النمو السرطاني والذي يصيب الانسان، قادر على النمو بغير حدود مالم يتم الحد منه سواء بواسطة جهاز المناعة لهذا المصاب او بواسطة وسائل العلاجات الطبية المتاحة ضد هذا المرض. ولكن إذا حدث على الرغم من هذا وذاك وتمكن المرض من الهيمنة على المريض، فان النتيجة الحتمية والطبيعية تنتهي بموت المريض نفسه. واذا ما تمكن هذا المرض من ان يصبح مهيمنا وخطرا على اخرين وبالجملة، فان الامر هنا لا يدعوا الى الاطمئنان، وعلى الجميع اعلان حالة الطوارئ وحشد كل الإمكانات والجهود للتصدي والحد منه . وهذا للأسف ما نحن عليه اليوم من خطر حقيقي يهدد امن وسلامة الوطن والمواطن من جرائم قتل للأرواح وسفك للدماء وبالجملة ولا يكاد يمر يوم تقريبا الا ونسمع عن تلك العمليات الاجرامية التي تستهدف حياة انسان وحرمانه نعمة الوجود والعيش على هذه البسيطة كما أرادها رب العالمين وحكمته في خلق الانسان على هذه الحياة للقيام بعبادة الله سبحانه وتعالى أولا وحكمته في اعمار هذه الأرض وصنع الحضارة عليها والتي تتطلب الكد والكدح والعمل المتواصل والاخذ بناصية العلوم والصناعات ثانيا، لا ان يتم سلبها من انسان اخر عن طريق القتل وازهاق الأرواح وسفك الدماء التي حرمها الله الا بالحق، وبالتالي فإننا امام ظاهرة إجرامية منبوذة تتطلب بكل تأكيد حشد كل الطاقات والإمكانات والهمم من الجميع للوقوف صفا واحدا خلف الأجهزة الأمنية والاستخبارية ومؤازرتها، فالأجهزة الأمنية مهما كانت جهودها وامكاناتها لاسيما في هذه الظروف العصيبة والتي يختلط فيه الحابل بالنابل، تظل جهود قاصرة وبحاجة الى مساهمة جهود الجميع وعلى الدوام. والحقيقة ان هاجس الامن هو شعور قديم قدم الانسان ذاته وجد معه لمواجهة حالة الخوف الذي يتعرض له، وكان من الطبيعي حماية نفسه من شتى أنواع المخاطر البيئية والبشرية التي يتعرض لها، وأصبح الاحتياج الأمني ضرورة يشمل كل ما يتعلق بالإنسان من امن جسده الى امن كيانه وحرياته وحقوقه، وأصبح الامن يشكل ركنا من اركان وجوده الإنساني والاجتماعي. وهو الامر الذي أصبح لزاما على الدول اتباع سياسات واستراتيجيات لتحقيق شعار الامن مسئولية الجميع، فالتجربة اليابانية مثلا في هذا الخصوص قامت بإنشاء لجنة امنية وطنية لرسم السياسات العامة ولجان امنية مستقلة على مستوى المحافظات، كما قامت بإنشاء مراكز اتصال من عدد كبير من المواطنين من الجمعيات والمجالس المحلية ومن المربين والموجهين الاجتماعيين يعملون على مدى الساعة بهدف توجيه الاحداث وحل القضايا الخاصة بهم وتوعية الأطفال وصغار السن من مخاطر الجريمة وحل مشاكلهم العاطفية والنفسية. كما سعت فرنسا في هذا الامر لتطبيق مفهوم الامن مسئولية الجميع لمواجهة الجريمة وذلك انطلاقا من فلسفة معينة هي ان على الشرطة ان تقترب الى المواطن بدلا من ان يقترب المواطن من الشرطة. واذا كان الامن غاية العدل، وهو أساس للتنمية، فلا تنمية ولا ازدهار الا في ظلال الامن، فالإبداع الفكري والمثابرة العلمية والنهوض بالاستثمارات هي اهم مرتكزات التنمية، وهي أمور غير ممكنة الحدوث الا في ظل امن واستقرار يطمئن فيه الانسان على نفسه وماله وعرضه. لذلك وانطلاقا من مسئوليتنا جميعا فان الامر يستلزم إعادة صياغة مكافحة الجريمة وحماية امن الوطن والمواطن وفقا لاستراتيجية مبنية على أسس علمية تضمن مشاركة فعالة لمؤسسات المجتمع المدني جنبا الى جنب مع المؤسسة الاستخبارية والأمنية. والله ولي التوفيق .