في الصباح تشعر وكأنه موعدك مع الحياة .. تشعر كأن كل شيء يبتسم لأجلك وان الكون يفتح لك ذراعين من نور.. فى الصباح تشعر الروح وكأنها عصفور صغير يحلق في سماء الوطن المجروح والمقهور ,إحساس يجعلك تشعر أن الوطن اغتسل لتوه من قذارتهم . ونسمات رقيقة تداعب جبينك .. وإحساس بالصفاء لا يفارقك في الصباح ذاكرتك قوية تستعيد فيها ذكرياتك من فرح وألم وحب وتعاسة توقظ فيك الروح والإنسان , كنت في ذلك اليوم وأنا أتمعن بزوغ خيوط أشعة الصباح على كورنيش المنصورة بعد صلاة الفجر هذا الكورنيش المتنفس الوحيد لنا في هذا الحي تحول منذ غزوا الحوافيش لعدن برج لمراقبة المعارك فهوا يطل على المعلا وخورمكسر والمطار والتواهي وكان نازحي هذه المناطق في حينا يراقبون بألم القذائف التي ترمى لمناطقهم و يتساءلون كيف هي حال مدينتهم ومساكنهم وممتلكاتهم بعد أن تركوها ونجوا بأرواحهم , كان الموقع خطيرا تصله بعض القذائف والرصاص ولا نبالي لان التجمع بحد ذاته مواساة وتخفيف من الأوجاع والمعاناة وذلك ببعض المرح , احدنا مهتم بمتابعة الطائرات المارة فوق رؤوسنا وفجأة أشار لأحدى الطائرات المارة وقال بلهجته ( رعوا أمسلة أمسلة رمتها امطائره ) يقصد بها رمي السلاح وانفجرنا ضحك وأصبحت نكته يتداولها الأصدقاء . واستمر ذهني في التذكر والسؤال لماذا هذه الوحشية وعدن بالذات وعدت بذاكرتي لحرب 1994م وما بعدها وتهافت المرتزقة والمنافقون على اللحاق بالمنتصر ونظامه الذي تشكل بعد الحرب ويروجون لترك الناس لمواقفهم وأحزابهم واللحاق في صفهم , صمد أصحاب المبادئ والتحق بهم أصحاب المصالح مع احترامي للبعض لكنهم كانوا يعلنوها صراحة سنغير من داخلهم واذا بهم تغيروا وصاروا نسخة من العبث الذي أصابنا وأصاب عدن والجنوب . والظروف الصعبة هي الوسيلة الوحيدة لكشف معادن البشر , هي اللحظات التي تسقط فيها الأقنعة , وتعرف ما يحمله الفرد من مبادئ وقيم وإنسانية , تعرف هل هو شجاع وصلب وشامخ في تمسكه بمعدنه الحقيقي وقيمه ومبادئه , أم مجرد ورقة تحركها الرياح بما يشتهيه صناع الواقع ليستخدم ثم يرمى . تذكرت الانتخابات وحربهم الضروس ضدنا زملاء ورفاق الدرب كانت الزلط تجعلهم وحوش لا يفهم ولا يستوعب ولا يجادل , نتكلم مع أناس فقدوا ذاتهم لنترك الانتخابات ونقول أنها حزبية ويتفوق فيها الانتماء للحزب رغم مساهمتهم بالتزوير والتحايل والدفع بالبلطجة لمهاجمتنا لكن ما يحز في النفس التعديلات الدستورية , قضوا على وحدة الشراكة والديمقراطية في تعديلاتهم الدستورية وقتلوا الوحدة حينها وقبروها وشرعوا لنظام فردي ديكتاتوري طاغية ومستبد لزلنا لليوم ضحاياه ونعاني منه , جميعنا نتذكر تلك المواقف وأثارها منحوتة في الوجدان وهم معرفون للجميع بعضهم ارتدى رداء الثورة والمقاومة والقضية