لعل سلطنة عمان التي نأت بنفسها عن الحرب على اليمن ، هي التي نجحت كوسيط بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و أمريكا بعد عداء استمر منذ الإطاحة بالنظام الإمبراطوري الإيراني ، و عليه لم تعد صيحات الموت لأمريكا ، والموت للشيطان الأكبر مجدية ، خصوصا ان الله لا يلتفت إلى الشتائم و السباب الفارغة ، فحساب الله يختلف عن حساب بني البشر . المهم ان العداء بين إيران و أمريكا لم يعد له وجود بفضل الوساطة العمانية ، إلا في عقول بعض الذين لا زالوا يعيشون خارج العصر أو المتضررين من تقارب الدولتين أو الصحف الصفراء و الإعلام المحرض (!!).
فعندما ينصح الرئيس الأمريكي باراك اوباما جيران إيران و بخاصة دول الخليج العربية للتقارب و تحسين العلاقات معها ( الجمهورية الإسلامية ) بزعم أنها لا تشكل خطرا على البلدان الخليجية فذلك لان أمريكا قد أدركت اخيراً انه لا جدوى من العداء و الخلاف مع دولة بحجم إيران التي عوضت العقوبات المفروضة عليها منذ قيام الثورة الإسلامية بانشاء صناعات حربية و صناعات سلمية معتمدة على قدراتها الذاتية والتي تكاد من حيث حجمها ان تقترب من الدول الصناعية الكبرى .
المهم ان سلطنة عمان برعاية سلطانها الحكيم نجحت فيما لم ينجح بكسر الحاجز النفسي بين أمريكا والجمهورية الإسلامية الإيرانية ، و هذا ان دل على شيء دل على حكمة و حصافة السلطان قاموس وبعد نظره و بعده عن المحاور، الأمر الذي أهلها لان تلعب أدوارا لم تكن لتلعبها لو لا بروزها على الساحة الدولية كوسيط ناجح و نزيه ، و لعل المبادرة الجديدة للسلطنة في شأن الأزمة اليمنية إضافة أخرى تضاف إلى جهودها ،إلا أنها ( المبادرة ) و ان كانت تحمل الصبغة العمانية لكنها لا تبدو خالصة فبصمات الآخرين تبدو واضحة عليها ...!!
و في كل الأحوال مشاكل اليمن لا تحل بمبادرة من سبع أو من عشر نقاط فيما المعانات اليومية تطحن المواطن اليمني ، فالمبادرة لا تعنيه شيئا إذا لم تحل معاناته اليومية العاجلة كانقطاع الكهرباء و شُح المياه و البطالة و غير ذلك من المشاكل ، فماذا يهم المواطن اليمني الذي يتضور جوعا و المحروم من ابسط الخدمات الضرورية اليومية إذا ألقى أنصار الله سلاحهم و تحولوا لحزب سياسي و الذي بربط صخرة على بطنه من شدة الجوع و الإملاق ...؟؟!
فالمبادرة أشبه بحل رومانسي و الحاجة لحل براجماتي فوري ينتشل اليمن من أزماته المتعددة و الحكم القبلي ، أما مقترح ضم اليمن للمنظومة الخليجية اقرب الظن فذاك بمثابة مكافأة أو ترضية و لعلنا لا نحتاج للقول ان امام اليمن مشوار طويل طويل كي يتأهل و يأخذ أو قد لا يأخذ بعد سنوات طويلة مقعده بعضوية كاملة إلى جوار الخليجيين ، يبقى السؤال الأهم ماذا عن القضية الجنوبية و الدعوة لفك الارتباط عن الشمال بعد وحدة فاشلة و تآمرية فكيف يواجه الخليجيون مطالبات الجنوبيين بالاستقلال ، و أما عن نزع سلاح أنصار الله و تحويله لحزب سياسي ، فهل أعطوا الضمانات الكافية للعب دور مستقبلي و قيادي في الدولة اليمنية في ظل التعقيدات السياسية والتعددية القبلية و المذهبية و في ظل الوجود النشط للثلاثي اللدود لأنصار الله و المتمثل بالقاعدة و الدواعش و النصرة و على فرض قبول أنصار الله نزع سلاحهم هل تنسحب الدعوة أيضا لنزع سلاح كل اليمنيين و لا يتفاخر اليمني كتفاخره بسلاحه فالرجولة عندهم لا تكتمل إلا بالسلاح أو الجنبية أو الاثنين معا ....!!