في جو الزخم والانتصار العظيم الساخن الذي استطاع شباب المقاومة الجنوبية أن ينتزعوا من مخالب الجلاد ما لم تستطع أن تنتزعه قوى المعارضة على مدى عقود من الزمان ، صمد شباب الجنوب لأكثر من ستة أشهر في ساحات القتال وميادين التحرير ولم تردعهم آلة القمع ولا منهاج الترويع بل زادهم ذلك ثباتاً وإصراراً وعمق مشاعر الإيمان بعدالة قضيتهم وصفاء صفحاتها في أعماق وخلجات صدورهم وأكسبهم محبة كل أحرار العالم وتوقيرهم .. ولكن ونحن إذ نقف على باب النصر العظيم يتساءل كثيرون ومنهم كاتب هذه السطور عن كيفية الشروع في بناء وطن جنوبي واحد موحد يسع لكل أبناءه ويقوم على أساس المواطنة المتساوية والشراكة العادلة ويقدر أصحاب الإبداعات وأولي الكفاءات .. نريد الحرية البيضاء المشروعة ذات الطابع الإسلامي بعيداً عن مسار التمييز والتهميش والإقصاء .. نريد أن يكافأ صانعو الانتصار وأن يكرم شهدائنا الأبرار وأن يعوض كل ما تلف وأتلف من قبل تلك المليشيات الفاشلة وهواة القنص والجريمة .. نريد أن يعلم الكل أن كل ربوع وطني الجنوب اكتوت بنير هذه المليشيات وظلمها وصلفها إلا أن هناك تفاوتاً في عمق الجراح وأبعاد الألم من منطقة إلى أخرى .. يجب أن لا ننسى جراحات عدن وآلام الضالع ودموع لحج بل يجب أن نقف أمام آهات وأنين أبين الحبيبة التي تكبدت شتى أنواع العذاب ومختلف صور التنكيل والإبادة بدءاً بمجزرة المعجلة الأليمة ومحرقة 7 أكتوبر الدامية ومروراً بتسليم زنجبار عاصمة أبين الخير والعطاء لظلام التهجير والشتات ومسارات الإبعاد المؤلمة وانتهاء بما حل بها مؤخراً من هاجس العنف وأساليب الغدر والخديعة .. نريد أن ننصف كل من ظلم وأن نكرم كل من أهانته خفافيش الإهانة وأن نشد من أزر من توجع بحرقة لمعاملات عاشقي التخريب والهمجية والفوضى .. نريد أن نحل مشاكل الوطن بطرق مرضية لعقول حكيمة كما نريد أن نقف أمام لوح الطموح والآمال لنقرأ سوياً : نريد شريعة الإسلام فينا نحكمها بحس الإنقياد ِ نريد العدل يملأ في صفاءٍ مدائننا وأغوار البوادي في المقابل وعلى ضفة الآمال الأخرى لانريد لوطني الجنوب الفوضى والعنف واحتكار المناصب أو التفرد بأدوار صانعي القرار في هذا الوطن .. لانريد أن ننهي حقبة التسلط الفردي على مقدرات الوطن بأكمله لنجد أنفسنا أمام تحديات أخرى تحمل نفس الهاجس السلطوي السابق لأن ذلك ليس من قيمنا ولا لذلك ضحى شهداؤنا وقدم شبابنا كل هذه الروائع .. لانريد من يحكمنا بمشاعر مناطقية في قوالب معسولة خفية يعمل من خلالها أولئك المتنفذون كل ما يحلو لهم ويترجمون ماكانوا يضمرونه بطرق مخادعة أشبه بخداع المرايا كما لانريد التمكين في الحكومة المقبلة لمن يبتغي ذلك على أكتاف الآخرين ..