نجاح ثورة 11 فبراير اثمرت في ازاحة راس الفساد والطغاة المخلوع علي عبدالله صالح ، الا انها غفلت عن عمق النظام الفاسد والاستبدادي. اليوم المشهد الحاصل في اليمن ، عدونا الذي نقاتله هو تلك المنظومة السياسية الفاسدة التي ضلت تحكم اليمن لا كثر من ربع قرن ، صحيح ان رأس الاستبداد قد تنحى بفعل الثورة السلمية ، لكن بؤرة الفساد بقت بعد الثورة تحاول بلورة نفسها مجددا ، وتلئم جراحه ايضا ، لتعود للهيمنة على اليمن مرة اخرى ، متجهة في نهاية المطاف الى التحالف مع ميليشيات الحوثي.
تلك المنظومة السياسية التي تربط بينها وبين حلفائها في الداخل والخارج ، شبكة متعددة من المصالح ، جزأ من هذه الشبكة ايضا متعلق بالكتلة الامامية الذي بقت بعد ثورة 26 سبتمبر المجيدة، وتلك الكتلة وللأسف الشديد تشكل قاعدة تلك البؤرة الفاسدة التي قذف منها المخلوع صالح الى الحكم ، واتجه هو بدوره مسارعا الى ضرب الخصوم السياسيين كما حدث في الاغتيالات المشهورة في بداية وصوله الى السلطة ، وايضا ضرب النخبة السياسية الاشتراكية بعد الوحدة بثلاث سنوات ، هي نفسها المنظومة السياسية ايضا التي قامت باغتيال كل من لم يعمل لصالحها من رؤساء الجمهورية اليمنية العربية السابقين كالحمدي والغشمي وغيرهم.
بعد ان شعرت بالخطر على مصالحها وحكمها ظهرت بكل تلك الاسلحة الثقيلة والكتائب الصفوية الى المشهد اليمني بقوة ، متسترة بقناع التزييف الشعبي وتزين قبحها بمكياج الثورة التصحيحية ومستقلة حافلة المسيرة القرآنية ، وبعد ان خرج الرئيس عبدربه منصور هادي من صنعاء متجها الى عدن ، تخبطت هذه المنظومة الاستبدادية الطاغية وارسلت كتائبها في كل مكان مزيلة قناعها التي كانت تتستر به ومظهرة ملامحها البشعة ، معلنة ولائها لذاك العهد القديم الغابر ، ومعلنة قتالها لشعب اليمن على لسان المخلوع صالح ، ولسان عبد الملك الحوثي ، اليوم تسيل دماء احرار الشعب اليمني مدافعين عن ثوراتهم ، ثورة 11 فبراير ، وثورة 26 سبتمبر ، صحيح ان ثورة 26 سبتمبر المجيدة انتصرت ، الا ان فكر الامامة بقى مخيمآ على صعدة وغيرها من مناطق شمال الشمال.
اليوم تكشف تلك المنظومة السياسية عن قبحها ، وتتحرك عجلة مصالحها بسرعة غير مدركة انها تتجه نحو هلاكها لا غير ، اليوم ايران الراعية الرسمة للحوثيين تتحالف مع الشيطان الاكبر اسرائيل تحت ما يسمي بالتنسيق الروسي الاسرائيلي ، وفي ضل الصحوة العربية ، ينكشف زيف ممانعتها ، اليوم يسلب الربيع العربي منا ، وامام عيوننا ، اليوم تونس تقاتل نخب الحداثة الزائفة ومتعرضة ايضا الى السياح الايرانيين الجدد وحركة التشيع في ضل سكوت غريب للاحزاب العلمانية الشرسة التي شهدنا منها في السابق مهاجمة السنيين والاسلام السياسي المعتدل ، اليوم سوريا غارقة بين بندقية الوكيل الطاغية الاعظم والكفيل القيصري ومباركات ملالي طهران ومنبر حسن نصر الله الكاذب ، اليوم مصر عادت الى حكم العسكر وتجفيفه، وبقى الشعب المصري بين الحسرة والحيرة على ديمقراطيتهم التي اغتصبها عسكر مصر والمال الخليجي الفاسد بمساعدة المخابرات البريطانية ، تحت اشراف العم سام الداعم لديمقراطية في حال فقط كانت تليق بالاستثنائيات الامريكية.