وصار ملكا أكثر من الملك وتطرف يرسخ المناطقية والكراهية ببلطجة وعبث باسم الجنوب وقضيته . أتذكر الأمن السياسي والأمن المركزي وعنجهيتهم وياويل من دخل سجنهم وجلس على طاولة تحقيقهم لا داعي للتذكر انه الم ومهانة وذل يجعلك أما أن تفقد ذاتك أو تصمد و تتماسك وتشمخ وتحافظ على كيانك للأسف سقط الكثير ولكن صمد الأكثر , وما أسوى حربهم على الشرفاء في أعمالهم ولقمة عيشهم وما يحيكونه لك من حكايات وتهم تجعلك مسطول لا تستطيع الدفاع لان الحلقة مترابطة وهم موجودون في كل المواقع لكن الحق دائما ينتصر فانتصرنا , كان وكرهم ومركزهم في الحزب الحاكم وشركاه يتحكم في الحياة ويدير المؤامرات والدسائس ويصول ويجول , النقابات لابد ان تكون لهم والوظائف القيادية لهم والمواقع ألإيراديه لهم وياويل من يتحدى او ينطق ,فهمشوا الناس وأقصوا الكوادر انهار البعض وتدهور وصمد البعض وتمالك ذاته , تذكرت الأم وماسي وأوساخ ورذائل وعبث وكوارث هي اليوم معاناتنا في عدن والجنوب وأدواتها جنوبية , كل هذه الممارسات أفقدتهم الحياء والخجل بعضهم كهل محنط متمسك بقيادة المؤسسة او الهيئة او النقابة لأكثر من ثلاثون عام او أكثر ويصارع الشباب الطامح للتغيير وتصحيح حال البلد وإصلاح أحوالنا بل يريد إعادة إنتاج ذاته العفنة . التغيير اليوم هو السبيل للمستقبل وفق دولة نظام وقانون مؤسسي , لا نريد تغيير فوضوي كل من حمل بندقه ويفرض على الناس قناعاته ويركز كوادره ورموزه في مواقع حساسة وخاصة التعليمية والنقابية والخدمية التي يجب ان تخضع للكفاءة والأولوية ونطهرها من عفن الماضي , لا نقبل تكرار ما حدث بعد حرب 94 الظالمة , ما يحدث اليوم هم جزءا من العبث يمارسون ممارسات لتشويه الانتصار يؤججون الصراع والكراهية والمناطقية والطائفية هم اليوم وراء ما يدور في عدن والجنوب . لا يمكن ان يبرر أي سقوط أخلاقي , أذا غابت الإنسانية فينا صرنا وحوش وعندما نصير وحوش نشكل خطرا على ذاتنا قبل غيرنا , لا تبرر أي سقوط أخلاقي حتى مع العدو, مهما عملوا فينا وانتهكوا كرامتنا واستباحوا أرضنا ونهبوا ثروتنا لكن لا يمكن أن نسمح لهم أن يأخذوا مننا إنسانيتنا , سأضل إنسان بعملي وسلوكي ومواقفي وسياستي والكراهية تفقدك إنسانيتك فتجنبها . هل سيأتي صباح يوما مشرق بنورة الوضاء ونكون قد طهرنا أنفسنا من الكراهية والحقد والضغائن والعنف والتوحش والتأمر والمصالح الضيقة , لنكون بشرا كسائر البشر وأمة الحكمة والإيمان بالخير والحب والتعايش وقبول الأخر صباحا جديد لزمن جديد متغير وحياة متجددة للأفضل حياة كلها جمال وبهجة وحب وتسامح وإخاء ونرمي كل ما هو عفن وقذر خارج اهتماماتنا وتعاملاتنا ونشاطنا , ننتظر صباحا يمنحنا خيارا أفضل أن نبدأ من جديد نحو التغيير والتحول المنشود والدولة المدنية .