اتهم أحد قادة المعارضة اليمنية الرئيس علي عبد الله صالح أمس بإفشال المبادرة الخليجية لإخراج البلاد من أزمتها المستعصية، مشيرا إلى أن صالح "مستعد لكل شيء للبقاء في السلطة". وقال الأمين العام للحزب الاشتراكي والرئيس الدوري للقاء المشترك المعارض ياسين أحمد نعمان لوكالة الأنباء الفرنسية إن "النظام أفشل المبادرة برفضه توقيعها رغم أنها كانت تستجيب لجزء كبير من مطالبه".
وأضاف نعمان أن رفض التوقيع على الخطة الخليجية "يضع النظام بمواجهة الشعب الذي سيواصل انتفاضاته السلمية وسيصعدها". وتابع ردا على سؤال "لن يكون هناك رد فعل حتى لو استخدم النظام السلاح".
وختم نعمان "نحن مصصمون على الاستمرار في العملية السياسية، لكن يبدو أن النظام مصر على خيارات أخرى، أي رفض الخيار السلمي، كما أنه مستعد لكل شيء لكي يبقى في السلطة".
في غضون ذلك، قال مسؤول في اللقاء المشترك وشركاؤه طالبا عدم ذكر اسمه إن صالح فرض شروطا تعجيزية قبل التوقيع على المبادرة التي تنص على رحيله. ولم تصدر أي مؤشرات حول رغبة الرئيس في التنحي داعيا أنصاره إلى حشد صفوفهم كما يحصل كل يوم جمعة في صنعاء.
ووجه صالح دعوة إلى الصحافيين لحضور عرض عسكري الأحد المقبل بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين للوحدة اليمنية، لكن "شباب الثورة" أكدوا أنهم يحضرون لإقامة "حفل كرنفالي" في المناسبة.
وحول تأثير الأزمة على اقتصاد اليمن، يبدو أن الاقتصاد اليمني أصبح على شفا الانهيار بعد ثلاثة أشهر من المظاهرات التي اجتاحت الشوارع والأزمة السياسية التي عظمت عجز الموازنة وأبعدت المعونات الخارجية التي تعاظمت الحاجة إليها. فلا يزال المانحون قلقين من تقديم العون قبل اكتمال صفقة الرحيل السلمي للرئيس علي عبد الله صالح - وهو ما رفضه الرئيس الذي يحكم البلاد منذ عشرات السنين. ويقول محمد الميتمي أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء "إذا لم يحدث ضخ للأموال من الخارج... فسوف ينهار الاقتصاد اليمني دون شك". وأضاف الميتمي "سوف ينهار الريال ويرتفع التضخم إلى مستوى لم يعرفه اليمن من قبل. ولن يتوفر الغذاء الضروري لمعظم السكان الفقراء أصلا". ولليمن حلفاء لهم مصالح قوية في الحفاظ على أمن البلاد. فالحلفاء يخشون من أزمة طويلة تؤدي إلى اشتباكات بين الوحدات العسكرية المتنافسة داخل العاصمة ويخافون أن تصب الاضطرابات الناتجة في مصلحة فرع القاعدة النشط في البلاد والذي يستهدف السعودية أيضا. وتحت وطأة المخاوف من الاحتجاجات التي حشدت عشرات الآلاف من المواطنين في شوارع المدن تعهد مجلس الوزراء المبتلى بشح السيولة - برفع الأجور وتوفير فرص عمل وتوزيع مساعدات تقدر بنسبة 3.5 في المائة من الناتج الاقتصادي أي 1.1 مليار دولار على الشعب. لكن مع تقلص احتياطيات العملة الصعبة لم يعد في يد الحكومة الكثير مما تناور به. وسيحتاج اليمن إلى ملياري دولار على الأقل خلال فترة تراوح بين ستة و12 شهرا قادمة من المانحين كي يوفر الخدمات العامة الأساسية - حسب تقديرات الميتمي. ويعتمد اليمن على النفط الذي يشكل 60 في المائة من دخله. لكن ارتفاع أسعار النفط لما فوق 95 دولارا للبرميل لم يكن فرصة كافية لالتقاط الأنفاس ولاسيما أن صادرات البلاد من النفط تراجعت وأجبر العجز الخطير الحكومة على استيراد الخام والوقود مؤديا لاستنزاف الموازنة. وبذلك يراوح عجز الموازنة بين 4 و5.3 مليار دولار هذا العام - وهو مستوى لم يعرفه اليمن منذ حربه الأهلية ضد الانفصاليين الجنوبيين في 1994- بينما كانت التوقعات الأصلية أن يصل العجز 1.5 مليار دولار- حسب تقديرات اقتصاديين. ورفض وزير المالية التعليق على وضع الموازنة في بلد لا يكاد ناتجه المحلي الإجمالي الاسمي 31 مليار دولار يتجاوز نصف الإنفاق السنوي لأبوظبي. وقال عبد الغني الإرياني- المحلل السياسي اليمني "إن المانحين يكافئون النظام بالمساعدات الاقتصادية. الأمر يعتمد على الانتقال السلمي والناجح للسلطة". وتبدل موقف صالح في اللحظات الأخيرة حين رفض التوقيع على صفقة توسطت فيها دول مجلس التعاون في نيسان (أبريل) الماضي لخروجه من السلطة خلال شهر. وذكر صندوق النقد الدولي- الذي خصص 35 مليار دولار من المساعدات لصالح الدول التي تعاني اضطرابات- أنه مستعد حين تسنح الفرصة لمناقشة مسألة المعونات مع اليمن الذي يعاني ثلث سكانه من البطالة. وكان الصندوق قد اعتمد قرضا لليمن بقيمة 370 مليون دولار في آب (أغسطس) 2010. وقبل أن تكتسب المظاهرات المعادية لصالح زخمها في شباط (فبراير) كانت الحكومة تخطط لجمع 500 مليون دولار من خلال إصدار صكوك إسلامية هذا العام لمحاربة تباطؤ المعونات الغربية. ولم يحصل اليمن إلا على نسبة قليلة من بين 4.7 مليار دولار تعهد بها المانحون في مؤتمر عام 2006. ويعتبر اليمن من أشد بلاد العالم فقرا بمستوى دخل للفرد بلغ 2600 دولار سنويا- ما يقدر بعشر دخل الفرد في سلطنة عمان المجاورة. وكان الاقتصاد اليمني يكافح قبل خروج آلاف الطلاب والناشطين ورجال القبائل بعد أن ضربته الحرب ضد المتمردين الشماليين والجنوبيين والقاعدة في بلد تنتشر الأسلحة فيه في أيدي الجميع. لكن أشهر من الاحتجاجات قضى فيها أكثر من 170 شخصا وضعت الاقتصاد على شفا الانهيار بعد نمو 8 في المائة حققه العام الماضي.