اكتشفنا وللاسف ان انظمتنا كانت مرتبطة بالقوى الاستعمارية السابقة ، نقاتل من ثرنا عليهم في القرن الماضي ، وكانهم فقط غيروا بروتوكول الحكم فقط او البوفايل ، مثلاً اليمن والامامة ، وايضا نشاهد تدخلات فرنسا الا مبررة في المغرب العربي ، ليبيا والتدخل الخشن وتونس وتدخلها الخفي ، بل وتصرفات الاعلام الفرنسي التي ليس لها حدود ، بل وايقاف شعب الجزائر قبل ان يثور.
للأسف؛ جزاء كبير من الشباب الذي كان مع الثورة ، وقع في الفخ الاعلامي الذي نصبته قوى الانقلاب في كل ارجاء المعمورة العربية ، حملات تشوية وتشكيك وتخويف من الاسلام السياسي في المنطقة العربية ، نشهدها منذ زمن ما قبل الثورة ، في كثير من الاعلام سوى محلي او دولي ، وايضا الاعلان الهزلي الصادر من بريطانيا عن ان الاخوان منظمة ارهابية ( سهلت لإيران استلام ملف محاربة الارهاب ) واستخدمته في خدمة مصالحها الشخصية في ضرب الثورات والاخوان المعتدل الذي كان يعتبر وللأمانة هو الكيان المتكامل القادر على حمل الحكومات العربية وتحقيق مساعي شعوب امتنا بعد الثورة ، وللأسف مصانع الكذب الاعلامي وخاصة تلك التي تمتلك البراعة العالية في التأثير على الراي العام ، جعلت شبابنا وهم حتى في اوج ثورتهم اليمنية ، يراقبون كل صغيرة وكبيرة ويتذمرون ليل نهار من الاخوان (حزب الاصلاح) ، بل وحتى في ضل هذه الحرب الهمجية التي تشنها قوى الظلام ، ارى كثيرين يعتقدون بان ميليشيات الحوثي وصالح ، لم تاتي الا لضرب حزب الاصلاح ، وانا اؤيدهم بجزاء كبير من كلامهم ، لأني ارى الميليشيات عندما تحتل اي منطقة تبدا بالبحث عن قيادات حزب الاصلاح اولًا ، لكن اخالفهم في تلك النظرة السطحية التي يصدقونها ، فمن دبر وصنع هذا الانقلاب كان هدفه الاول هو ضرب الثورة ، والثاني ضرب الخصوم السياسيين.
كتائب الموت تلك بين؛ بين فوهة المدافع ، والشعارات الخضراء ، تدافع عن احدى ابشع منظومات الفساد في الوطن العربي ، عوضآ عن حملها لمشروع استبدادي دخيل عن وطننا وعاداتنا وتقاليدنا واعرافنا ، ومع هذا فان من الواضح جدا ان المسالة قد تخطت "الحسين وعلي" نعم كل ما تجلبه ايران الى الوطن العربي هو مشروع صفوي ، لكن هذا في ظاهرة ، اما في باطنة يحمل طيات مصالح استعمارية لا دخل لها في الدين ، او في الممانعة والمقاومة.
ها نحن اليوم امام فرصة لضرب عمق تلك المنظومة السياسية في اليمن ، وقطع ذراع ايران ، علينا الا نتهاون مع هذه المسألة ، نحن في صدد الانتهاء من بؤرة الفساد ومن قاعدته العميقة نهائياً ، اي حل سياسي حاليا ونحن على مقربة من صنعاء سيعطي فقط تحالف الطغاة وزريبتهم الفاسدة فرصة للقط الانفاس والعودة من جديد ، وسيبدأ نظام صالح الفاسد مع الامامة بتشكيل نفسها مجددا والتستر بملابس اخرى ومكياج اخر ، وبتحالفات اخرى ، او على اقل تقدير سيبقى لإيران يد في اليمن في ضل خدمات الوكيلان صالح وعبدالملك الحوثي.