من السهل وأنت تقبع في مكتبك، أو تنعم بدفء أسرتك، أن تتحدث بأريحية عن رؤيتك ووجهات نظرك في الأمور الاقتصادية والسياسية والتاريخية وحتى العسكرية كافة، والتنظير شيء والواقع الحقيقي شيء آخر، تداعت نحوي هذه الكلمات وأنا أشاهد مقاطع صور لأبطال قواتنا المسلحة على الجبهة الجنوبية في رباط وحراسة متواصلة لثغور حدود بلادنا وحمايتها من أي اعتداء وتسلل، يجتمع فيهم عزة المسلم، وإباء البدوي، وإقدام الفارس الشجاع.
يختلجني الفخر، وتغمرني السعادة، وأنا أرى أبناء وطني يواجهون العدو في برد الشتاء القارس بثبات وقوة وصبر، ترتسم على وجوههم الفرحة والسعادة، وسط اختلاط هذه المشاعر تذكرت مقولة كبيرة وعميقة للجنرال العسكري الأميركي الشهير دوغلاس مكارثر، الذي قاد جيوش الولاياتالمتحدة في حربها ضد اليابان حتى استسلامها: «من قال إن القلم أقوى من السيف من الواضح أنه لم يواجه أسلحة رشاشة من قبل». وأنا أقول لكل من يتحدث باسترخاء وهو يتابع القنوات الفضائية: من يعتقد بأن مهمة أبنائنا على سفوح جبال السروات سهلة فإنه لم يعرف الحروب ولم يعرف زمهرير الجبال.
جيشنا الباسل تم بناء فرقه، وصقل روح الجندية فيه على عقيدة الجندي المسلم، لا عدوان ولا ظلم ولا استهداف للأبرياء، سلم مع من سالم، وحرب ضد من رفع السلاح، واليوم أبناء قواتنا المسلحة يواجهون عصابات تجردت من قيم الجوار والدين والأخوّة، واختاروا أن يكونوا مرتزقة وخونة لدينهم وبلادهم وأمتهم العربية، بل وإرث آبائهم وأجدادهم، ورهنوا مصيرهم بالمشروع الإيراني في المنطقة، يشاركهم المخلوع صالح، الذي يطمح ويلهث للعودة إلى كرسي الرئاسة، وهو الذي تربع عليه نحو ثلاثين عاماً، ولم ينتج سوى التنمية المتعثرة والاقتصاد المتداعي، ويكفي أن نعلم أن المستشفيات وأهم الطرق في اليمن وغيرها من المشاريع التنموية، تم إنشاؤها بدعم وتبرعات وهبات من دول الخليج، وعلى رأسها المملكة، لكنه للأسف مارس خطة تعتيم ضد العديد من أبناء اليمن، هذا التعتيم ساعد في تمرير خطابات وعاظ الحوثيين ودعوتهم النتنة التي تقوم على الكراهية والطائفية.
لن أذهب بعيداً للدلالة على نتيجة هذا التعتيم والسطحية والجهل، التي يعيشها هؤلاء المغيبون عن رؤية الصورة الحقيقية لما يدور في ساحة القتال، سوى الحوار الذي شاهدناه حديثاً في إحدى القنوات الأجنبية الشهيرة المتحدثة بالعربية، حين تحدث أحد قادة الحوثيين ورد بحدة على أحد المحاورين بقوله: «المؤتمر الذي سيعقد في منتصف كانون الأول (ديسمبر)، ليس في جنيف كما تزعم، اذهب وصحح معلوماتك، سيعقد في سويسرا»!، ليس هذا فحسب، بل هناك جملة من المغالطات المضحكة، مثل: ادعائه بأنهم يحتلون جزءاً من الأراضي السعودية! وما هذا إلا نقطة في بحر المغالطات التي يسمعها المواطن المغلوب على أمره في اليمن، ومن المخزي أن يعتقد هؤلاء الحوثيون والقائمون عليهم أن الآخرين بالسذاجة والغباء المعرفي نفسه، هؤلاء مرتزقة لا قيمة لديهم لدين أو مبدأ، ولا يبالون بالمواثيق الدولية من قوانين الاشتباك المسلح، أو حماية الأبرياء في زمن الحرب، بل إنهم ألهبوا تعز بالقنابل على رؤوس المواطنين، وجندوا الأطفال، إذ يتم اختطافهم والقذف بهم في أتون الحرب، وهذه الانتهاكات تم رصدها من منظمات دولية قامت بالتحقيق بشكل مستقل.
أبناؤنا يدخلون في معارك يومية مع هؤلاء المرتزقة الذين تجردوا من أية قيمة إنسانية، ومنهم من لاقى ربه شهيداً، وآخرهم البطل العقيد ركن عبدالله السهيان رحمه الله، وجميع شهداء الوطن، الذين أرخصوا أرواحهم من أجل أن تبقى بلادنا منيعة عزيزة قوية، ولله الحمد فتضحياتهم لم تذهب سدى، فهذه بوادر النصر قادمة، ولنا ثقة بالله، ثم بقدرة وتميز رجال قواتنا المسلحة، نحن ننعم بالأمن والراحة، وقد يصعب علينا أن نتخيل حجم التضحيات التي يقدمها أبطالنا المرابطون الصامدون على حدودنا وعلى سفوح الجبال في هذه الأجواء الشديدة البرودة، لذا يجب أن يكون دورنا كبيراً تجاه ما يقومون به من عطاء وشجاعة، بدءاً من توحيد وتكثيف الدعاء لهم بالنصر والعزة، وانتهاء بنشر الوعي بأهمية دعم الروح المعنوية العالية لديهم، وتجنب تداول صور أو رسائل مغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي قد يدسها العدو الحاقد وينسبها إلى جنودنا البواسل.
ببسالة هؤلاء الأسود ستنقشع العتمة، ويعود أبناؤنا الأبطال إلى أحضان أسرهم محاطين بفرحة النصر والأجر بإذن الله.