بالقرب من جسر صغير يربط مدينة البريقة النفطية بعدن بالمناطق الأخرى في عدن يقف 3 من المقاتلين يرتدون ملابس تقليدية ويحملون أسلحة متوسطة وخفيفة . ينظر احدهم صوب الطريق الواصلة إلى مدينة الشعب ومن ثم المنصورة والشيخ عثمان حيث يجاهد المئات من المقاتلين لأجل وقف تقدم القوات الموالية للحوثيين وصالح بمناطق دار سعد والشيخ . في اليوم ال15 من بدء الحرب في عدن لاتزال مناطق كثيرة في عدن آمنة وبعيدة عن أي سيطرة أو حضور لمقاتلي صالح والحوثيين الذي توغلوا في المدينة قبل أسابيع . في الطريق الرابطة بين البريقة والمنصورة تستوقفك 6 نقاط ينتشر حولها العشرات من المسلحين الذي يحملون أسلحة متنوعة ومختلفة . دفعت الحرب الدائرة بالمئات من الأشخاص إلى الخروج إلى الشوارع ونصب نقاط تفتيش والاشتباك مع القوات الموالية للحوثيين وصالح . غالبية المقاتلين هنا في عدن لم يشاركوا قط في أي حروب سابقة لكن بعض المقاتلين من التيار السلفي كانوا قد خاضوا مواجهات مسلحة مع الحوثيين ببلدة دماج بمحافظة صعدة قبل ان ينسحبوا لاحقا. قطاع كبير من المقاتلين هم هنا من أتباع الحراك الجنوبي وبعض عناصر اللجان الشعبية التي سيطرت على عدن عقب فرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى عدن . يقف محمد صالح سالم وسط نقطة تفتيش بالقرب من مديرية المنصورةبعدن ظهر يوم الخميس ويحمل على كتفه سلاح كلاشينكوف . تبدو ملابسه رثة للغاية وشعره متناثر في اتجاهات عدة ويقول انه منذ أيام طويلة لم يستحم ولايزال مع جماعات تابعة له يقاتل ضد جماعة الحوثيين في عدن . يؤكد "سالم" وهو احد بقايا عناصر اللجان الشعبية التي والت الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أنهم يقاتلون بشراسة وان جماعة الحوثي لا يمكن لها التقدم صوب مناطقهم . على طول الشوارع والأحياء التي لايسطر عليها الحوثيون تنتصب نقاط تفتيش عدة ينتشر فيها العشرات من المقاتلين . جميع هذه الفصائل التي تقاتل جماعة الحوثيين غير منظمة ولاتجتمع ضمن إطار قيادي واحد لكنها تقاتل بشكل موحد ضد القوات الموالية للحوثيين . يقول مروان العوذلي وهو مقاتل شاب بحي المعلا حيث تقدمت بعض القوات الموالية للحوثيين ان العشرات من الناس نزلوا إلى الشوارع وخاضوا قتالا منذ أيام ضد جماعة الحوثي . تملك كل الأطراف المتقاتلة أسلحة متوسطة وخفيفة وثقيلة لكن القوات الموالية للحوثيين تملك عناصر مدربة بينها عناصر من الجيش وأخرى من ميليشيات جماعة الحوثي المدربة تدريبا جيدا في حين ان غالبية المقاتلين على الجانب الأخر هم من أهالي المدينة الذين لم يشاركوا في حروب نظامية سابقا. تبدو القوات الموالية للحوثيين أكثر تسليحا مقارنة بالجماعات الشعبية التي تواجهها . فقد "العوذلي" عدد من أصدقائه خلال المواجهات الدامية خلال الأيام الماضية لكنه يؤكد انه يصر انه سيقاتل ولن يتوقف أو ينسحب . تذكي مشاعر دينية وسياسية سابقة متعلقة باضطهاد الشمال للجنوب أعمال المقاومة في إحياء كثيرة بعدن هنا يشعر الناس أنهم باتوا مهددون بشكل