أي فكر خبيث لا يمكن له أن ينتشر ، ويجد قبول ، دون أن يجد فراغ يملئه ؛ فليس ثمة فراغ فكري بالمطلق ، فكل إنسان لديه (مليء) موقف فكري وفلسفي من نفسه وحياته والكون والمجتمع والقضايا والأحداث المحيطة به ، والواقع يفرض نفسه على البعض فيتكيفون بأهوائه , أو ببساطة، فإن الفراغ الفكري الذي يشغلنا اليوم هو وعي الذات المناقض أو المختلف عمَّ يجب أن يكون، عندما تغيب الحقائق ونفتقد للمصداقية ويشوَّه الحق وينمَّق الباطل , وتجد كم هائل من التناقضات والقنوات الإعلامية المضللة , تتشكل المواقف والأفكار أو الوعي والهويات والانتماءات المناقضة والمختلفة عما يجب أن نكون عليه ,بغض النظر عما يملك الشباب من ثراء فكري ومعرفي , نحتاج اليوم لصياغة فكر الفرد بصورة علمية يميز بين الحق والباطل ويصونه من التشوهات والغلو والتطرف والتعصب الأعمى . في ظروف الأزمات عندما توجد مشكلة حقيقية على الأرض , تنتج مظالم وقهر وألم وأوجاع , لحظات تجعل الإنسان قابل للشحن والتعبئة ,فإذا بالمغرضين وأصحاب النوايا الشريرة يجدون اللحظة المناسبة لبث سمومهم , وتبدأ مرحلة الشحن الطائفي ألمناطقي والصراعات السلبية المدمرة , يبدأ استدعاء الماضي السيئ ليسكن الشباب في خبث تدمير أعمدة المستقبل لينهار الحلم على رؤوسنا جميعا . إن وضوح الهدف و وجود رسالة وإيمان بحب الوطن والذود عنه وعن مصالحه , عندما تكون الصورة واضحة في العقل المنير بالعلم المتحرر من التعصب والجهل والمصلحة , يصون الفرد من الانجرار خلف الدعوات المشبوهة , ليجري مع كل ريح , وعاجز عن تحديد مواقفه من أهواء المذاهب وتيارات النظريات وزخارف التعابير المنمَّقة الكاذبة , إذا امتلكنا حريتنا في الاختيار متحررين من الماضي من القبيلة والعشيرة والطائفة مصانين من الدس والشحن , مؤمنين بقضيتنا ومشروعنا الوطني الراسخ في كياننا الروحي والنفسي والعقلي، واستطعنا في ضوئه أن نواجه كل ما يقدم إلينا من هذا الشتات الكثير المختلط بالعفن والغث ، إن الخطر الذي اجتاح بعض من غلبوا على أمرهم فانحازوا إلى هذا الفكر المتطرف يسارا أو يمينا , مع سيد أو شيخ أو زعيم , إنما كان مصدره "منطقة الفراغ" التي دفعت الرياح الهوج لتملأها , ولو أنهم وجدوا من يوجههم ومصدر أفضل ليملئها بالحق والخير والوطنية والنور المستمد منهما والفكر الأصيل لما استطاعت الأهواء أن تجتاحهم، لقد برقت في عيونهم كلمات خادعة ، ولو تعمقوها لوجدوها سماً زعافاً , ونحن جميعا مسئولين عن تغلغل هذا الفكر المدمر في فراغ تركناه دون أن نساهم في ملئه بالحق والخير والمعلومة الصحيحة والمنهج الوطني الصادق المصون للفرد و وطنيته وإنسانيته وهويته . كيف لأمة لها هذا التاريخ العريق والدور الأصيل في بناء حضارة الإنسانية أن تحتوي، أو تصهر في أتون فكر ضال , دون أي سبب أن لم يكن يتعلق في الأفكار الضالة الأخرى ذات الطابع السياسي المنتشرة للمماحكة سياسية دون دراسة حقيقية لإعراضها الجانبية , وهي نتيجة طبيعية للدعوات المشبوهة لإخراج امة من عمقها الوطني والحضاري . يرى البعض إن الخواء الفكري الذي يعاني منه الشباب اليوم وصل إلى درجة خطيرة . ، حيث امتلأت عقولهم بكل ما هو غث، فما يستحوذ على عقول الشباب اليوم هو التعصب ألمناطقي والطائفي والسلالي المقيت , خطابا بذي ولغة سوقية وسلوك دميم وفرز سيئ للناس , وماذا تريد أن تجد أمامك في مثل هذا الوضع العفن غير أن تطفوا للسطح كل الرذائل والشوائب , وللأسف صار الإعلام مصدر هذا العفن من صحف ومواقع و الفضائيات وما تبثه من شحن وحشد للعنف والعنف المضاد و الإسفاف في الفن وزوامل الموت وبرامج هزيلة هابطة تبث الفرقة وتزرع العصبية والتفاخر بالأنساب !, والنتيجة مدمرة لوطن وأمة , والمعروف أن حبل الكذب قصير وبسرعة يفتضح الإعلام السيئ والرديء ويأتي بنتائج سلبية على الجميع وعلى رأسهم مموليه . قراءة الأسباب التي أدت إلى هذا الانجراف الذي تبعه خواء فكري رهيب لوجدنا أن المسألة متشعبة وأصابع الاتهام تشير إلى جهات عديدة مسئولة جميعها عما آل إليه وضع شبابنا من أنيميا ثقافية حادة، وهم عماد الأمة وترمومتر تقدمها .. أو تخلفها ! احمد ناصر حميدان