قال مراقبون إن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي بدأت أمس إلى السعودية تدخل في سياق سعيه للخروج من ورطته الإقليمية أكثر منها انفتاحا سعوديا على السياسة التركية. ويراهن الرئيس التركي على التغيير الذي حصل في المملكة وتسلّم الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم لاستبدال حالة الغضب من دور بلاده في الملفات الإقليمية، لكن المراقبين يستبعدون أن تحدث هذه الزيارة أيّ اختراق خاصة أن العاهل السعودي الجديد سبق أن أكد أن سياسات المملكة لا تتغير بتغير الأشخاص، وأنها تحتكم إلى الثوابت نفسها في التعاطي مع ملفات المنطقة. وسيجد أردوغان الكثير من الملفات المفتوحة قد سبقته إلى المملكة التي تستمر زيارته لها ثلاثة أيام، بينها العداء لمصر، والعلاقة المثيرة للشكوك التي تربط أنقرة بالتنظيمات المتشددة. وتثار كل علامات الاستفهام الآن عن الدور التركي في المنطقة، ولا تقف التساؤلات عند حدود الدول الإقليمية بل أصبحت سياسات أنقرة تثير الريبة والشك لدى شركاء في حلف الناتو، وارتفعت دعوات غربية تطالب أردوغان بأن يقرر ما إذا كانت بلاده حليفا أم عدوا للغرب. وازدادت حدة التساؤلات بعد نقل ضريح جد مؤسس الدولة العثمانية “سليمان شاه” من أراض سورية، دون أن تصطدم القوات التركية التي تولت العملية بعناصر تنظيم الدولة الإسلامية. وكان داعش احتجز في يونيو الماضي 46 تركيا يعملون في القنصلية التركية بالموصل، ثم أفرج عنهم فيما دأب على التنكيل بأسرى الدول الأخرى قبل إعدامهم بأساليب مرعبة. ولاحظ المراقبون أنه وبعد أن كانت تركيا تضع نفسها على مسافات متساوية من مختلف الدول، تجد نفسها الآن منبوذة من دول الإقليم والاتحاد الأوروبي وحتى إسرائيل بسبب سياسات أردوغان الذي بحث عن المجد الشخصي على حساب مصالح الأتراك. ولم يقم أردوغان، المغرم بتقمص دور السلطان العثماني، بحساب مصالح تركيا مع دول الخليج في الهجمات المتكررة على مصر وقيادتها السياسية واحتضان جماعة الإخوان المسلمين المصنفة كمنظمة إرهابية في أكثر من بلد خليجي، وهو الملف مثار الخلاف مع قطر خلال السنتين الماضيتين. لكن الرئيس التركي واصل استضافة قيادات إخوانية مصرية، وفتح الأبواب أمام مؤتمرات التنظيم الدولي للإخوان التي يتم فيها التخطيط والدعم لأعمال العنف التي تجري في بعض المدن المصرية. وفتحت تركيا المجال أمام الفضائيات الإخوانية للبث وفبركة التسريبات حول الرئيس المصري لضرب علاقته مع دول الخليج. وقامت دول عدة بسحب استثماراتها من تركيا، وبدلا من تدفق السياح، صار هناك تدفق كبير للاجئين من أزمات ساهمت القيادة التركية في تعميقها ومنع الوصول إلى حلّ فيها مثلما هو الحال مع الأزمة السورية بسبب العداء الشخصي لأردوغان تجاه بشار الأسد، رغم أن الأسد هو الذي أعاد تقديم تركيا للمنطقة في مرحلة صداقته الشخصية مع أردوغان. واحترقت الأوراق التي راهن عليها الرئيس التركي ليبدو شخصية مؤثرة في المنطقة، فقد بارت بضاعة الإخوان الذين عمل على ترويضهم ومقايضة الأميركيين بورقتهم. ولم تعد شعارات أردوغان عن غزة تغري أحدا حتى جماعة حماس، فقد انطفأ بريق تلك الشعارات ولم يحصل الغزاويون على شيء من “السلطان” الذي يلعن إسرائيل في العلن ويرفّع في نسق التعاون العسكري والاقتصادي معها في السر. ولا يمكن للرئيس التركي التعويل على العلاقة مع قطر التي لن تساهم في فك أزمته بأكثر من الحصة التي تمنحها الدوحة لمصالحها في تركيا والتي لا تقارن أبدا بعلاقات قطر الاقتصادية مع أوروبا والولايات المتحدة. وفي ظل احتراق كل الأوراق التي راهن عليها، بقيت السلعة الوحيدة بيد أردوغان هي الموقف من إيران والتسويق لفكرة الساتر السني لمنع التمدد الإيراني، وهي فكرة يريد التسلل عبرها إلى النادي الخليجي الذي بدأ يتحرك لمواجهة نفوذ طهران في المنطقة خاصة بعد سيطرة ميليشيا الحوثيين على صنعاء. ولكن الورقة الإيرانية التي يراهن أردوغان عليها لإعادة الاندماج في محيطه السني مشكوك فيها لأن العلاقات التركية البينية مع إيران في وضع مستقر ولم تتأثر أبدا، وهو ما تكشف عنه الزيارات المستمرة بين مسؤولي البلدين.