليمن وهو ما تعده أمراً خطيراً نظراً للرعاية التي يتلقاها من إيران وبشكل واضح ومعلن وهو أمر تراه بالغ الخطورة وجالباً للقلق وعدم الاستقرار لمحيطها، ترى دول المجلس تدخلها في الشأن اليمني حفاظاً لمصالحها ورغبة من قبل بعض الأطراف في اليمن وكذلك هو رغبة دولية، إلا أنها لا تستطيع فرض الحلول وهو ما يجعلها تقف اليوم موقفاً لا تحسد عليه.
لذا فإن دول الخليج اليوم وفي ظل هذا المشهد السياسي المنذر بالخطر ليس أمامها إلا الدفع باتجاه انتزاع قرار دولي ملزم تحت الفصل السابع لإعادة الوضع الى ما قبل 20 يناير، وأن لا ترهن مواقفها إلى أي شخصية يمنية أو حتى إلى المبعوث الأممي جمال بن عمر، وأن تذهب في اتجاه توظيف نفوذها مع الفاعلين الدوليين من أجل لجم التدخلات الخارجية غير البناءة والتي تهدد أمنها الوطني.