كانت افعاله الشنيعة تجري في الخفاء, فتنسرب روائحها العطنة في الشقوق الغائرة والثقوب الضيقة, ترد النوادي والعرصات والمنازل فتزكم الأنوف بقرفها الرهيب, .. لم يجرؤ أحد على المجابهة .... بل لم يجرؤ أحد على وضع كفه على انفه, ... قد يعد ذلك انتقادا. حين أحس منهم الخضوع التام أظهر عمل زري كقلامة ظفر فدفعه غروره وخوفهم أن يبرز أكبر من ذلك ... وهكذا.. حتى سولت له نفسه اشباع شبقه كاملا جهارا, كما لم يشبع شرهه القاصم الذي تمدد كأخطبوط أي وارد, فبرقت في ذهنه فكرة شيطانية, جسدها بعد جهد زهيد إلى واقع ملموس, وذلك حين مكن زوجه وابنه في ما تبقى ..... كانت الزوجة نسخة شيطانية عنه, سطت ببرودة أعصاب على حلي وجوهرات نساء البلدة, ملئت خزائنها بالذهب والفضة والزمرد والياقوت .... فأصابها بعد ردحا من الزمن هوس عربيد أقظ مظجعها,.. كان السهاد يؤرق عينيها فلايغمظ لها طرف حتى تكسو جسدها بحلة صفراء من الذهب الخالص,.. تسدل الستار على تقاطيع جسدها, وأي قطعت لثمت جسدها سلفا لاتدحظ الشر القابع في أرقها, هكذا دأبت تحارب الأرق المجنون عبر حلة ذهبية تلامس جسدها البض كل ليلة, فزاد شرهها المخيف للذهب, وتحت وطأة الحاجة الملحة أرسلت الكتائب تجوب البوادي والغفاروالوهاد الغائرة والنجاد الناتئة, تسطو على مقتنيات المعوزين الحفاة... كانت الرسل تغفل محملة بالأثقال فتستقبل الجند بابتسامة عجلى وتنحني زاوية مواربه على غنائمها تظيفها في هلع طاغ إلى حصة الليالي . حين قظمت أظافرها كطفل مكروب أدرك زوجها أن قلقا عنيفا يهد أركان سكونه الرقيق, كان القلق مبعثه تناقص الذهب إلى حد مهول, وبالتالي بدت أنياب الأرق حداة مسنة, يوشك أن يجهز بضرباته المثخنة على وجودها, هب زوجها مذعورا وراح يتلمس شفاءها العصي , جلب أجدر الأطباء إلى بلاطه , كال الذهب على رؤوسهم ورصد جوائز سنية لمن ينتشلها من مرضها , فتسابق الأطباء رهبة ورغبة إعملو خبرتهم سقوا جسدها كل محلولاتهم والأرق لازال كغيمة سوداء, تنثال نبالها الشقية على جسد الزوجة الماحل فتغرقه في مستنقعات السهاد الضحلة , شق على الزوج مصاب زوجه الجلل, فطرق كل باب,... جر السحرة وكل مدعي لكن دون جدوى شاخ جسدها البض وتسلل الذبال إلى جلدها . نام الملك على سريره الخشبي البهي, المصنوع من الابنوس الفاخر, وعلى ظهره فراش وثير,.... كل ذلك واكثر ..... لم يجلب النعاس إلى أجفان زوجه الساكنة عن يمينه,... كانت .... تتقلب كموبوء والملك يداعب النعاس أجفانه ويجفل حين يحس بتململها البطيء, حاول جاهدا فخارت قواه أمام طوفان النوم الهادر, هنيهة وهب هاتفا بصوت جهوري تردد صداه المجلجل في القاعة والأروقة والوزايا والتكايا: أخيرا وجدت الحل. في الصباح استدعى رسامي المدينة ورصد مكفأة سخية لمن تصيب ريشته جمال روحه الفريد وزوجه وابنه, تسابق المنافقون فانتثرت لوحات تصور جمال لايضاهي, كانت اللوحات تصور الملك في أبهى حلة تخلع عليه رداء الحسن وتجود بمقدار لايقل عنه على زوجه وابنه, لكن لم ينفع أي منها بدأ الأرق أكثر شراسة من قبل, فنظر ناحية زوجه في استعطاف وقال : كان حقا ما زارني في حلمي, لقد طرقني ثلاث ليل, وفي كل ليلة يهتف بي قائلا: لن تبرأ مما بها حتى يصور رسام مقتدر أرواحكم أنتم الثلاثة في لوحة عظيمة. سكت ثم قال: ستقع أيدينا على الحل بالتأكيد , ستقع اصبري. تقاطر الرسامون من كل حدب وصوب كقدر محتوم, وراحت فرشاتهم تجدف بعيدا عن الصواب,.... تناثر الطلاء وصبغ البقعة برداء غريب وتكومت اللوحات السليمة والهشة حتى ضارع مجموعها قصر الشيخ في علوه, مع ذلك...... كل المحاولات باءت بالفشل. وذات صبيحة كئيبة , عرج بالبلاد سائح هزيل يتوسط وجهه أنف معقوف هاله منظر اللوحات, وحين طرق مسامعه قيمة الجائزة , نثر كنانته وعجم فرشاته فانتقى إحداها, .... تربع الملك على كرسيه ولعى يمينه عظام متراكبة يغطيها جلد طيني تشكل جسد يغرق في وهاد الذبال, وعلى شماله ابنه البدين المفلطح, لم يعر الملك الرسام اهتمام, وبالمقابل لم يبادله الرسام أي اهتمام واقبل على لوحته. لم تكن بالكبيرة فهي بكل تأكيد لاتكفي لثلاثة أجساد. راح يخط ويرسم,... يضرب هنا وهنا .. حتى أتمها, حين لمحها الملك امتشق سيفه وهزه عاليا وهو يكيل السب للسائح النحيل. كانت اللوحة عبارة عن مخلوق مروع ذي ثلاث رؤو س يأكل ثلاثة أشخاص كل في فم من أفواهه الثلاثة. حلق الملك بسفه عاليا وكاد يهوي به على لوحة السائح, فزجره شخير مدو يكاد يمزق أسماعه , شدهه منبعه ..اضطرب كممسوس حين ألفى جسد زوجه النحيل الغارق في لجة عميقة من النوم المفاجئ, تأرجح حينها بين فرح غامر وخجل مزر من بشاعة روحه القميئة , فسأل السائح : من أنت. فجاوبه بثقة عارمة: ساندرو بوتيتشيلي . فسأله مرة أخرى : ما اسم هذه اللوحة: فرد بتهكم لاذع: جزء من خارطة الجحيم , ألم تسمع بها من قبل.