كثير من نخب عدن المتحضرة اصبحت تخيط المقدمات التي تؤدي إلى حمل حقائبها والرحيل ؛ الرحيل عن الضراء بعد ان نعموا بعدن السراء ونبتت اجسادهم واجساد بنيهم من كتف المدينة الآيلة للسقوط بحسب هواجسهم .. في هؤلاء اصرخ واقووووول : أتريدون الرحيل يا ابناء السراء ؛ ستتسربون بين ثقوب الوفاء يا ابناء الرخاء ؛ أتريدون أن تروا دمار عدن من الجوار ؛ على شاسة التلفزيون حيث تقعدون على اريكة في فنادق دبي وابو ظبي ؛ تريدون ان تروا الملهاة مجرد خبر على صفحة جريدة تقرءونها وانتم تحتسون القهوة ؛ تريدون أن تسترقوا النظر الى عدن الوطن وهي كلفافة ورق تموج مع التيار وهو يجرها من مجهول إلى مجهول ؛ تريدون أن تتركوها وهي في مقلة عين تفيض وتشكو عجزها أمام عقوق غادرها وهي بين أنياب الطوفان ؛ تريدون أن تروا التيتانيك وهي تغرق يا رعاع ؛ تريدوا أن تكونوا جماهيرا تشاهد صراعات الموت على ملعب الكولسيوم في روما ماركوس ايريلوس ؛ تريدون أن تكون محايدين في حرب الدفاع عن المستقبل ؛ آثرتم الحياد في معركة الدفاع عن عدن الغد ؛ الدفاع عن عدن المستقبل ؛ أين موقع عدن من افئدتكم يا أمراء الفلل في المدينة المنكوبة .. اتجه بالصراخ إلى كل فرد فيكم واقووووول : أين حبيبتك ايه العاشق الضليل ؛ أين فؤادك ؟ أين روحك ؟ أين عقلك يا شبح محب جبان ترك عشيقته للموت تماما مثلما فعل المريض الإنجليزي في صحراء ليبيا ؛ نعم تركها بعد أن وضعها في كهف ووعدها بأنه سيجلب الدواء لرجلها الجريحة ؛ كان جبانا وأقل شأنا من جاك الذي حول ساعديه إلى مجداف كي ينقذ روز من غرق محتم بعد أن هوت التيتانيك إلى قاع المحيط ؛ مات جاك لكن روز عاشت واثمرت وولدت رجالا ونساء ، لكن عشيقة المريض الإنجليزي ماتت وهو عاش هزيلا ضعيفا يلازمه المرض حتى توسل إلى ممرضة أن تقتله بابرة رحمة .. حسنا تريدني أن انصحك ؛ أجل سانصحك ؛ سانصحك وسانصح من معك من مجمع الهروب في هذا المنعرج المصيري الذي سيرسم التاريخ لنا ولاهلينا ، وابنائنا ، وبناتنا ، ولكل عزيز فيها علينا .. من يظن من نخبنا المحترمة الموقرة من سياسيين ، وقادة فكر ، ومجتمع وإعلاميين ، انه سيرحل هونا ما ريثما يتحسن الوضع في عدن وسيعود وقد عادت لعدن صفحة الاستقرار التي طويت عنها منذ فترة ؛ لهؤلاء اقول : يا حبايبنا يا حلوين سافروا وهاجروا وغردوا ماشئتم في سماء الأفق الرحيبة ؛ ولكن إلى متى ستظلون في الغربة ؟ .. عودوا الآن أو غدا ؛ وحينما تعودون من سفرة النأي بالنفس والفرار من المسئولية لن تجدوا المدينة الجميلة عدن في كوكب الأرض محمية بالاوزون ، ستجدوها في اوديسا الفضاء .. عدن ستكون تحت الأرض ستكون في المشتري ؛ في الزهرة ؛ في كوكب المريخ ؛ فوق القمر ؛ عدن سنعيشها نحن البسطاء العاجزون عن الهرب تحت السطح تماما مثلما كنا دائما تحت الأحداث وتحت المغامرات السياسية وتحت خط العيش الآمن .. ستعودون وتجدونا نجيد العيش دون أكسجين ؛ سنتعايش مع الموت ؛ سنتحور لكي نتوائم مع قدرة التعايش في الجحور والقبور وتحت الاقبية وبين شرانف الأودية السحيقة ؛ سنستطيع العيش لأننا بقينا ؛ سنتكيف لأننا خضعنا للتعرية وخلعنا رداء الإستراحة مقابل استمرارنا في التنفس ؛ لكن كيف ستسطيعون العيش ؛ انتم ؛ تحت خط العيش المتاح في كويكب عدن الشارد ؛ كيف ستتمكنون من العيش على ظهر نيزك ؛ وعلى تربة المريخ المحمرة المشبعة بالنتروجين حتى الاختناق .. إلى أين ستهربون وثقتها فيكم ستعلق في مخيلتكم كذرات تراب علقت من قبر الموءودة في أنف من دفنها حية .. إلى أين ستهربون من ترانيم الحزن وهي ترن في اسماعكم كرنين الذبابة في رأس النمرود .. إلى أين ستهربون وبين اصابعكم دمها وفي سواعدكم أثر من كل فرصة مبددة كانت متاحة لانقاذها ولم تنقذوها .. إلى أين ستهربون ؟! وأين المفر؟ ! .. أنصحكم بألا تسافروا ؛ لو سافرتم ستفتقدون إلى خاصية التأقلم .. لو سافرتم سيكون حالكم أشبه بحال ديناصور سافر قبل العصر الجليدي قبل أن تكتسي الأرض بالثلج بعد أن ارتطمت بمذنب أفنى الحياة البيئية التي كانت تنشط عليها قبل الانفجار ؛ حين سيعود الديناصور المسافر إلى الحياة التي بدأت بطريقة اخرى سيكون مقاسه أكبر من مقاس المخلوقات التي نشأت بطريقة تساير الوضع الكوني الجديد ، سيكون أكبر من قدرة العيش بطريقة الكائنات التي تكيفت مع الوضع ، سيكون حجمة وحاجيات جسمه الكبير سبباً في الكرب العظيم الذي سيلازمه أبد الدهر .. لذلك أقولها ناصحا امين : لا تسافروا ،،،