كبير من حضور وتواجد جماعة دينية كجماعة الحوثي التي تتهم بأنها تدين بالمذهب "الشيعي". تعتنق غالبية مطلقة من أهالي المدينة المذهب السني وتسببت أحداث وصراعات طائفية شهدتها عدد من دول الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية باستماتة الأهالي في الدفاع عن مدينتهم. بحذر شديد يجاهد "علي بامطرف" لأجل فتح متجره الصغير بحي القطيع بكريتر حيث سقطت يوم الأربعاء عدد من القذائف وقتلت عدد من المدنيين . يقول "بامطرف" ان الناس تعاني كثيرا في عدن والأمر لايقتصر من وجهة نظره بسقوط القذائف لكنه يتصل أيضا بانقطاع المياه والكهرباء وعدم قدرة المتاجر على بيع المزيد من القمح أو الارز. يشير الرجل بيده إلى خانات خشبية فارغة ويهز رأسه متمتماً:" كل شيء سينفذ خلال أيام وسنواجه ازمة إنسانية بالغة .. حرب الجوع لم تبدأ بعد . لايؤيد غالبية الناس في عدن الرئيس هادي لكنهم يقاتلون رفضا لتمدد جماعة الحوثيين أو أي قوى عسكرية شمالية ، تعد المدينة معقلا من معاقل الحراك الجنوبي وخلال السنوات الماضية تظاهر مئات الآلاف للمطالبة بالانفصال. حتى اليوم لم تتمكن جماعة الحوثي من السيطرة على مناطق واسعة في عدن باتت المدينة تسيطر على طريق واصلة بين لحجوعدن وطريق أخرى تمر بحي العريش وصولا إلى كريتر وتقدمت قبل يومين ببعض الاحياء بالمعلا قبل ان تنسحب لاحقا. تتواجد الجماعة باطراف مدينة دار سعد والشيخ عثمان لكن مديريات أخرى كالمنصورة والبريقة والتواهي والشعب لاتزال بعيدة عن سيطرة الجماعة . كل ماتقوم به الجماعة هو السيطرة على طرقات رئيسية والانتقال من موقع إلى أخر بسبب كثافة الهجمات التي تتعرض لها . يمثل مقاتلو الحراك الجنوبي القوة الأكبر من بين القوى التي تقاتل الحوثيين على الأرض وتحصلوا على مصادر الدعم عبر أسلحة شخصية وشحنات أسلحة ألقتها الطائرات السعودية خلال الأيام الماضية بالاضافة إلى ماتم التزود به من معسكرات الجيش اليمني. كل هذه الأسلحة يمكن لها ان تنفذ في حال ما استمرت المعركة لفترة طويلة . لا تتوفر حتى اليوم احصائيات دقيقة عن ضحايا أعمال القتال الدائرة في عدن لكن منظمة محلية تعرف بالمؤسسة الطبية الميدانية قالت ان القتلى في صفوف المدنيين بلغت 198 قتيل و1962 جريح . على الجانب الأخر لاتتوفر معلومات واضحة عن حجم القتلى في صفوف القوات الموالية للحوثيين لكن عشرات الصور التي نشرت تضمنت عددا لايقل عن 60 قتيل. بالقرب من سيارة اسعاف صغيرة تقف "خديجة بن بريك" وهي ناشطة حقوقية من عدن جندت نفسها منذ أيام ضمن فريق اغاثة واسعاف للضحايا المدنيين الذين يسقطون جراء الحرب. قالت "بن بريك" ان الكثير من المدنيين كانوا ضحايا لاعمال القتال الدائرة في عدن مؤكدة ان الكثير من المساكن تعرضت لاعمال قصف من قبل القوات الموالية للحوثيين خلال الأيام الماضية. ترى بن بريك ان ابرز الصعوبات التي تواجه طواقم الاسعاف هي قلة عدد الأطباء في المستشفيات الحكومية وعدم قدرة طواقم الاسعاف على نقل الجرحى بسبب تواصل الاشتباكات. *من فتحي بن لزرق