عندما لا نقدِّر عواقب الأمور ونستمر في كل شيئ، حتى نصل إلى ما لا يحمد عقباه، ونجعل القارب يغرق بالجميع بالانحراف والسير في تصميم وتحجر لا يقبل الآخر، وهنا يتضح مدى حالة بالعناد السياسي الذي تبديه جميع القوى السياسية في البلد على اختلاف تموضعهم ونشاطهم، سواء أكان في الساحات أو في الأروقة والمجالس السياسية، دون أن نعي أن إطالة عمر الأزمة بتجييش الحشود هنا وهناك، وتجسيد الفرقة والتبعية التي لن تكون في صالح المناخ السياسي الذي يضمن تنفيذ مخرجات الحوار الوطني فيما بعد والمضي في التطلع إلى بناء الدولة الحديثة ذات المؤسسات والقانون التي تضمن الحياة الكريمة للمواطن اليمني شمالاً وجنوباً، ولتثبيت الاستقرار الاقتصادي والأمني، خصوصاً والمواطن اليمني أصبح في حالة يرثى لها بعد انتشار كل أنواع التشرد والقهر والفقر وعدم الأمان في معظم مناطق اليمن، وحري بالقوى السياسية أن تخطو خطوات إيجابية في حل هذه الأزمة بروح متعالية عن التمسك بالتوجهات السياسية الأيديولوجية والمصالح الضيقة، وأن تعي أن تجييش المواطنين واستقطاب واستعطاف الفرقاء السياسيين لن يساهم بأي حال من الأحوال في الاستقرار السياسي ونزع فتيل الحرب الأهلية . هنا تتجلى حكمة اليمنيين في خوض هذه المرحلة بقلوب صادقة وراجحة يتخلص فيها السياسيون من الأنانية والشللية والمناطقية والطائفية والمصالح الخاصة، ويكفي عبثاً بأرواح الناس ومصيرهم، الذي لا بد من استدراك خطورة المرحلة بكل أشكالها ونتائجها الوخيمة، التي ستأتي على الجميع دون استثناء أو انتصار فصيل سياسي على الآخر مهما بلغ من قوة، لأن التعايش السلمي والأهلي الذي مر عليه قرون عديدة، قد ترك قواعد أساسية ومتينة على الكل أن يجعلها مرجعية لا تخترقها أية بدع أو تصرفات دخيلة على المجتمع اليمني برزت فيه كل هذه الظواهر التي أتت على كل شيئ جميل في حياتنا، وأثارت النعرات وجندت الطاقات في اتجاهات خاطئة اكتوى فيها الشعب اليمني رغم استفادة القليل من القيادات العتيقة التي تجمع بين السلطة والثروة وبناء امبراطوريات يتبعها كثير من الحاشية، غير مبالية بعواقب الأمور، وطالما أن هناك تأييد إقليمي ودولي لقيادة البلد، فإن الوقت قد آن لصدور قرارات صائبة تنبع من المصلحة الوطنية، وبلا ارتهان سواء بالقوى السياسية في الساحات أو التي تدعي باصطفافها الوطني، لأن العبرة أن يخرج البلد إلى بر الأمان، لأن المرحلة لا تتطلب المراهنة والمجابهة بالحذق السياسي، الذي لا يجدي نفعاً في هذا الوقت . وبما أن الأمور قد وصلت إلى هكذا وضع سيئ، يتحتم على كل القوى السياسية أن تقتنع في سياستها بأن الحوار هو سمة هذا العصر، لأن المرحلة لا تستدعي نشوب أي حرب أو صدام في أي منطقة كانت، ولعل كثيراً من الحوادث التي تحدث هنا وهناك قد تركت آثاراً اجتماعية ومادية، ما زالت مآسيها ونتائجها الوخيمة تفتك بكثير من المواطنين وأفرزت النساء الأرامل والأمهات الثكالى والأطفال اليتّم، الذين كانوا ضحية لتلك الحروب القذرة، التي جاءت على الأخضر واليابس، وأصبح الشرخ الاجتماعي بحاجة إلى معالجته دون الهرولة وزيادة المحن والتشرد والحرمان، الذي تشكو منه كثير من مناطق اليمن شمالاً وجنوباً، وجاءت المرحلة الفارقة والمهمة للعمل بالضمير السياسي المجرد من الولاءات والمصالح الضيقة، التي لا تخدم أي شريحة في المجتمع، وستكون القوى التقليدية هي المستفيدة من أي تدهور للوضع السياسي، وسيحل بظلاله على الكل دون استثناء .. فهل آن الأوان للقوى الشابة الثورية من مختلف الأحزاب السياسية أن تثور على قياداتها العتيقة، وتخرج من عباءتها وتقليدها السياسي، وتثبت بخطواتها أنها تتطلع إلى الشراكة السياسية لمستقبل اليمن شمالاً وجنوباً، ويكفي عبثاً أيها السياسيون في البلد، وما هكذا يا سعد تورد الإبل .