في الساعات الاولى من فجر يوم السبت 13 يونيو الثانية إلى الثالثة ترجل الفارس عبدالقوي صالح الناخبي ورحل عنا تاركاً خلفه قصصاً طويلة من الرجولة والطيبة والشجاعة، ليس هناك ما هو أصعب أن تكتب كلمة رثاء في أو أب أو أخ أو صديق عزيز عليك فقدته فجأة وذلك لأنه من الصعب جداً استحضار المفردات والكلمات والجمل اللائقة التي تفرضها طبيعة الحدث المُحزن ومهما كتبتُ من جمل وعبارات في هذه المناسبة الحزينة تظل قاصرة عن التعبير عما تجيش به أحاسيسنا ومشاعرنا. فكم هي المآسي! وكم هي الأهوال ! التي تتجه صوب أفضل وأنبل وأعز من أنجبتهم هذه الأرض ممن تفولذوا في أصلب الظروف وأشدها وقد اختارت اليوم واحداً من أبرز وأنبل الشباب والمناضلين الأشداء والكوادر المخلصة والصلبة والشجاعة . رحيل الفارس صاحب المواقف الصعبة رجل المهام الإنسانية الشاقة وأعمال الخير والعطاء في وقت مبكر تاركاً في نفوسنا وقلوبنا آلاماً يجعلها تتقطع دوماً , رحل عنا أبو صالح إلا أنه خالد في نفوسنا وسيظل في قلوب أحبائه وأصدقائه حياً بأعماله ومواقفه وسلوكه الشخصي الفريد فهو حقاً فريد رحمة الله تعالى تغشاك أبو صالح الناخبي كانت خسارة رحيلك عنا فاجعه لم نتوقعها وجاءت فجأة بدون سابق إنذار . تمتد صداقتي بالفقيد الراحل فوق العامين وهي فترة قليلة جداً في ايامها منذ التقينا ولكن ماربطنا فيها وكأن نحن إخوان من أم وأب أو صديقان منذ الطفولة كان أول تعارف جمعنا لأجل تنسيق أعمال المجموعات الجنوبية والجهود المبذولة في خدمة شعب الجنوب والذي كان يمثل فيها أبو صالح الناخبي رئيساً لمجموعة أكتوبر الجنوبية جا ذلك بعد تنافس كبير وشريف بيننا كجمعيات داعمه وكانت كل مجموعة تحرص على أن تتفوق بنشاطها على الأخرى بما تقدم وتنشر من رعاية لعلاج الجرحى ومواساة أسر الشهداء ودعم النشاطات الثورية على الساحات الجنوبية . حيث لعب أبو صالح الناخبي دوراً هاماً في محاولة توحيد المجموعات الجنوبية الداعمة وكان الأكثر تفاعلاً وتجاوب لا يعرف اليأس حين نختلف في الاجتماعات ونخرج دون فائدة يبادر في التواصل مجدداً ويعلمنا أن الخلاف قد يكون سبب النجاح ، فقد أعطانا الدافع وحفزنا على العمل والاستمرار وكان تأسيس اتحاد المجموعات الجنوبية نواة حقيقية لمأسسة العمل الإنساني والنضالي وأحد أهم الأعمال التي يجب الاحتذاء بها من حالة التشرذم في الجنوب . وأخذت هذه العلاقة تتعزز منذ التعارف واللقاء الأول بيننا ليس على مستوى العمل الذي أصبح كل واحد يفخر بعمل الآخر ويعتبر نجاح صاحبه نجاحاً له أيضاً “بل أصبحت علاقتنا حميمة وقوية ونقطع المسافات الطوال من الشرقية إلى الرياض ومن الرياض الى الشرقية والى جده وغيرها من المناطق التي كانت تجمعنا ونلتقي فيها مع ان الأوقات التي نحن بعيدين عن بعض نتكلم فيها بالساعات وبشكل يومي وكان الفقيد الله يرحمه اول من يباشرنا في اتصالاته بالكلام المرح والتسلية فروحه روح فكاهية يحب الدعابة و المزاح, ولهذا فهو محبوب من بين الجميع. أتذكر مواقف عند ما كان يسبقني إلى أي منطقة نتواعد نلتقي فيها كان يصف إلي معه الشباب وكل واحد يعطيه مكنسه أو حطبه ويوقفهم في حال استعداد وعند ادخل يصرخ حرس تعظيم سلام سلام قف ولا يخلى من الحركات الفكاهية في كل اللقاءات حتى أن الجلسات معه لا تمل ونظل نتشوق للقاء بعد لقاء وعلى الرغم من ذلك فهو حازم وحريص كل الحرص على العمل ولم نجد حب الجنوب والنضال مثلما يملئ قلب أبو صالح كله تفائل ونشاط ومع كل موقف مخيب لقضيتنا كان لا يعرف اليأس ويزرع في قلوبنا الأمل والصبر وكنا نناقش الأعمال والنشاطات والخطط التي نسير عليها في الاتحاد ونحط أبو صالح بالمكان الثقيل ونلجئ إليه في الأمور الكثيرة والثقيلة التي لا نستطيع التعامل معها” أبو صالح هو ذلك المعتصم في الساحات ذلك الماسك العلم ذلك المتظاهر ذلك الساعي للخير ذلك المقاوم ذلك المجاهد المكافح ذلك الجريح “نعم كل هذه المواقف والصفات كان مشاركاً في دعمها وعايش معها بروح وإحساس واليوم رحل المهيب وبقي ذكره، تقبله الله مع الشهداء والصديقين والصالحين. لقد كان نبأ رحيله لي صاعقة لم استوعب أو أصدق نبأ آصاب تفكيري بالشلل آجهد العقل وآجهد القلب وجف قلمي عن التعبير أو الكتابة . حضرت مراسم العزاء وكان الحضور بحجم يضاهي ذلك الفقد وقد دخل مجموع جموع المعزين في تاريخ إحصائيات الحزن واللوائع والمستقبل ، بعد أن سطر فصوله المشرفة أصدقائه وصحبته وإخوته وأقاربه من شتى الجنوب العربي في المملكة العربية السعودية . حضرت للعزاء والمشاركة وكنت أحاول أن أكون وفيا متماسكاً أمام صور وجوه الحضور التي كانت قد أعياها التعب، كانت ملامحهم هي ملامح الترح والكمد والحسرة ! كيف لا وهناك فارس أصيل قد ترجل ، كانت العيون تدمع والقلوب تتفطر يتعادل الوجع في دواخلهم درجات الإنكسار، كانت نفوسهم شاردة في ذكرى رجل كان لهم المنارة والمعلم الذي يجمعهم والأخ والصحبة” رجل تمتع بأخلاق رفيعة وكرم وأصالة وإباء” رجل لم يبع يومه من أجل حرمان غده، رجل كريم شكيم ومواقفه لا زالت عليه شاهدة” رجل خلوق رحيم وفصول حياته لا تزال في عيوننا راسخة. فارقتنا يا صاحب الإنسانية والخير والوفاء فليس كان هناك أمنية يتمناها الفقيد الراحل عبدالقوي أكثر أمنية تحقيق الحرية والكرامة والاستقلال لشعب الجنوب . كان يوصي الجميع قبل وفاته باستمرار العمل والنضال ” وقلب المؤمن دليله عبدالقوي لم يكن يحب التصوير ولا الظهور ولا المناصب حتى في الاتحاد والتشكيله الإدارية كان يقول انت أمسك وانا اقول انت أمسك حتى في مرات ارسل أحد الاخوه منشور وصورة للأخ عبدالقوي يقول فيه تم تعيين الأخ أبو صالح الناخبي رئيساً للاتحاد اتصل إلى عندي وهو في قمة الغضب من الاخ الذي نزل المنشور وانا اهدئه وأقول انت تستحق ليس رئيس اتحاد فقط انت انسان بحجم وطن يقول انا خبرتك وأكرر لك انت أكفاء مني لو نعمل رئاسة قلت ليش انت تتهرب قال والله لا أريد أحد يشعر أن أبو صالح يدور مسؤولية أو يريد يترفع علينا وكان يتجنب التصوير حتى لا يقال انه يحب الظهور قلت اسمع خلاص لا نريد شي اسمه رئاسة وكلنا محصلين ومندوبين يا ابو صالح وسبحان الله سجل مقطع فيديو في الحرم المكي قبل وفاته بيومين وهو يؤدي مناسك العمرة وكانت بمثابة وداع وتوصيه لأنه ما عمره قام بالتسجيل وقد وصى الأخ عمار الذي سجله أن لا تنشر المقطع إلا بعد وفاتي وكان يترحم على الشهداء ويدعي للجنوب والمجاهدين” لا إله إلا الله ما اكبرك يا ابو صالح . أنتهت مراسم دفنه وعزائه ولا زلنا نشعر بوجوده , نتخيل ملامحه ونتحسر على فقده، فلترقد أيها الفارس البطل فقد شرفتنا في حياتك وشرفتنا أيضا عند مماتك، ستظل خير مثال نتحدث عنه بين أجيالنا ولن ننساك رغم أننا كنا نتمنى تشاهد لو جزء بسيط من النصر الذي كنت تحلم به ولكنا نعاهدك سوف نزف إليك البشرى إلى قبرك باذن الله تعالى “ إلى جنة الخلد يا اغلى صديق