توقفت أمام المرآة طويلا .. أنظر إلى قلبي وهو يتصبب عرقا من كل جهاته ... بينما ترتعش يدي بعنف وأنا أحاول الإمساك بأطراف السماء لأكتب على ترابها القصيدة التي أخذها ومات .. كان يدري أن السفر إلى الأيام الخضر قد يكون على حساب حياة عازف الصمت , ومع ذلك ظل يعزف الصمت والجمال والحب والحياة والوطن أيضا أكثر من أي شئ آخر .
إنه الشاعرالكبير والثائر المستمر عبدالله البردوني .. الوطن الذي حلّت علينا قبل أيام ذكرى
رحيله .. الرحيل الذي أوجع قلب الأرض وهز وجدان السماء وقد غادر أرض بلقيس جسدا .. ليبقى ملء الوجود روحا وقصيده .
ووفاءا لتلك القامة الشعرية الشامخة التي يفخر بها كل يمني وعربي , أقيمت العدد من الفعاليات بالمناسبة .. وقد احتضن بيت الثقافة واحدة من تلك الفعاليات حضرها وزير الثقافة وعدد من الأدباء والصحفيين .. كما ألقيت فيها عدد من الكلمات والقراءاة المختلفه حول البردوني كشاعر وثائر
وكان أهمها ما أدلى به الاستاذ محمد المقري أحد أصدقاء البردوني من معلومات خطيرة وهامة تشير ان البردوني مات مقتولا ...
ومما قاله المقري بتصرف أن فتحية الجرافي زوجة البردوني اتصلت به ليحضر إلى منزل الشاعر للضرورة وعندما وصل أدخلته إلى الغرفة ووجد البردوني مغطى على فراشه وكشف عن وجهه فوجده ميتا .. ولم يمض الكثير من الوقت حتى جاء بعض الاشخاص الذين ذكرهم بالاسم , وأفاد أن الزوجة كانت مصرّةً على نقل الجثة إلى ثلاجة الموتى بشكل فوري وسريع وغير مبرر الأمر الذي استغربه الجميع وبالفعل نقلت الجثة إلى ثلاجة الموتى .. وأضاف المقري كنا نرى أن يتأخر دفن البردوني حتى يتوافد الناس لكن رئيس التوجيه المعنوي علي حسن الشاطر قال لهم بصوت مرتفع وغاضب لا بد أن يدفن صباحا هذه توجيهات عليا .. وكان ذلك فعلا حيث تم موراة جثمان البرودن الثرى حسب التوجيهات . لا أعتقد أن ماقاله المقري كان عبثا أو أنه جاء من فراغ .. أكيد أنه كلام واضح جيدا .. ويعني أن الشاعر مات مقتولا بطريقة أو أخرى .. قانونيا يعتبر ما قاله المقري دليل قوي ومعلومة خطيرة يجب أخذها بعين الإعتبار والبدأ في التحقيق حول الموضوع حتى تكشف الحقيقة .. وعليه : فإنني أدعو الأدباء والصحفيين وكل المهتمين للعمل من أجل إثارة القضية إعلاميا وتحويلها إلى قضية رأي عام , والضغط أيضا على الجهات المعنية من أجل التحقيق السريع حتى يتسنى للجميع معرفة ما حدث بالضبط . إن السكوت على هكذا جريمة إن تأكدت صحتها يجعل الجميع شركاء في ارتكابها .. ليس في حق البردوني كشاعر وثائر فحسب .. بل بحق أبناء هذا الوطن أيضا .. وهم الذين تحملوا المعاناة بأنواعها والتسلط والقمع والقهر على مدى عقود . ومثلما اغتالت قوى الظلام أحلام الوطن والمواطن .. فلا يستبعد أن تغتال العقل والفكر والكلمة والقلم .. والبردوني كان كل ذلك وقد عرف عنه وقوفه في وجه السلطة الظالمة بقوة وهذا لا يحتاج إلى تأكيد من أحد .. يكفى أن تقرأ شعر البرودني لتدرك جيدا أنه كان مصدرإزعاج للنطام حيا وميتا عبر قصيدته الثائرة التي بقيت عالية الصوت وعميقة النظر في أعماق المستقل حتى اليوم وغدا .. وأعتقد أن شباب الثورة يدركون ذلك أكثر من غيرهم خصوصا أن البردوني كان رفيقا لهم في ساحات الحرية وميادين التغير على امتداد هذا الوطن .. ولا أدري هل سيقوم شباب الثورة بتنظيم مسيرة تليق بالبردوني وتطالب بالتحقيق في مقتله كأدنى واجب علينا لهذا العملاق . قد يكسرونك لكن تقوم أقوى وأرهف وهل صعدت جَنيًّا إلا لتُرْمى وتُقْطَفْ قد يقتلونك تأتي من آخر القتل أعصف لأن جذرك أنمى لأن مجراك أَرْيَفْ لأن موتك أحيا من عمر مليون مترف فليقذفوك جميعا فأنت وحدك أقذف سيتلفون ويزكو فيك الذي ليس يتلف لأنك الكل فردا كيفية لا تكيف يا مصطفى يا كتابا من كل قلب تألف ويا زمانا سيأتي يمحو الزمان المزيف