تتسابق الاقلام لكتابة التعازي والتنديدات، والقلب مفتوحا لمزيد من الآلام والاحزان ،نستقبل الفجائع واحدة تلو الاخرى ،والعيون ما تزال مليئة بدموع حارقة يبدو انها لن تنضب قريبا. (1) أنهت من تجهيز صغيرها الذي سيذهب لأول مرة لصلاة الجمعة، الثوب الشعبي الجميل والشال الصغير على كتفيه والجنبية الصغيرة التي اشتراها له والده خصيصا لهذا اليوم. تأملته مبتسمه قائله له: ها قد كبر ملاكي وسيذهب للجامع لصلاة الجمعة.. ادركت لاحقا بأن هذا الملاك لن يكبر مجددا حيث ذهب للملائكة مبتسما.. اما هي فما تزال في حوش المنزل تنتظره ليخبرها بكلمات بريئة ماذا قال خطيب الجمعة. (2) للجمعة طقوس خاصة جدا، من الصباح الباكر وهي كخلية نحل لا تتوقف عن العمل تجهز المنزل وتبخره وتصنع ألذ المأكولات لأبنائها وبناتها فهذا اليوم سيجتمع الاولاد مع اصهرتهم وابناءهم ويحتفلون بعيد الام الذي سيكون غدا. شهرا كامل لم تلتق بأحد ابنائها كونه كان خارج العاصمة واليوم صنعت له(المهلبية) الرمضانية التي يحب ونثرت فوقها المكسرات انتظرت طويلا وما ان طرق باب المنزل هرعت لتجد بناتها الثلاث و زوجات الأبناء .. الرجال والأولاد الصغار تركونا نكمل الطريق الى المنزل ليحلقوا صلاة الجمعة.. ليتهم لم يلحقوا صلاة الجمعة.. كل الطقوس وكل التفاصيل وكل الألوان باهتة الان.. لم ينجو سوى احدهم ولكنه جريح وحالته خطرة.. من غير الممكن ان تكون هذه هدية عيد الام التي وعدوها بها ولا هذا هو الاحتفال الأسطوري الذي خططوا له.. لا تريد هدايا ولا احتفال تريد فقط ان تزلزل عرش الرحمن بدعاء رحمة بالبلاد و رأفة بالعباد و أن ينتقم المنتقم الجبار لكل ام و ابنة وزوجة ..ما تزال تتمتم بدعواتها التي ما تزال تصدح في سماء اليمن. (3) بعد خلاف استمر شهورا أعادوا إليه زوجته وابنه الصغير ..ولكن من يعيد اليها زوجها وابنها الصغير بعد البعد كل هذه الشهور.. تتوحد القلوب في ألمها، يصبح الحزن كريما حد البذخ وهو يلوكنا بين رحى سياسة قذرة وطائفية أقذر .. من يمنحها عمرا اخر تستعيد فيه زوج رحل و صغيرا رافقه دونما اي اكتراث لما سيحدث لها بعدهما.. من يكترث لهذه التفاصيل المؤلمة..؟ إنما يكترثون لمصالح و أهداف خاصة ولا يكترثون لدموع الوطن. (4) احترق قلبه شوقا إليها فقرر ان يصلي الجمعة ثم يذهب للغداء معها.. هاتفها وقت اذان الظهر يخبرها بأنه مشتاق لها جدا وسيأتيها عقب صلاة الجمعة.. انتظرته ولكنه لم يأتِ.. كانت وسائل الاعلام قاسية في نقل الأخبار عن انفجار في المسجدين وعدد الضحايا، هي هكذا دائما القنوات الإخبارية لا تتأنى في نقل الأخبار رأفة في ذوي الضحايا.. علمت من التلفزيون ان ولدها غادرها دون رجعة، لعنة الشوق الذي دفع به اليها هذه الجمعة دون اي جمعة اخرى. (5) انتظرت اتصاله عقب الصلاة ككل جمعة، ولكنه لم يتصل وهي انشغلت بأخبار تفجير مسجدين بصنعاء.. انتظرت اتصاله لتخبره بالحدث المفجع وعدد الضحايا و لكنه لم يتصل. كانت تتصل وهاتفه مغلق ظل القلق ينهش فيها والوقت يمر بطيئا مقيتا، وكلما حاولت ان تجد له عذرا أتاها ابليس بمائة مصيبة، لم ينته اليوم الا وقد علمت بأمر قتل الجنود في حوط لحج حيث ولدها.. علمت وأيقنت ان من لم يموت في المسجد سيموت في مقر عمله فالإرهاب لا يكترث بالأماكن البتة. (6) حكايات يمنية مؤلمة ..فالأم تغسل ثوب ولدها وتلبسه إياه وتعطره وكأنها تغسله وتكفنه وترسله ليموت، ترسله وهي لا تعلم بانه لن يعود.. ربما لو علمت لمنعته من الذهاب و ربما من الصلاة، ربما لكانت ملئت عيناها منه ولم ترمش وهي تحفظ تفاصيل وجهه . يالله يا واحد يا احد يا فرد يا صمد وحد قلوب اليمنيين في المحبة كما وحدتها في الحزن والالم .يالله صبر قلوب الأمهات و الآباء والأبناء والزوجات .. يا الله ارحم اليمنيين واحفظهم ربِ كن بهذا الشعب رحيما فالألم والحزن قد تكاثر عليه كما تكاثر عليه الأعداء من الداخل والخارج انك على كل شيئا قدير.