إن لعبة التغيير السياسي المتناوبة تعزّز من عملية بناء الأوطان وتماسك المجتمعات ،وتكون عاملا جوهريا من عوامل تطورها وازدهارها ،حاضرا ومستقبلا .ففي الدول الديمقراطية المتقدمة ،تمارس هذه اللعبة بكل يسر وسلاسة ،حيث إن انتقال السلطة من جهة سياسية إلى جهة سياسية أخرى لا يهدد مداميك الدولة ومؤسساتها ،ولا إستقرار المجتمع والحياة العامة فيه ،التي تظل تسير بشكلها الطبيعي في النماء والتطور . أما في الدول العربية ،فإن معنى انتقال السلطة من جهة سياسية إلى جهة سياسية أخرى " قيام الساعة " ،أو عمليه زلزاليه خطيرة لا سابق لها ،حتى وإن حدثت لمرة واحدة في تاريخ هذه الدولة أو تلك بقدرة قادر ،أو حدوث معجزة سياسية ،أو تدخل خارجي يفرض انتقال السلطة بالقوة .وعليه ،من يأتي إلى الحكم ،تكون مهمته الأولى والأخيرة إلغاء الآخر وشطبه واجتثاثه من الوجود السياسي ،وربما الكينوني برمته أيضا .لان العقل العربي الصنمي المتحجر هو السبب في التخلف العربي الذي تعيشه الدول العربية ،في الاقتصاد والسياسة والتعليم ،الذي جرنا إليه الغباء العربي والمخطط الغربي الذي يبحث عن مصالحه أينما كانت ومع من تكون .
ففي العقل العربي السياسي لا يوجد تداول للسلطة باستثناء لبنان الذي يوجد به أفضل نظام سياسي في العالم العربي ،لان ثلاثة رؤساء سابقين على قيد الحياة يعيشون في لبنان .اما في بقية الدول العربية فمازال الموروث التراثي القديم حاضر في العقل الجمعي العربي السياسي ، حيث تم تهميش دور الشعوب العربية حتى يومنا هذا في الأمور التي تتعلق بالسلطة السياسية ،ومازالت حتى يومنا هذا تعيش على الهامش في الأمور التي تتعلق بانتقاء الحاكم وصلاحياته ومدة حكمه ..
فالحاكم العربي يجسد أسوأ أنماط الحكم ، لأنه يقوم على تدمير الدولة ونظامها المؤسسي ليبقى في الحكم أطول فترة ممكنه, ثم توريث الحكم لأسرته بعد ذلك, من خلال فرق الموت التي كونها لتنفيذ عمليات ممنهجة لتدمير الدولة ونظامها المؤسسي, في حال قامت ضده ثوره أو معارضه, تحت شعار,,انا ومن بعدي الطوفان,, ,في محاولته إقناع الناس بأنهم لن يلاقوا زمنا أفضل من زمنه.فالدواعش هم الوريث والأبن الشرعي للأنظمة الديكتاتورية المستبدة, وهم الحصاد الطبيعي للدواعش الكبار, أمثال الحكام العرب الطغاة, فقد ذكر الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد :إن الأنظمة الديكتاتورية المستبدة عندما تسقط تكون كالثور الهائج أو كالفيل يحطم كل شيء أمامه. إن الحاكم الديكتاتوري المستبد مشكله وهو على كرسي الحكم, ومشكله أكبر بعد رحيله عنه, وذلك لأنه أثناء جلوسه على الكرسي يختصر الدولة في شخصه وعندما يرحل أو يرحّل فإن الدولة ترحل معه لأنه هو الدولة بكل مؤسساتها العسكرية والمدنية. وأمام وضع كهذا تكون الشعوب المبتلاة بمثل هذا الحاكم أمام خيارين : إما القبول بهذا الحاكم وفساده وظلمه, أو التخلص منه والدخول في مرحلة فوضى على كل الأصعدة