شارك عشرات آلاف الإثيوبيين و15 على الأقل من رؤساء الدول والحكومات يوم الأحد في جنازة رئيس الوزراء الأثيوبي ملس زيناوي الذي وافته المنية الشهر الماضي بعد أن أمضى أكثر من 20 عاما في السلطة. وتحرك تابوت زيناوي الملفوف بالعلم الوطني الإثيوبي والموضوع على عربة سوداء ببطء من مقر إقامة الزعيم الراحل إلى ساحة ميسكل الكبرى في موكب جنائزي شاركت فيه فرقة موسيقى عسكرية وشخصيات دينية كبيرة.
ووضع التابوت أمام الحشود المنتظرة في الساحة وتلا القساوسة الحاضرون الصلوات عليه بثيابهم زاهية الألوان الخاصة بكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الاثيوبية.
ولوح المشاركون في الجنازة بالأعلام وأجهش بعضهم بالبكاء وهم يستمعون إلى كلمات ألقاها رئيس وزرائهم المكلف وبعض القادة الأفارقة الآخرين إلى جانب مسؤولة أمريكية بارزة.
وتوفى ملس الذي كان من المقرر أن يترك السلطة في عام 2015 مع انتهاء فترة ولايته الرابعة رئيسا للوزراء في أحد مستشفيات بروكسل عن عمر يناهز 57 عاما. وقالت السلطات إنه توفى جراء إصابته بعدوى بعد علاجه من مرض لم يكشف عنه.
وحلقت طائرات هليكوبتر مطلية باللون الفضي في سماء البلاد تكريما لملس بينما كان يقف أفراد وحدات النخبة في الجيش.
وهطلت أمطار غزيرة في الوقت الذي تحرك فيه الموكب الجنائزي بمشاركة عدد من كبار ضباط الجيش إلى كتدرائية الثالوث المقدس لإقامة مراسم الجنازة والدفن.
وقال طالب جامعي وصل إلى الساحة فجرا ويدعى أبيي يوهانس "لقد كان زعيما عظيما وصاحب رؤية... إنها خسارة كبيرة سنشعر بها لعدة سنوات قادمة".
واستولى ملس زيناوي على السلطة من المجلس العسكري بقيادة منجستو هايلي مريم في عام 1991 بعد حرب أهلية دامت 17 عاما في الدولة الواقعة بمنطقة القرن الإفريقي وبدأ في إجراء إصلاحات حققت لإثيوبيا واحدا من أقوى معدلات النمو في إفريقيا.
واتخذ ملس موقفا قويا في مواجهة التشدد الإسلامي في المنطقة وهو موقف لقي إشادة من القوى الغربية بينما عمل على قمع المعارضين السياسيين في البلاد الأمر الذي لم يلق إشادة.
وعلى الرغم من معدل النمو الاقتصادي الذي اقترب من ثمانية بالمئة سنويا في الفترة بين عامي 2004 و2011 ظلت إثيوبيا واحدة من أشد دول العالم فقرا ويقول معارضو ملس إن قمعه للمعارضة عرقل مسيرة التنمية في البلاد.
وجرى تعيين هايلي مريم ديسالجن نائب ملس خليفة لرئيس الوزراء الراحل لتبديد المخاوف إلى حد ما بشأن حدوث انقسامات في اثيوبيا ذات التنوع الطائفي وزعزعة استقرارها. وسيؤدي ديسالجن اليمين الدستورية في الأيام القليلة المقبلة.
وقال هايلي مريم ديسالجن في كلمة ألقاها بساحة ميسكل "رحل (ملس) ولكن... سنكافح لتحقيق رؤيته بشأن تحول البلاد". وأضاف أن ملس سيوارى الثرى في النهاية بمقبرة في متحف ومركز أبحاث سيتم إنشاؤه تكريما له.
وولد ملس باسم لجيسيه زيناوي في عام 1955 ببلدة عدوة التي حققت فيها إثيوبيا انتصارا على الغزاة الاستعماريين الإيطاليين في عام 1896. وما أن تبلورت انتماءاته السياسية حتى حمل الاسم المستعار ملس نسبة إلى ملس تيكل وهو ناشط شاب قتلته الحكومة.
واجتاح متمردو ملس وهم جزء من الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية أديس أبابا في عام 1991 بعد تحقيق تقدم سريع وأطاحوا بزعيم المجلس العسكري الشيوعي منجستو.
وقاد ملس البلاد أولا باعتباره رئيسا انتقاليا ثم تولى رئاسة الوزراء في وقت لاحق بعد منافسة ضعيفة في انتخابات عام 1995.
وسعت حكومة ملس إلى انتشال إثيوبيا من دائرة الفقر وتعهدت بتعزيز النمو وتحسين مستوى معيشة المزارعين وبدأت في تنفيذ عدة مشروعات خاصة بالطاقة والبنية التحتية.
وأقام ملس أيضا علاقات تجارية وثيقة مع الهند وتركيا إلى جانب الصين القوة الآسيوية.
وقدم رئيس الوزراء الراحل إسهامات كبيرة للأمن الإقليمي حيث أرسل قوات إلى الصومال مرتين لمحاربة المتمردين الإسلاميين ونشر قوات حفظ سلام إثيوبية في العديد من البؤر الساخنة بإفريقيا مثل رواندا وليبيريا وإقليمي دارفور وأبيي.
ومن جانبها وصفت السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة سوزان رايس رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل بأنه "متواضع وصريح" وزعيم ذو "عقلية فذة".
وأضافت في كلمة ألقتها بساحة ميسكل "ما أكثر المناسبات التي اختلفنا فيها ببساطة كحكومات وأصدقاء وأحيانا اختلافات شديدة.
ولكن حتى عندما نختلف سواء بشأن الاقتصاد أو الديمقراطية أوحقوق الإنسان أو الأمن الإقليمي أو سياساتنا الخارجية الخاصة كنت ألمس أمرين. كان ملس دائما حصيفا في أحكامه ورصينا في قراراته".
ومن بين القادة الأفارقة الذين حضروا الجنازة رئيس جنوب السودان سلفا كير والرئيس السوداني عمر حسن البشير ونظراؤهما النيجيري جودلاك جوناثان والأوغندي يوويري موسيفيني والكيني مواي كيباكي والجنوب إفريقي جاكوب زوما.
(إعداد عبد المنعم درار للنشرة العربية - تحرير تحرير محمد محمدين)