يقال أن الوليد بن يزيد عزم في أحد الأيام أن يحتسي الخمر فوق سطح الكعبة ! و صرح صراحاً لا يقبل التكذيب في مجلس أنساً في ليلة من ليالي بني أمية الغابرات . و لكن هل يعقل هذا التصريح الذي كاد أن يصير! أن صادق التصريح الأقدام على الفعل! و حتسى الخمر فوق سطح أطهر و أقدس و أشرف بقعة في ديار المسلمين . و لكن أيضاً ! هل كان يجرؤ أحداً أن يمنعه! إذ لم ينكر عليه وزرائه و حجابة تصريحه خشية بطشه و تجبره ، حاكم المسلمين بلغ به التغطرس حد السفه و التعدي على قبلة أمته!قبل ألف و ثلاثمئة عام و بضع مائة عام من اليوم! إنه الجبروت و سلطان الملك المسرف العابث الذي تتحكم به غرائزه و نزواته التي لا تقيم وزناً لذاته! و أمانة و مبادئ و قيم الحرص على مقدسات رعيته! بيد أن "إبرهه الحبشي" ذات يوم عبر البحر و اليمن و بلغ الجزيرة و حاصر مكة عازماً هدم الكعبة ! يومها قال سيد مكة عبد المطلب بن هاشم : أنا رب العير و للكعبة ربٌ يحميها، فأهطلت السماء غضب الرب و هلك إبرهه و جيشه المدرع بالفيلة ! وما بين الوليد و إبرهه بون شاسع كبير !
فإبرهه غازياً معتدي ! و لم يكن للعرب قبلاً بجيشه! لكن الرب مزقه شر ممزق، و لو خرج الوليد قاصداً قبلة المسلمين ليحتسي خمرته بسطحها! فما كان وقع العقاب من الرب للوليد! إلا أنه ليس غازياً بل هي دياره! و هو حاكمها! فكيف سولت له نفسه التصريح بذاك القول القبيح . و كان الوليد طاغية مستبد باطش بخصومه ، و قيل أنه كان إلى جانب بطشه مخموراً لا يفارق الكأس كفه! وإن جمعنا ديكتاتوري عالمنا اليوم في كفه و الوليد في كفه لرجحت كفه طاغوت بني أمية ! ، رغم أن مصطلح ديكتاتور مصطلح معاصر تعريبة بلغتنا أمة الضاد المنسية! طاغيه ظالم ، إلا أن كل ما يعيق تقدم و نهوض الأمم و نماء و تطور الشعوب قديماً و حاضراً كان و لازال جبروت الملك !
و ذات يوم كان يبحث رسول دولة من الدول عن حاكم حكم المسلمين فوجده مستلقياً باغتته غفوة النوم من التعب! فقال قولته المشهورة : حكمت فعدلت فأمنت فنمت! ، أيجود الزمان بمثله! أم سيظل الجبروت أبد الدهر !!